Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

خصائص المحتوى الأعلامي الجاذب للقاريء

 

 

 ما هي أهم خصائص المحتوى الأعلامي الأكثر جذباً للقريء في أي وسيلة اعلامية . ؟ ما الذي ينبغي توافره في  المحتوى لكي يدفع القاريء ، ليس الى مجرد الأهتمام به ، بل الرغبة في أشراك الآخرين في متعة قراءته ؟ هل يبحث القاريء عن الفائدة أم المتعة ؟

 هذه أسئلة  ظلت محيرة ومبهمة الى وقت قريب ، رغم انها اثارت اهتمام  العديد من الفلاسفة والمفكرين والكتّاب ، الذين حاولوا تفسير انجذاب القاريء أو السامع الى محتوى معين  ومنهم أرسطو ، الذي بين في سنة ( 350 ق.م. )  ان الخطبة – وهي المحتوى الذي كان شائعا  في ذلك الحين – لكي تكون مقنعة  للسامعين وتترك انطباعا قويا لديهم وتدفعهم الى الرغبة في روايتها  للآخرين ،  ينبغي ان تتوافر فيها ثلاث خصائص في آن معاً وهي " الأخلاق والمنطق والعاطفة " . واذا كان خطاب المتكلم يتسم بهذه الخصائص ، فمن المرجح أنه سيكون قادرا على التأثير في الجمهور المتلقي للرسالة واقناعهم  بآراءه ووجهة نظره .

وما يزال استنتاج أرسطو يتمتع بأهمية قصوى في ايامنا هذه ، وينطبق الى حد كبير على أي محتوى بشتى صوره في وسائل الأتصال والأعلام المتنوعة .

 و من اجل التأكد من صحة استنتاج ارسطو  ، يمكن للقاريء أن يلقي نظرة على المواقع الألكترونية لأهم الصحف والمجلات العالمية ومواقع التواصل الأجتماعي - التي أتاحت الفرصة للقاريء لتمرير المقال ، الذي حاز على أعجابه الى من يريد من أصدقائه ومعارفه بمجرد الضغط على زر واحد أو التعليق على المقال وأغناءه -   ليرى بنفسه أن المقالات والمواد الصحفية المختلفة ، الأكثر قراءة وارسالا وتعليقاٌ ، تتوافر فيها هذه السمات الثلاث ،  التي حددها ارسطو بنظرته الثاقبة وتحليله المعمق لخطب الساسة والقادة في زمانه .

 تجربة عملية :

 قام البروفيسور جونا  بيرغر (Jonah Berger ) أستاذ التسويق في كلية وارتون لإدارة الأعمال في جامعة بنسلفانيا ، بدراسة عملية تبادل المحتوى الأعلامي بين القراء. وحلل نحو 7000 مقالة ، منشورة في الموقع الألكتروني لجريدة (  The New York Times) خلال ثلاثة أشهر متتالية ، في محاولة منه لمعرفة أهم الخصائص ،التي تتسم بها المواد الأكثر تداولا بين الجمهور المتلقي .مع الأخذ بنظرالاعتبار عدة عوامل منها تأريخ النشر وعدد القراء والجنس وحجم النص ودرجة تعقيده .

اكتشف بيرغر سمتين اساسيتين تحددان مدى نجاح المقال ،وهما ،  مدى ايجابية فكرة المقال الرئيسية . و مدى قوة المشاعر الأيجابية ،  التي تثيرها لدى القاريء ، مثل ( الفرح، والفخر، والأهتمام  والعاطفة) على النقيض من المقالات ، التي المشاعر السلبية (الغضب، الاحتقار ،  والاشمئزاز). ولكن اذا كان المقال مثيرا ويتعلق بفضيحة مدوية ، فأنه ينتشر بسرعة رغم أنه قد يثير مشاعر الغضب أو القلق .

ولكن ينبغي أن نتذكر ان ما يبعث على الفرح او الفخر  لدى الناس الذين ينتمون الى فئات عمرية او شرائح اجتماعية او مهن  او ثقافات أو أديان متباينة ، يكون في اغلب الأحيان مختلفا . لذا ينبغي للكاتب الصحفي أن يعرف الجمهوره المستهدف جيداً ولمن يوجه الخطاب ومن دون معرفة ذلك لن يلقى أي اهتمام بما ينشره من مواد .

 وللتحقق من صحة استنتاجاته قام  بيرغر بتجربة عملية وعرض على طلابه  محتويات أعلامية شتى وطلب من كل واحد منهم  أختيار ما يروق له من محتوى  ويود ارساله الى أصدقائه ، وقد تبين أن الطلاب كانوا أكثر استعدادا لتبادل القصص والصور المضحكة ، التي تثير المشاعر الايجابية من المقالات الجادة ، كما تبين انهم تبادلوا غالبا مقالات تثير الغضب والسخط  أو الأنزعاج من المقالات حول نفس الموضوع، ولكن مكتوبة بلهجة أكثر هدوءاً.

ومن المثير للاهتمام، ان بيرغر عندما حاول التلاعب في  صياغة العناوين، وتغييرها من السلبية إلى الأيجابية وجد أن العناوين الأيجابية أكثر جذبا للطلاب .

ويقول بيرغر في كتابه

المعنون  (Contagious: Why Things Catch On? – العدوى :  لم الأشياء تجذب ؟)

 ان النتائج التي توصل اليها تنطبق ليس فقط على الأفكار والآراء فقط ،  بل أيضاً على الترويج الأعلامي  للسلع و المنتجات الصناعية . ويبدو أن هذا هو الهدف الأساسي من كتابه أي مساعدة الشركات في الترويج لمنتجاتها . ولكننا نعتقد أن الأفكار والآراء أو المواد الصحفية وبضمنها المقالات شيء والدعاية للمنتجات شيء آخر . كما أن ( بيرغر ) ينظر للموضوع من وجهة النظر النفسية والعاطفية للمتلقي الغربي ، التي قد لا تنطبق على المتلقي الشرقي . ولا شك أن آراء ( بيرغر ) مثيرة للجدل ، فهو لا يعير أي أهمية لمدي جودة المقالات التي تم ارسالها ، من حيث القيمة الفكرية وأسلوب المعالجة وصياغة المضمون  أو باختصار السمات ، التي تتصف بها للمقالات التي تابعها على مدى ثلاثة أشهر .

 ولكي نوفي الموضوع حقه من الدراسة ، سنتناول في السطور اللاحقة ، أهم الخصائص التي تتميز بها المقالات الأكثر اثارة لأهتمام القاريء .

 

 المقال بين المتعة والفائدة :

 

 ان حلم كل كاتب وكل صحفي  هو الأنتشار الواسع والسريع لكتاباته  بين الجمهور القاريء ، ولكن ينبغي له ،  قبل كل شيء ان يعرف هذا الجمهور جيداً ، لأن ما يعجب المثقفين ، قد لا يعجب من يبحث عن المقالات الخفيفة الممتعة ، التي لا تضيف شيئا الى  ما يعرفه القاريء . واذا نظرنا  حولنا  سنجد أن الشباب من الجيل الحالي يقبلون على الأعلام الجديد – الذي  أصبح جزءاً من حياتنا اليومية – بشغف ويتفاعلون معه بحماس ،  مما يوحي للوهلة الأولى  بأنهم  مهتمون بالقراءة ،  فهم لا يفارقون ( الآيباد ) و ( الآيفون ) او الأجهزة الذكية الأخرى ، ولكنهم في الحقيقة ، لا يبحثون عن المعرفة ، بل عن المتعة . وما يقرؤنه لا يلبث في الذهن .

 قبل أكثر من ثمانين عاماً  ، كتب احمد حسن الزيات ،  مقالاّ بعنوان " أدب الللذة " وكأنه يصف ما يقرأه الشباب هذه الأيام .  يقول الراحل الكبير  " انه الأدب الذي يلذُّ ولا يُفيد، ويَسوغ ولا يُغذي، ويَشغل ولا ينبِّه، كالذي تقرأه في أغلب الصحف وفي بعض الكتب مِن غرائب الأخبار، وطرائف النوادر، وتوافه المعارِف، مما يَجذبكَ عَرضُه ويلذُّك تصويره، ويُلهيك موضوعه، فإذا فرغتَ مِن قراءته وصحوتَ مِن خِدره، لا تجد له أثرًا في نفسك، ولا حاصلاً في ذهنِك." 

 

نحن نعيش اليوم في عصر الثورة الرقمية ، ولا أحد يقرأ المقالات الجادة الرصينة ، سوى عدد محدود من المثقفين ، الذين يجذبهم مضمون المقال و اسلوب معالجته وحسن صياغته ويلبي حاجاتهم الداخلية واهتماماتهم الفكرية .

نعود فنسأل  : اذن ما هي أهم خصائص المقال الجيد الذي يجمع بين الفائدة والمتعة وينبه الذهن ولا يخدره ، ويلبث في الذاكرة لمدة قد تطول أو تقصر ؟

المقال الجيد لا يثير الأعجاب فقط ، بل ينبه الذهن ويحرك قطاعا عريضا من القراء ، الذين لهم وجهات نظر مختلفة  حول الموضوع الذي يتناوله .

لكل مقال سريع الأنتشار عدة خصائص فريدة تميزه عن المقالات الأخرى المكرسة للموضوع ذاته ، نوجزها في ما يلي :

 

 1 –  حسن اختيار الموضوع :

 

 لا قيمة لمقال لا يضيف جديدا الى ما يعرفه القاري عن الموضوع ولن يهتم به عندما لا يشبع رغبته ، أي ان الكاتب يجب أن يكون ملما تماما وبعمق بالموضوع الذي يتحدث عنه في مقاله ،  اما اذا عجز عن ذلك فله أن يبين وجهة نظره حول موضوع ساخن في هذه اللحظة أو مثير للجدل ولا يوجد حوله اتفاق في الرأي ويمكن تناوله من جوانب عديدة  .

 2 – الحفاظ على الوحدة بكافة مظاهرها :

 ينبغي ان يتضمن المقال – أي مقال – فكرة رئيسية واحدة فقط  وليس فكرتين أو ثلاث وعدم الأستطراد أو التطرق الى ما ليس له علاقة بهذه الفكرة  لكي لا يؤدي ذلك الى تشتيت أفكار القاريء . ولا تقتصر الوحدة على الفكرة الرئيسية ، بل يشمل أيضاً ، وحدة الزمان (أختيار صيغة الماضي أو الحاضر أو المستقبل )  ووحدة المكان ان تطلب الأمر . ووحدة طابع المقال هل هو جاد أم ساخر تهكمي  أم فكاهي . ووحدة ايقاع النص وعدم القفز من ايقاع الى آخر . لأن لكل نص جيد ايقاع معين ، ومن لا يحس بأيقاع النص الذي يكتبه لا يمكن اعتباره كاتباً .

 3-  العنوان الجاذب :

 يلعب عنوان المقال دوراً بالغ الأهمية وأحياناً دوراً حاسما في مدى اجتذاب القاري و اثارة فضوله ، وهو من أهم المعايير التي تحدد له ، ما يقرأ ، وما لا يقرأ . وينصح خبراء الصحافة بأن يكون العنوان واضحاً وصريحا يدل على مضمون المتن ، ولكننا نعتقد ان هذا الرأي قد عفا عليه الزمن . ولو راجعنا اليوم عناوين المقالات المنشورة في أهم الصحف العربية والعالمية ،  نرى أن كل عنوان ينطوي على بعض الغموض المحبب الذي يدفع القاريء لأستجلاءه من خلال قراءة المقال .

 4–الفقرة الأفتتاحية أو الاستهلالية :

 الفقرة الافتتاحية ( بالإنجليزية: lead أو lede paragraph) وتكتب بحروف متميزة وبارزة تحت عنوان المقال وتسبق النص الرئيسي ، والهدف منها ، هو اعطاء القارئ الفكرة الرئيسية التي يدور حولها المقال أو دعوة موجهة اليه لمعرفة المزيد عن الموضوع ، وينبغي ان لا تزيد الفقرة الأفتتاحية  عن عدة جمل ، يقرأها المتلقي ويقرر بينه وبين نفسه ان كان سيواصل قراءة المادة بكاملها . وهناك العديد من الطرق للأستهلال الجيد ، الذي يوحي للقاريء بأنه سيفقد كثيراً ان لم يواصل القراءة حتى النهاية .ومثل هذاالأستهلال ،  يجب أن يتضمن حقائق مشوقة ومثيرة للأهتمام  ، أو يطرح سؤالاً ما ، أو يطلب من القارئ أن يتخيل شيئا مما يثير أهتمامه –وهو سيفعل ذلك لا شعوريا، ومن ثم يريد أن يعرف ما هو القصد من ذلك .

 5– العرض الشيق :

 القدرة على عرض الموضوع على نحو منسق وصياغته بعناية وبشكل سلس وجميل ، متضمناً العنوان الواضح والأستهلال الجاذب ، وتقسيم المادة الى فقرات ذات معنى ووضع العناوين الفرعية لها أو ترقيمها ، كل ذلك كفيل بنجاح المقال ولفت الأنظار اليه لأن القاريء المعاصر لم يعد يتحمل قراءة عدة صفحات دون فواصل وسرعان ما ينتقل لقراءة مواد أخرى أو يغادر الموقع الألكتروني أو يطوي الصحيفة الى غير رجعة .

 6 - حل المشكلة :

 المقال الجيد يحل مشكلة معينة . والكاتب أو الصحفي الذي يدرك أهمية التواصل مع الجمهور المستهدف ، يحاول التعرف على حاجات الناس وتلبيتها وبتعبير آخر عرض مشاكل المجتمع   واقتراح الحلول لها .

 7– أضافة مسحة من الفكاهة على النص :

 المقال الرتيب يمل منه أصبر الناس ،  والكتابة المتجهمة او اليابسة اوالمكتوبة بلغة المواعظ ، منفرة للقاريء . يفضل اضافة قليل من الفكاهة أو المرح الى المقال والأستعانة ببعض الصور والمقارنات أوالنوادر او أبيات الشعر أو الأقوال المأثورة أو الحكم والأمثال  وحتى بعض النكات ، كل هذا يضفي على النص جمالا ويخفف من عناء القراءة .

 8 -  التوقيت الصحيح لنشر المقال :

 المقال الساخن المرتبط بحادث معين أو مسألة آنية ،يفقد قيمته ويتقادم اذا نشر بعد فترة وجيزة قد لا تتعدى عدة أيام أو أسبوع واحد على أكثر تقدير ، لأن الأحداث تتلاحق ووتيرة الحياة أصبحت سريعة  في المجتمعات الحديثة وهي في تغير متواصل  ، وهذا ينطبق ليس على المقالات فقط بل أيضاً على  الأخبار والتقارير والأستطلاعات والتحقيقات والحوارات الصحفية . أما المقالات التحليلية وخاصة الفكرية منها ، فأنها تحتفظ بقيمتها لفترة أطول بكثير .

 9 – حسن الخاتمة :

 الخاتمة لا تقل أهمية عن الأستهلال . ولكن ينبغي اجتناب تلخيص الفكرة الأساسية للمقال في نهايته  ، لأن القاريء الذكي ، الذي قرأ المتن ، لا يحتاج الى مثل هذا التلخيص ، الذي  يفسد عليه متعة القراءة ، وربما خير ما يختتم به أي مقال هو اقتباس قول مأثور أو حكمة بليغة  يتناغم مع مضمون المقال الذي يبقى عالقاً بذهن القاريء لبعض الوقت  . واذا كان النشر في موقع الكتروني له حقل للتعليقات ، فأن الخاتمة الجيدة يشجع القاريء للتعليق على المقال  وربما أرساله الى الأصدقاء والمعارف .

 

جــودت هوشيار

jawhoshyar@yahoo.com

 

 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
لم يأكل أطفالي الدجاجة علي فاهم / ليس بطراً منهم و لم يتحول اطفالي الى نباتيين فجأة و لم ينتموا الى جمعية الرفق بالدجاج بل أنهم يحبون اللحوم بكل انواعها و الوانها البيضاء و الحمراء ولكنهم اضربوا فجأة عن أكل الدجاج المثقف وحقوق المواطن نزار حيدر/ لا يمكن ان تتحقق عملية التغيير الجذرية والتاريخية في اي بلد او امة من دون المثقف، واذا ما حدث ذلك صدفة فهي الفوضى، وهذا ما نلاحظه اليوم في عالمنا العربي، والعراق جزء منه. تفجيرات الكرادة... مشروع فشل الحكومة العراقية لم يكن تفجير الكرادة بغريب أو مستغرب،لأنه إمتداد لنهج وسلوك الإرهاب الدموي الضارب في العراق، الذي يستغل فشل الحكومة في حماية النسيج الوطني العراقي المتنوع في الموصل وصلاح الدين وغيرها من المحافظات خاصة بعد سقوط الموصل في 10 حزيران 2014، ان هذا النهج وفي ظل العقلية التطرفية المتشددة إلى من يهمّه الأمر هل مَن يسمع ويفهم؟... أم ماذا!! مرّت بلادنا بحروب عديدة كُتبت علينا، وبحصار واحتلال، وهُدمت بيوتنا وشُتِت أبناء وطننا، وقُتِل وفُقد أعدادٌ من مواطنينا، بل أعداد لا تُحصى، وجُرح الالاف !! فهل تعلمون ما عدد الذين قُتلوا وخُطفوا وشُرّدوا إضافة إلى الجرحى الذين لا تُحصى أعدادهم. والمخيف أننا لا زلنا ندفع الثمن غالياً بسبب
Side Adv2 Side Adv1