خالد يتزوج
أكد مصدر موثوق خطوبة السيد ( خالد) في الستين من عمره من الآنسة( أميرة)، بعد موجة أنباء متضاربة في شان خطوبته ترددت في وقت سابق.ولفت المصدر إلى أن الخطوبة تمت في مراسم أعدت لهذا الغرض ، حضرها جمع ضم أقارب وأصدقاء الجانبين، فيما شوهدت والدته الطاعنة في السن واقفة وسط الجمع تطلق الزغاريد والأهازيج .
وقال شهود عيان أنهم شاهدوا( خالد) في إحدى الأسواق برفقة خطيبته ، خالعا للمرة الأولى قبعته( البلشفية) التي عرف بها ومرتديا ملابس مكوية في تطور جديد لم يكن مألوفا له من قبل..
(خالد) مثقف وقارئ ممتاز،يطالع الصحف اليومية والمجلات ويقتن الكتب في عطلة نهاية الأسبوع، يعمل في محل صغير لاستنساخ الوثائق، ودخله يغطي نفقاته اليومية وما يفيض عن ذلك يشتري به خمرا من الدرجة الثانية ، يحب الباميا، ويكره مصطلح (الشفافية) .
(أميرة) وهي جارة خطيبها في حي فقير ذو كثافة سكانية عالية، وهي في الأربعة والأربعين من عمرها وجسمها بدء بالآونة الأخيرة يمتلأ، ومؤخرتها تأخذ بالاتساع.
الواقع أن (المؤخرة) بغض النظر عن لونها أو عرقها صار الحديث عنها يثير اهتمام "الأغلبية الصامتة" أكثر من أي أمر آخر !!
(المحللون) من جهتهم قالوا أن للخطوبة صلة بالحلم الذي راود السيدة (أم خالد) قبل الإقدام على الخطوبة بأيام ، لقد أفصحت عن حلمها تقول أن رجلا بمرتبة (إمام) زارها وهو على ظهر جواد أبيض، ابتسم لها ثم توارى عن الأنظار، عندها حين أنهت قولها ، صاح الحاضرون من حولها بأعلى أصواتهم (اللهم صلي على محمد وال محمد)، مع أنها في وقت سابق حين تعرضت لوعكة صحية نذرت لنفس (الإمام) الذي راودها نذرا بان تذبح له الدجاج إذا ما تماثلت للشفاء،إلا أنها بعد ما استعادت عافيتها راحت توزع (خبز العباس) بدلا من الدجاج.
أول تدبير اتخذته (أميرة) بعد الخطوبة مباشرة، قيامها برفقة أمها بزيارة ضريح مقدس تتردد عليه دائما طيلة السنوات المنصرمة،تتوسل إليه أن يسهل لها النيل بعريس،حتى قيل وفقا لما نقله المراقبون أنها في إحدى زياراتها وأثناء دعواتها من اجل الزواج.. بكت عند الضريح0
نبقى مع أميرة فقد أكملت استعداداتها للزواج بعد قيامها باقتناء ثياب قليلة وملابس داخلية وحصولها على مادة (الشب) لإزالة الشعر امتثالا لفرضية( بارك الله بالمرأة الملساء) .
لم يبق على موعد الزواج سوى أيام قليلة، وهاهي غرفة النوم تصل محملة على ظهر شاحنة توقفت عند باب منزل السيدة ( أم خالد) التي راحت إلى الباب بعد أن لملمت نفسها بمشقة تطلق الزغاريد كعادتها، ووصول قطع الأثاث مناسبة تشكل في معظم مناطق البلاد حلقة من حلقات الاحتفاء بالزواج ،وعلى اثر ذلك هرع الصغار والنسوة من الجيران إلى داخل المنزل، اكتظ بهم المكان، وهناك تولت زوجة (شلال) ألأخ الوحيد لخالد، قيادة ذلك الحشد إلى إطلاق الأهازيج والألحان حتى فقدت المرأة السيطرة على نفسها وراحت تؤدي وسط التجمع حركات درامية جنوبية ، والمسكينة نست تماما أنها تحت المراقبة المشددة من قبل زوجها المنتمي لإحدى الجماعات ، الأمر الذي أغاظه مشهدها ما دعاه إلى أن يشق طريقه إليها مسددا ضربة قاضية على وجهها ليحيل بذلك ألأجواء إلى فاجعة.
أخذت قطع الأثاث أماكنها في الغرفة، وتولى (خالد) بنفسه تصفيف ملابسه القديمة منها والجديدة داخل الدولاب، ناهيا بذلك حالة المسامير الطويلة المثبتة التي أعدها طيلة العقود الماضية شماعات يعلق عليها ملابسه وأشياء أخرى،وفي هذه الأثناء كانت أمه داخل الغرفة وهي في حالة حزن شديد جراء ما تعرضت له زوجة (شلال)،التفت إليها يداعبها في مسعى منه لتخفيف حالة التوتر عنها قائلا : أكيد انك الآن قد تذكرت أيام عرسك أليس كذلك؟ إذن لا مانع عندي إذا رغبت النوم في هذه الغرفة حتى يحين موعد الزواج وسيكون علي من السهل اللجوء إلى مكان آخر، ابتسمت له ثم ردت عليه بشطارة : نعم سأنام هنا وأظل أنام هنا حتى بعد الزواج ، ضحك الاثنان إلا أن شعورا غريبا مفاجئا استولى على ( خالد) بعد أن لفتت انتباهه قبعته العتيقة وهي ما تزال الوحيدة التي ظلت معلقة على احد المسامير،نظر إليها بإفراط ، ثم راح يقترب منها وهو يمعن النظر بها، تناولها برفق وعناية،حركها بأنامله في غاية الهدوء ثم وضعها على رأسه واقفا أمام المرآة ،أطال الوقوف أمامها متأملا، وأخيرا خلعها ووضعها على الرف داخل الدولاب عازما على عدم ارتداءها أبدا ، جاعلا منها ما يشبه القطعة الأثرية تتحدث عن ماضيه المرير وعذاباته الموجعة التي تحملها بصبر نادر .
احتفظ بها كي تشهد على سعة آماله وأحلامه التي تبددت وعلى عمره الذي ضاع (ضياع الأيتام في مأدبة اللئام).