Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

خماسية الغزو وسلة كروكر بترايوس

خماسية الغزو وسلة كروكر بترايوس

مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

لعلها المرة الأولى التي تتغير فيها القراءات وتتحول الى ملومة وحسابات ومتابعة ومناقشات بدلا من خطابات الاحتفال، تلك هي الذكرى الخامسة لغزو العراق والتي عادة ما يلقي فيها الرئيسي الأمريكي ( بوش الابن) خطابا يطمئن فيه الولايات المتحدة الأمريكية من التهديدات الخارجية.
ويؤكد صحة قراره بتحرير العراق والمنطقة من طيش وتهديد طاغية كان يفعل كل ما يرد في خاطره، هذه المرة اختلفت الصيغة والطريقة في الاحتفال، ففي هذه المرة استضيف المسؤولان المدني والعسكري في العراق (السفير ريان كروكر) وقائد القوات الأمريكية في العراق(ديفيد بترايوس) أمام لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ في الكونغرس للإدلاء بشاهدتهما حول الوضع في العراق.
وبالضد من اغلب التوقعات التي طرحها المحللون السياسيون والعسكريون جاءت توصيات القادة الامنيون في العراق على لسان بترايوس بوقف وتجميد خفض القوات الأمريكية الى فترة التقرير القادم أي بعد 45 يوما أو الخريف المقبل، مشيرا الى أن الوضع في العراق غير مطمئن وان التحسن الأمني النسبي هش للغاية بقوله إن(حالة التقدم في العراق هشة وقابلة للارتداد) ومستدلا بالآثار التي نتجت خلال معركة البصرة الأخيرة والتي رأى فيها الجنرال الأمريكي حالة من التخطيط السيئ في العملية وتوقيتها وعدم التنسيق المسبق مع القوات الأمريكية على حد قوله، مضيفا بان الوضع مازال مهددا من قبل عصابات خارجة على القانون والمليشيات التي مازالت ترفض تسليم أسلحتها وتهدد الأمن اليومي.
من جهته شدد السفير كروكر على أن إيران وسوريا مازالتا مستمرتين في التدخل في الوضع العراقي سلبا وأنهم لم يوقفوا جميع أنشطتهم في داخل العراق ولم يلتزموا بما قدموا من تعهدات بمنع المتسللين أو تدفق الأسلحة.
يرى المحللون أن التقرير الجديد هو صياغة عبارات جديدة فقط دون تغيير في مضمون الواقع شيء سوى التوصيات التي طالما تكررت بأسلوب أو بآخر، فالواقع الذي تعيشه القوات الأمريكية في العراق أشبه بحالات المد والجزر الذي قد يريك الشاطئ، ولكنه يرمي بك مرة أخرى في عرض البحر، وهذه الحقيقة التي طالما حاول القادة العسكريون تجاهلها في الوضع العراقي، فبعد خمس سنوات على احتلال العراق مازالت الغيوم متلبدة كثيرا في الساحتين السياسية والعسكرية.
ولعل الإنجازات المهمة في مشروع المصالحة وتحريك العملية السياسة من الجمود والتعديلات الدستورية التي مازالت متعثرة والتلكؤ في تطبيق المادة 140 لحد الآن كلها مؤشرات بعدم وجود حلول جذرية ومهمة في المسارات السياسية، فمازالت سياسة التجاذب متواجدة بشدة بين الفرقاء العراقيين وهو ما ينبأ بزمن أطول لإيجاد حلول نهائية للقضايا العالقة.
هذا في وقت سبق الوضع الحالي والذي بدت الأمور تتصاعد شيئا فشيئا وكأن محرك خفي قد فاقم الأزمة بين الصدريين وحكومة السيد المالكي والتي يرى اغلب المراقبين بأنها تركت جل اهتماماتها وتوجهت لقضية لم تكن في جدول أعمالها، فنزع سلاح جيش المهدي ومطالبة الصدرين بحله مقابل السماح لهم بالاشتراك في الانتخابات المحلية المقبلة لازال يلقي بظلاله على الوضع.
جميع هذه الأمور وغيرها يراقبها الأمريكان بحذر شديد فهم يعرفون بان لديهم في العراق مشاكل كثيرة وهم ليسوا بحاجة الى فتح جبهات أخرى، ولعلهم كانوا يقصدون ذلك من خلال توجيه اللوم الى رئيس الوزراء العراقي بقولهم إنه اختار التوقيت الخاطئ في "صولة الفرسان" إشارة الى عمليات البصرة، رغم إشادتهم بالعملية واعتبارها خطوة مهمة في فرض سلطة الدولة على الجميع، فتنظيم القاعدة لم يتم إخراجه من المعادلة الأمنية بصورة واقعية كما تعهدت القيادات العسكرية العراقية بذلك ولكنه يمر الآن بحالة من السبات أو إعادة ترتيب أوراقه في موقع خفي بعيد عن الأنظار.
الأمر الآخر هو حالة التردي الاقتصادي والخدمي الذي يعيشه الفرد العراقي والتي قد تفجر في يوم من الأيام ثورة (الخبز أو الكهرباء) والتي يشعر المواطن العراقي بعدم وجود آمال قريبة لانفراجها ولاسيما بعد استشراء حالات الفساد الكبيرة في وزارتي التجارة والكهرباء، ناهيك عن المشاريع العمرانية التي وعدت الحكومة بتخصيص هذا العام لحملة خاصة بها والتي لم تبدأ لحد الآن، وقضية الفساد الإداري الذي ادت الى ضياع ما يقارب الـ4 مليارات دولار سنويا معظمها عن طريق سرقة النفط العراقي ومشاريع إعادة الأعمار.
وهنا لا نغفل الجانب الأكثر أهمية في الوضع الحالي للوزارة العراقية والتي تمر بحالة من التأرجح بين عودة المنسحبين منها أو ملئ الشواغر بوزراء جدد لا نعتقد بان تمريرهم سيكون بالأمر الهين في مجلس النواب العراقي، كون الكتل المنسحبة من شواغرها الحكومية ستبذل قصارى جهدها لعرقلة تمرير الوزراء المرتقب ترشيحهم في حال فشلت مساعي إرجاع المنسحبين، وبالتالي سيضيف ذلك عقبة جديدة أمام العملية السياسية في العراق بتعثر الجهات التنفيذية في أداء دورها بشكل يتلائم وطبيعة المرحلة وضروراتها.
التلكؤات السياسية والأمنية والاقتصادية بمجملها تشكل هاجسا وهما حقيقيا أمام الإدارة الأمريكية في وضع حد لتواجدها العسكري في العراق، فهي وان رغبت بالانسحاب المبكر لكنها لن تفرط بجهود مضنية بذلت من اجل تغيير النظام في العراق وتسليمه برمته الى دولة (إيران) تعتبرها الخطر القادم على العالم وأمنه.
وعلى جميع الإشكالات التي تقدمت فان العام السادس للقوات الأمريكية سيكون محل اختبار في وضع ركائز حقيقية للانسحاب المبكر لها وتصعيد جهود الحكومة العراقية في محاربة العناصر غير المنضبطة من جميع الاتجاهات فضلا عن مطاردة العناصر الخارجة عن القانون، ولذلك سيفكر الأمريكيون بجد في دفع الساسة العراقيين الى التواجد بصورة اكبر كلا في موقعه وربما تحميلهم المسؤولية عن عدم إحراز تقدم ملموس في العملية السياسية من جميع جوانبها.
وعلى صعيد المفاوضات مع الإيرانيين فان الجولات السابقة لم تثمر بشيء يفضي الى نتائج ملموسة عدا تحقيق عدة أيام من الهدوء النسبي والتخفيف من التصريحات العدائية، لكنها في واقع الحال بقيت تدور في حلقات مفرغة، فالجولات السابقة لم تنتج عن أي اتفاق حقيقي في أي جانب سواء الأمني أو الاقتصادي أو السياسي وبقيت ملفاته طي الكتمان بدون أن تكون هنالك أزمنة محددة لكل عمل متفق عليه، وبهذا يبقي الباب مفتوحا في ورود أي مستجد على طريق المفاوضات بين الدولتين،وهنا يكون باب الاحتمالات فشل أو نجاحها مرهون بتطور ملف إيران النووي على طاولة مجلس الأمن أو الأمم المتحدة ولحين ذلك الوقت يبقى أمرهم في العراق غير محسوم أيضا.
وكانت الإدارة الأمريكية قد حددت أهدافها بعيد احتلال العراق بـ 18 هدف لكنها تراجعت لتقبل بـ 11 هدف نهاية العام الماضي، واليوم يرى بعض القادة العسكريين بأنهم قد ينجحون في الوصول الى ثمانية أو سبعة أهداف بما فيها انسحاب غير مدمر للقوات الأمريكية، العام القادم قد لا يكون حاسما بشكل نهائي للإدارة الأمريكية في العراق ولكنه بكل تأكيد يحمل الكثير من القرارات المهمة، ومن بينها مدى استمرارية العمل مع الأطراف السياسية الموجودة حاليا ومدى التزام الإدارة الأمريكية الجديدة مع الفرقاء والقادة السياسيين والذي يرى اغلب المراقبين السياسيين بأنهم سيتحملون الجزء الأكبر من المسؤوليات في انجاز الأهداف المقررة ولاسيما الوصول بمشروع المصالحة الى قرارات ونتائج واقعية تعيد الكثير من النشطاء البعثيين الى ساحة العمل السياسي واحتواء عناصر أكثر من الطائفة السنية وتجنيد عناصر وفصائل عشائرية مشابهة في المضمون لعناصر الصحوة من الطائفة الشيعية في مناطق الوسط والجنوب.
ان السنة الخامسة لم تحمل في نهايتها شيء جديد سوى التحرك على نفس الطريق ذهابا وإيابا، وتغيير في أسماء ووزارات ولكن الحقيقة أنه لا تطور في العمل السياسي، ولعل الحسنة الوحيدة التي حصدها العراق هو تجاوزه للحرب الأهلية والاقتتال الطائفي الشيعي ـ السني والذي يبدو انه سيستبدل باقتتال شيعي ـ شيعي أن بقيت الأمور عليه بتأزم بين الصدريين والأحزاب المؤيدة للحكومة. كما ان قنبلة كركوك في الجانب الآخر قد تفجر الصراع بين العرب والأكراد.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com

Opinions