حيدر ألعبادي بصيص أمل في وسط عتمة لا تطاق في الأخلاق والسياسة !!!
لعلي أكون مطمئنا لرأي عندما أقول أن العراقيين ضعيفي الثقافة في التداول السلمي للسلطة بعد عقود خلت من ثقافة الانقلابات والمؤامرة والتعود على ثقافة الحسم على ظهور الدبابات, إلى جانب التشكيك بكل من يأتي خلفا للحكم, وافتراض سوء النوايا في البديل القادم, ويشتد الموقف قتامه في ظل أحزاب لا تؤمن في الديمقراطية أصلا وجاءت مكرهة عليها, ولعل سيناريو التشبث في بقاء المالكي وبأي ثمن إحدى مظاهر ذلك , مع العلم إن المالكي والعبادي كلاهما من نفس الفكر والثقافة ومن ذات الحزب, والاختلافات بين الاثنين ليست جوهرية على مستوى الفكر والممارسة, وإنما الاختلاف في توقعات أداء كلا الشخصين استنادا إلى أداء المالكي الذي يجمع عليه الكثير لم يكن موفقا وبغض النظر عن العوامل المحبطة التي كانت تحيط به, والتي كانت في أحيان كثيرة لم تسمح له بالأداء الممكن, وقد تتكرر نفسها في التصدي لرئيس الوزراء الجديد السيد حيدر ألعبادي وهذا ما لا نتمناه !!!.
والعبادي اليوم متسلحا ببعض من مزاياه التكنوقراطية وخلفيته في التحصيل الدراسي, إلى جانب الدعم العالمي له, الأمريكي والأوربي وغيرها من دول الإقليم في السر والخفاء, الأمر الذي منحه الضوء الأخضر لانطلاقة جديدة تختلف عن رفيق حزبه السابق " نوري المالكي ", وهي عوامل دعم لايستهان بها ولعلها تدفع به إلى المزيد من الواقعية السياسية للبدء في فهم واحتواء مشكلات الصراع السياسي من حيث أسبابها الواقعية, وهو رجل علم ولعله يستفيد من منهجية البحث العلمي في البحث عن أهم المشكلات المستعصية في السياسة والاقتصاد وكذلك في الحرب بعيدا عن زج الدين في السياسة للعثور على الحلول, والتي أثبتت التجربة السابقة فشلها !!!.
وللأسف أقول أنه حال تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة بدأت حملة إعلامية ـ الكترونية لتشويه سيرته الذاتية والبحث عن أصوله المهنية لإغراض الطعن به,كما جرى للمالكي قبله, مع العلم إن من العيب كل العيب أن نعيب على شخص كان حمال أو زبال أو بائع متجول وغيرها من مهن الكادحين ونعتبرها مؤشرات فشل لأدائه القادم أو من باب التشهير به. أقول هذا وأنا أتذكر إلى اليوم إن الشيوعيين العراقيين وحلفائهم من اليسار يعتزون بمؤسس وقائد حزبهم " يوسف سلمان ـ فهد " كان عامل في ماكينة لصنع قوالب الثلج, وأعتلى أعواد المشانق دفاعا عن حزبه ووطنه, وهو اليوم مصدر فخر والهام واعتزاز حتى من أعدائه !!!.
نختلف مع السيد ألعبادي والمالكي وغيره من الإسلام السياسي وغيره هذا حق مشروع للجميع ضمن سنة الاختلاف في الآراء, قد نتوقع أن لا يحصل تغير جوهري في أدائه عن أداء سلفه المالكي, هذا أيضا توقع مشروع استنادا إلى طبيعة العملية السياسية التي أسست على المحاصصة الطائفية ـ السياسية والاثنية, وبالتالي قد لا نتوقع من ألعبادي سيكون خارق حارق يتجاوز سقف ما مرسوم له ضمن نهج عام معروف للجميع !!!.
أما إذا رضينا في العملية السياسية بشكلها الحالي, وهو على ما يبدو كذلك والى إشعار آخر, فعلينا ممارسة ثقافة الديمقراطية المتاحة وإجادة قواعد لعبتها في الدفع الايجابي لمن تفرزه التحالفات الحالية ليتبوأ منصب رئيس الوزراء وغيرها من المناصب, وحشد طاقاتنا الممكنة للحيلولة دون تكريس الطائفية والحزبية والولاءات الضيقة لإشغال المناصب الحكومية والوزارات المختلفة, والتأكيد على أن تكون الحكومة القادمة وحقائبها الوزارية من التكنوقراط وذوي الخبرة في إدارة البلاد, والعمل على تعزيز دور القوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني لتأخذ حيز اجتماعي جماهيري يليق بأهميتها في بناء المجتمعات المتقدمة !!!.
اليوم تداس وتمزق صور السيد المالكي في العاصمة بغداد ليست من غرباء عنه, انه نقص لايستهان به في ثقافة التداول السلمي للسلطة, وكأن ما حصل هو انقلابا عسكري وبيان رقم (1), ولا كأن ألعبادي واحد منهم, ولكن التشبث في البقاء كان احد إفرازات ذلك من أحزاب لا تؤمن بالديمقراطية أو حديثة العهد بها. أن القبول برئيس وزراء جديد عليه إجماع من الدول الكبرى يجب يشكل شرطا جيدا نحو أداء جيد له !!!.
المهمات الكبرى والمستعصية, منها ما متعلق في مكافحة الإرهاب وفي مقدمتها خطر داعش, ومنها ما يتعلق في إعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية, ومنها ما يتعلق بمعالجة أزمة الثقة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان, إلى جانب إعادة رسم ملامح ثقة جديد بين مكونات المجتمع العراقي بكل أديانه وطوائفه ومذاهبه في مختلف بقاعه الجغرافية. انها مهمات صعبة وتستدعي المزيد من الابتعاد عن الانتماء الفكري والسياسي للسيد رئيس الوزراء الجديد, والى مزيدا من الحيادية والى مزيدا من فصل الدين عن الدولة نحو بناء عراق معافى يصلح بحق حاضنة للجميع !!!!.