دستورنا ولد في غرفة الإنعاش, الترقيع والتلميع لن يجدي نفعاً
أنا لست بخبير قانوني دولي, ولا بسياسي محترف يستطيع الخوض في دقائق وتفاصيل فنون وضع الدساتير , لكن هذا لا يمنعني من إبداء راي حول الموضوع, وحين عارضنا عمليه فرضه منذ بدأ ساستنا رحلتهم في تهيئة كتابة قانون إدارة الدولة المؤقت وإنتخاب اللجان التي أوكلت إليها مهمّة كتابة مسوّدة الدستور المؤقت ومناقشته ثمّ الإنتقال به إلى مرحلة تثبيت الدائمي الذي تم إقراره والإستفتاء عليه , وها نحن اليوم داخلون مرغمين في مأزق كيفية إجراء التعديلات عليه للخروج بصيغة ترضي الفرقاء السياسيون الذين غابوا أو حرموا.في مراحل وضع مسودّات الدستور وقانون إدارة الدوله الذي سبق الدستور,كان يرافق مجمل هذه المراحل ظاهرة نشوء شرخ سياسي وشعبي مركب تزايد حجمه وتأثيره بشكل مستمر منذ تأسيس مجلس الحكم و توسّع وتعاظم هذا الشرخ طرديا مع كل خطوة كانت تخطوها الهيئة الحكوميه او واجهتها السياسية ألتي مثلتهّا الكتل القومية/الدينيه,و لم يعد بمقدور تلك الكتل تجاوز إستحقاقات إنغماسها الطائفي الديني والقومي الضيّق, فكل ما كان يصدر في أروقة لقاءاتها ومؤتمراتها من قرارات وصفها البعض في حينها على أنها وطنيّه وبداية للولوج في الديمقراطيه .
لكن في حقيقة حرص هذه الكتل المتزايد على مصالحها الحزبيه وتبعيتها الدينية والقومية ألتي ورطّتها وأوقعتها في فخ إستغلالها للأوضاع وتسخيرها من أجل تعميق المشروع المحاصصاتي وتقاسم الغنائم فيما بينها , جعلها ترى الأمور بعين واحدة ومن زاوية مصالحها الضيقه ,دون ألإنتباه للذي يدور في الناحية الأخرى,ومتناسيةً في نفس الوقت بأن الذي يشرف على ممارساتها ويراقبها هو ليست فقط الأجنبي المحتل, فهنالك الخاسر الذي سيخسر المزيد لو ترك الأمر على ما هو عليه , فمثلا القوى (السنّيه/البعثيه/القوميةالعروبيه/ اليسارية المتشدده) سمّها ما شئت, مضافا إليها ما اصاب حتى الكتل الصغيره المشاركة في العمليه السياسية من تهميش ومطاردات ,حيث حرمتها أو جعلتها عاجزة عن ممارسة دورها السياسي أثناء مراحل تحوّل الأمور إلى أيدي الأخرين بسبب جبروت المحتل و تنامي قدرات الكتل المتعاونة مع المحتل وتعمدّها في قمع وتغييب من أسمتهم ببقايا النظام الصدامي بحجة و بجريرة إتهاماتها لصدام وجرائمه من جهة مقابل تصعيد الخطاب القومي المتفرّد والديني الطائفي المتطرف منذ لحظات الشروع الأولى التي أعقبت سقوط النظام من جهة أخرى , هذه شواهد ومظاهر أثبتت حماقتها السياسيه في ضيق افقها , وبالتالي شاركت بشكل فاعل في تأسيس الأرضيه ألتي إنطلقت عبرها الدول الإقليميه ألتي رأت في مستقبل العراق على أيدي ساسته الجدد أمرا يهدد مصالحها ,ولم يعد أمامها(دول الاقليم) من خيار سوى الإستعانة بنهج دعم الفئات المهمَشه والمغيّبه والإلتقاء معها من أجل عرقلة إستمرارية ما يدور وفرض البدائل الكابحة لجماح هذه الكتل بالتنسيق مع الأميركان والأنكليز , وليس غريبا أن تنال هذه البدائل قدرا نسبيا من رضا المحتل وتأييده لها للخروج من وضعه المزري الذي يمر فيه .
وبالعودة إلى موضوع الدستور الذي أقرته وفرضته بالأمس الغالبية البرلمانية المتمثلّه في الكتل السياسية الشيعية والكرديه, ترانا اليوم داخلون في مأزق كيفية تصحيحه لإرضاء الفرقاء السياسيون , فحين تم إقرارمسودة الدستور المؤقت,وهكذا مسودة الدستور الدائم, قالها الكثيرون وأنا واحدا منهم بأن دستورا تقرّه جهات سياسية وبهذه المواصفات هو دستور معوّق , خاصة حين تصرّ الكتل المتنفذه على تهميش قسري لقوى سياسية مشاركة وأخرى معارضه يشكلّ السنه العرب ك (طائفه) ثقلها الاساسي ,مثل هذا الدستور من غير المنطقي أن يرى طريقه في مستقبلٍ ليس مستبعدا ً أن يشهد تغييرا بإتجاه إعادة نظر شاملة في كل ما تمّ إقراره ,فمثلا إظطرار المحتل الأن إلى فرض تحقيق موازنة المحاصصه في حجم إشراك السنة العرب والبعثيون والقوميون وإعادة الكثير منهم إلى مواقعهم العسكرية والإداريه ,,,والخ , وهو أمر ٌ يشددّ عليه الأمريكان اليوم من اجل الخروج من مأزقهم , ومن غير المستبعد , ونحن في وطن محتل , أن نشهد من المفاجاّت الأخرى الكثير الكثير .
مالذي يمنع أن تصبح كتلة الإئلاف الشيعي المتجبرّه اليوم في نهاية المطاف لتصبح مجموعة معارضه في البرلمان؟ والأمر نفسه ربمّا سينطبق على الكتلة الكرديه , لتبرزكتل أخرى, ولكن هل سنسكت حيئذ لو إنفرد الساسة السّنه على سبيل المثال( وعذرا عن إستخدامي هذه المصطلحات الطائفيه) ومن سيواليهم في تعديل او إقرار الدستور حسب مرامهم؟!!!
إذن الإدعاء أو القول بأن تعديل في فقرات الدستور او بنوده هو الحل المطلوب, هو كلام مشابه للذي يقول بأن الأمريكان جاءوا ليحرروا العراقيين , الحل الحقيقي يتطلّب إنبثاق كتل سياسية جديده او تلقيح الموجود منها وتصحيحها بما يحسّن في مواقفها عبر برامج و عقول تطرح شأن العراقيين ومستقبلهم دون التمييز ما بين عمر و علي أو بين خوشناو و سرجون ,حينئذ ستتاح للعراقيين الفرصة الحقيقية للمساهمة في تحمّل مسؤولياتهم لإنتخاب اللجنة ألتي يوكل إليها مهمّة صياغة الدستور وهكذا مهمّة إنتخاب لجنة المفوضيه المسؤولة عن الإنتخابات الوطنيه , بحيث ينتخب اللجنه من ضمن قائمة ترشحها مجالس قضائيه متقدّمه في درجات إختصاصها القانوني الوطني والدولي , وليست بتزكيات المتحزبين من القوميين والطائفيين الدينييّن الذين تمكنوا في غفلة من الزمن من الإلتفاف فيها على كل ما هو متعارف عليه دوليا, وإلا كيف يعقل أن يكون السياسي الغالب أو حتى المغلوب مخّولا في إقرار دستور دائمي او وقتي لوطن مثل العراق, لذلك نقول بأنّ عملية ترقيع او تلميع هذا الملبس الرث لا يمكن أن يعطي الهيبة المرجوّه للذي سيرتديه, يا عقلاؤنا أبحثوا عن ما يرضي العراق وشعبه , ولتكن هي مهمّة ساستنا,,,,,,قبل ان يبدأ الشعب بمراثون قلب الكراسي والطاولات فوق رؤوس اصحابها.