حول جلجلة الاتفاقية الأمنية بين امريكا والعراق وزمنية الفوضى..
سألني احدهم: ما رأيك بالإتفاقية الأمنية بين امريكا والعراق والمزمع توقيعها عاجلا أم آجلا ؟أجبته متسائلة بهدوء: وما رأيك برواية القمقم الأخير للروائي الساخر " قمقمانيس " والتي ستنشر بعد عام الفيل!؟
هل تدرك تماما باني من نسل حضارة ذاك الواد العريق بتاريخه اذ ظهرت اول كتابة هناك وبشكلها الصوري..اما اليوم فلدينا منظومة لغوية ومعاجم..علنا نعرج عليها قبل الإدلاء بشيء...
أجاب مفعما بالإستغراب: سيدتي مهلا...سؤالي بسيط وواضح فلم الإنعطاف نحو فضاء الحضارة والكتابة، والسخرية وانا اسألك عن اتفاقية!
قلت له (مستقرضة بعض استغراب): وهل تنفك الكتابة عن القراءة،وما جدوى الأولى دون الثانية..
قال متسارعا:..اتفق معك تماما...ولكني لم افهم الجدوى مما تقولين اذ لا علاقة له بسؤالي...؟
قلت له (وقد استلطفت سؤاله عن الجدوى): حسنا...بعض جدوى اظنها تكمن في اجابة مباشرة..هاتني نص الاتفاقية، وامهلني بعض الوقت كي يتسنى لي تقليب بنودها على نارهادئة،قراءة حروفها واستقراء سطورها وما بين السطور، وحتما سأخرج لك برأي او شعار لا ينبع من زمنية الفوضى ووطيسها..
لنتفق يا هذا..دعني افضي بما عندي ولا تقاطع، وسأدعك تفرك ذقنك كما تشتهي، وتدعك فروة رأسك كما تحب فقد التبس عليك الأمر واصابك التوتر كما يبدو...
قيل الكثيرعن تلك الاتفاقية،ابتداءا من سيادة العراق التي (س)تصبح في خبر كان، الى الجوار الأقليمي الذي سيمسي مهددا او قاب قوسين او ادنى من شفا كان وأخواتها،وما بين هذا وذاك،الكثير من جلجلة القيل والقال...
الأغلبية اعلنت رفضها ولم تقرأ، سوى ما تسرب من الأقاويل..
وشريحة اعلنت تحفظها ولم تقرأ..سوى سفر" التحفظ"، لحماية سفنها الوصولية فهي ماخرة بين فريقين ..اولهما اقليمي متفقه،والآخرعالمي متغطرس يطل من وراء البحار بفقه جديد...
وهنالك من اعلن صمته..لربما لآنه لم يقرأ،وهذا صمت مبرر كما اظن..او لأنه قرأ!..وهذا صمت بحاجة الى افصاح وتعليل لاسيما اذا كان القارئ من وجهاء القوم والمدبرين لشؤونه..
ولا اجد حقا ما يبرر تلك المظاهرات الصاخبة على ارض العراق،سواء كانت رافعة لشعارات القبول او الرفض او التحفظ، فلا نص صدر ولا حبر ظهر، وما من علة تقف وراء هذا الصخب غيرعلة الهجوم الإستباقي،المعلولة بدورها بعلل الجوار وملل الداخل العراقي وخلافه..لو تستثمر تلك الجموع المتظاهرة جهدها ووقتها وترفع شعارا جماهيريا موحدا، وليكن.."دعونا نقرأ اولا".. فهذا ادعى للسرور والثقة بالنفس،
أو..
" لا لسرية الإتفاق"..
" نعم.. لإستفتاء شعبي على نص مكتوب يقرأه المواطن" .. هكذا لا نصرح برفض ما نجهل او بقبول ما لا نعلم...
وهكذا نخرج من جلجلة الأقاويل،وفوضى التحليل والتفسيرلنص لم يكتب او يكتمل بعد (كما يقال) ولكنه يبدوغامضا ومشفرا في ذات الوقت (كما نسمع)!،ومن جلجلة الاعلام بفقاعاته السوداء والبيضاء المتطايرة فوق رؤوسنا،الى صهوة القراءة الحذرة والدراسة المتعمقة وباتجاه تفاوض مستفيض لإتخاذ القرار..
اما القبول او الرفض،فهما خياران قائمان بقيام الحوارالوطني والتشاورالديني بين ممثلي الشعب(وطنيا وعقائديا) وحكومته المنتخبة من جهة،وبين حكومته والطرف الآخر من جهة اخرى..
ولا ننسى نظام الغربلة،فكل اتفاقية او معاهدة بين طرفين او اكثر توضع في ميزان الربح والخسارة قبل الختم والتوقيع، وهذا حق مشروع لكل طرف فهو معني بغربلة ووزن مصالحه المرجوة بهدوء،وقراءة ابعاد تلك المصالح وتأثيراتها الايجابية والسلبية محليا واقليميا على المديين البعيد والمنظور،وهذا عمل شاق يحتاج الى الكثير من الجهد المتزن المحفوف بالحنكة السياسية والتمحيص، والتأني في استخلاص القرار والتبصر فيه قبولا او رفضا، او قبولا مشروطا بتعديل ما او تغيير،وحسب ما يقتضيه الصالح العام..
هذا اذا كان "الصالح العام" ماهية معرّفة ومتفق عليها سلفا..وإلا فلنجدول اولوياتنا بشعار " لا اتفاقيات دونما سيادة كاملة ودراية شاملة بالصالح العام"..
هل تراني قد اصبت ياسيدي السائل.. ام تراني قد بدأت من اليسارالى اليمين فقرأت همومنا بالمقلوب..
اسمع ما قاله الشاعر مادحا:
حلموا فما ساءَت لهم شيم ...... سمحوا فما شحّت لهم مننُ
سلموا فلا زلّت لهم قــــدمُ ...... رشدوا فلا ضلّت لهم سننُ
.. (ولا تبهجنا قراءة ما ورد اعلاه عكسيا فقد يغيضنا الهجاء)..
مننٌ لهم شحّت فما سمحوا ...... شيمٌ لهم ساءَت فما حلموا
سننٌ لهم ضلّت فلا رشدوا ...... قدمٌ لهم زلّت فلا سلمــــوا
فاتن نور
08/06/02