درس وفهم مختلف
مطلبيتها غير مخلة وتسييسها لا يعيبعجيب أمر بعض السياسيين المتنفذين، وهم يتابعون الحركة المطلبية المتصاعدة في العراق، ويحددون موقفهم منها. فبدلا من الاعتراف بالتقصير في أداء واجباتهم بخصوص تقديم الخدمات للشعب، وبدلا من الإيفاء بتعهداتهم الانتخابية، والاعتراف بالحقائق كما هي دون لف ودوران وتزويق للكلام .. بدلا من كل ذلك تجدهم يتفننون في النيل من التظاهرات التي انطلقت في اغلب محافظات العراق. فمرة يستصغرونها، وكأن لا أفق لها باعتبارها مطلبية. ومرة يحذرون منها كونها مسيسة!
يسعى هذا البعض الى خلط المفاهيم، وتضبيب الرؤية، وتشويه الوعي، والتلاعب بالكلمات عن قصدية واضحة، مستلة من منهج التشويه الذي سبق وان مورس منذ ابتكار نظام المخاوف، والتأسيس للمحاصصة وفقا لذلك. ينسى هؤلاء المتنفذون، ان شعارات: مكافحة البطالة، وتوفير مفردات البطاقة التموينية، وتوفير الماء الصالح للشرب، وتأمين الكهرباء، ومحاربة الفساد، وفضح المفسدين، والامتعاض من تضخم الحكومة وزيادة عدد نواب الرئيس، والمطالبة بكشف العقود والصفقات .. الخ.
ان هذه الشعارات المطلبية، لها بعد سياسي كباقي القضايا التي لا تخرج عن النطاق العام للسياسة. كما أن مسالة معالجتها، لا ترتبط بأمور فنية بحتة، انما بالسياسة الاقتصادية - الاجتماعية التي تتبناها الحكومة، وبسياسات اعداد الميزانية، والسياسة الإدارية للدولة، فضلا عن الأداء المرتبط بطبيعة التكليف، وما اذا كان على وفق المحاصصة، ام على وفق الكفاءة والنزاهة. علما ان تلك الشعارات سبق ان رفعها المتنفذون انفسهم في حملاتهم الانتخابية كوعود تضمنتها برامجهم السياسية للناخبين.
من جانب آخر فأن اتساع الحركة المطلبية، وانطلاقها حتى في عدد من النواحي والاقضية، وعدم اقتصارها على مراكز المحافظات، واشتراك مختلف شرائح المجتمع فيها، يدل على ان المطالب التي ترفعها ملحّة، وتعبر عن إجماع وطني عابر للطائفية السياسية التي أريد تكريسها. وهي جواب على كل من يتصور محدودية الحركة المطلبية. فيما لا ينفي طابعها المطلبي البعد السياسي، وهذا لا يعيبها، انما العيب في عدم النظر إليها بمسؤولية وعدم الاستجابة لها. فدرس تونس ومصر، وبعيدا عن الاستنساخ، يفيد ان الحركة بدأت مطلبية ثم تطورت الى أمر آخر. لكننا هنا نريد إصلاح النظام.
إجراءات ارتجالية
لم تكن استجابة الحكومة وإجراءاتها بمستوى الحد الأدنى لسقف مطالب الحركة المطلبية ، والتي اتضح انها أوعى من ان تمرر عليها إجراءات جزئية، مثل صرف 15 إلف دينار تعويضا عن البطاقة التموينية، والذي رفع سعر الطحين من 8 آلاف الى 30 إلف للكيس الواحد. فيما جاء الاعلان عن اعتماد التعريفة الكمركية بهدف إيجاد مورد جديد للميزانية، في هذا الوقت ودون إجراءات كافية لإعادة العملية الإنتاجية ودعمها، عبئا على المواطنين. حيث رفع التجار الجشعون أسعار المواد التي في مخازنهم والتي لم تستوف عليها التعريفة الكمركية، بدرجة فاقت النسبة المقررة!.
وشكلت المطالبة بأجور خدمات الكهرباء، بحجة ترشيد الإنفاق، استفزازا واضحا للمواطنين، والحكومة تعرف ان الكهرباء لا تصل الى البيوت في أحسن الأحوال أكثر من مدة 4 ساعات متواصلة، ما زاد من التذمر والسخط. وفي الوقت الذي ينبغي على الحكومة ذاتها إعطاء أشارات حرص على ترشيد الإنفاق غير المبرر، نجدها تتساهل في تضخم الحكومة يوما بعد آخر، وتبحث في زيادة عدد نواب رئيس الجمهورية، بهدف ترضية المتنفذين، دون النظر الى مصلحة المواطنين بنفس الرغبة والحماس، ما يضع تصريحات ناطقيها حول الاستجابة لمطالب الناس موضع الشك!
شبابنا في الفيسبوك: تشابُكٌ بدلا من الاشتباك!
المفرح ان شبابنا لم تنطل عليهم طويلا لعبة كوننا طوائف، واثنيات، في غابة يخوض الكل فيها الحرب ضد الكل، كما هي نظرية هوبز، ويخاف كل منا الآخر، كما هي نظرية المحتل التي راقت للبعض وبنى في ضوئها المحاصصة. فشبابنا يتشابكون مع بعضهم في عالمهم الافتراضي، مقتفين خطى اقرانهم في تونس ومصر، بدلا من ان يشتبكوا. فهم ليسوا ميليشيات طائفية، كما صُمم لهم عبر نظام المخاوف.
وكونهم تعاطوا مع الدرس بشكل صحيح فانهم يجتمعون ويتناقشون، وينسقون جهودهم. ويوجهون رسائلهم التي تقول:
- (نريد إصلاح النظام)، وهذا ممكن. لذا فان على قوى الأمن توفير الحماية لفعالياتنا، فنحن لسنا إرهابيين، ولا معادين للعملية السياسية كي تضعوا أمامنا الحواجز وتغلقوا الجسور. نحن من الحريصين على مصالح الشعب والوطن.
- بطوننا خاوية تطلب مفردات البطاقة تموينية، فلماذا توجهوا الى صدرونا الرصاص؟ - (ابني بعشرة وبوك بتسعين...ونظف بغداد من الطين)، سخرية مؤلمة من اتساع شبح الفساد!
- (أعطني لقمتي!) فليس بالانتخابات وحدها يحيا الإنسان.
- (سنقطع أصابعنا البنفسجية لأنها انتخبتكم)، منح الثقة في غير محلها والمطالبة بإعادة الانتخابات.
- (يا حيتان..يا حيتان..حسو ..حسو بالجوعان)، مفارقة شعب جائع في بلد غني!
لم تبقَ مجموعات "بغداد لن تكن قندهار"، و"لن نصمت"، و"الثورة الزرقاء"، و"قمة شعوب لا قمة حكام"، وحدها تنسق التظاهرات، وإنما تتسع قائمة المجاميع التي تطالب بالإصلاح، تتسع وتتشابك في العالم الافتراضي، كما تتشابك أياديها في ساحة التحرير وهي ترفع شعار "الشعب يريد إصلاح النظام".