Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

دولة كوردستان قادمة لا محالة .. كيف ولماذا؟

 

دولة العراق تأسست عام 1921 من الولايات الثلاث بغداد والبصرة والموصل التابعة للدولة العثمانية ، وكان هنالك جدل كبير حول عائدية ولاية الموصل التي تميزت بزخرفتها المجتمعية الأثنية والدينية والعرقية ، وكانت قبل ذلك معاهدة سيفر (1) التي أُبرمت في 10 آب عام 1920 والتي عالجت وضع الأقليات التي كانت ضمن الدولة العثمانية ومنهم الأكراد ، إذ أشارت تلك المعاهدة على استقلال كوردستان حسب البنود  62 و 63 و64 من الفقرة الثالثة والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان استنادا إلى البند 62 ونصه "إذا حدث، خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم قائلين أن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم أن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الاستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة.

وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لإتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وبين تركيا".كما نصت المادة 62 على منح الحقوق القومية للكلدانيين والآشوريين بسبب وجود وفد كلداني مستقل يطالب بالحقوق القومية للكلدانيين الى جانب أكثر من وفد آشوري يطالب بحقوق الاشوريين ( وهمسة بآذان من يجعل المطالبة بحقوق الشعب الكلداني بأنه عمل انقسامي ، فهل كان آباؤنا سنة 1920 انقساميين ايضاً ، ولماذا حلال على الوفد الآشوري ان يسعى للحصول على حقوقه فيما هذا محرم على الكلداني ان يسعى لتحقيق حقوقه المشروعة ؟ إنها همسة خافتة ليس إلا ) .

من هنا كان تأسيس الدولة العراقية منذ البداية يحمل سمات التعددية ، بل ، ربما بذور التشظي والأنقسام ، لكن بالرغم من ذلك ، تولدت ونمت بمرور السنين ، مشاعر وطنية عراقية فياضة مخلصة للدولة العراقية الجديدة ، وقد عمل الملك فيصل الأول من اجل لملمة المكونات العراقية لبناء دولة عراقية ديمقراطية تعددية حديثة على نمط نظام الحكم البرلماني البريطاني .

بعد انتشار الفكر القومي الهتلري المتعصب في اواخر العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الماضي كان له صداه المقبول في العراق بجهة مقاومة الأستعمار البريطاني ، ومع رواج تلك الأفكار القومية الإقصائية في المجتمع بدأت مظاهر الظلم والأضطهاد والعنف بحق الأقليات القومية والدينية ، فقد شنت حملات ضد الأكراد في اواخر العشرينات واوائل الثلاثينات كما شنت حملة تصفية بحق المسيحيين من الأثوريين اللاجئين الى العراق وذلك عام 1933 وفي اوائل الأربعينات وقعت اعمال عنف دموية وتخريبية ضد المكون اليهودي والذي عرف بالفرهود .

 في سنة 1945 شنت حملة عسكرية ضد الأكراد لا سيما البارزانيين منهم حيث نزح الالاف منهم الى ايران ليستقروا ويساهموا في تأسيس جمهورية كوردستان في مهاباد .. وفي سنة 1948 كانت هجرة اليهود من العراق ، وفي مطاوي الستينات من القرن الماضي وما بعدها اشتدت هجرة المسيحيين من العراق الى دول الشتات وهي مستمرة الى اليوم ، واليوم ونحن نولج العشرية الثانية من القرن الـ21 تلوح في الأفق رياح تقسيم العراق ، فأقليم كوردستان يتمتع بسقف كبير من الأستقلالية ، ويمكن ان نطلق عليه انه دولة مستقلة غير معلنة ، وبمتابعة مجريات الأمور نلاحظ ضغط كبير على المكونات التي تختلف عن الأكثرية فالأكراد يمثلون القومية الثانية في العراق وهم شركاء في هذا الوطن مع ذلك كانوا يعاملون بمنزلة المواطن من الدرجة الثانية وكانت الوتيرة السائدة على مدى عقود القرن الماضي هي قمع اي انطلاقة تحررية كوردية .

 اما المكونات الأخرى كاليهود والصابئة المندائيين والمسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين والأيزيدية فقد لاح لهم طريق الخلاص في الهجرة وترك الوطن لأخوانهم من المسلمين قبل عام 2003 لأخوانهم السنة وبعد سقوط النظام في 2003 لاخوانهم الشيعة ، هكذا في نهاية المطاف وكنتيجة للفكر الأقصائي الأنتقامي سيكون نصيب العراق التقسيم للسنة والشيعة الى جانب اقليم كوردستان .والسبب هو سياسة الأنتقام والثأر التي مر بها العراق ، فحينما كان الحكم بيد السنة كان الأقصاء بحق الشيعة والأكراد واليوم اصبحت السلطة بيد الشيعة يعملون على الأستئثار بالسلطة ويسعون الى إخضاع الأخرين بوتيرة مركزية مشددة بمنأى عن النفس الديمقراطي والشراكة الحقيقية في إدارة البلاد .

 لقد كانت تجربة فذة تلك التي اعلنها الرئيس مسعود البارزاني بعد سقوط النظام ودعى جميع الأفراد (الجتا ) ( الأكراد ) السابقين الذين دعموا الحكومات العراقية المتعاقبة ورفعوا السلاح بوجه الثورة الكوردية ، دعاهم جميعاً الى نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة مبنية على توحيد الكلمة وخدمة كوردستان ، ونجم عن  تلك السياسة المتسمة بالتسامح والحكمة ان تميز اقليم كوردستان بمساحة كبيرة من البناء والتعمير والتعايش بين كل مكوناته وكان يعمه الأمان والأسقرار . وفي مقابل ذلك عمت الفوضى المدن العراقية الأخرى فغابت نعمة الأمان والأستقرار وتلكأت الخدمات العامة والبنية التحتية وانتشر الفساد المالي والإداري وتعثرت العملية السياسية والى اليوم ، والملاحظ ان توتر العلاقة بين اقليم كوردستان والمركز هو نتيجة السياسة غير الحكيمة  للحكومة العراقية التي تعيش وسط ازمات مستمرة لا اول  لها ولا آخر ويستمر الوضع الأمني المتدهور .

قبل سقوط النظام كان قطبي المعارضة يتكون من الأكراد ومن الشيعة ، وبعد سقوط النظام كان ثمة توافق وتجانس بينهما على امل تحقيق دولة ديمقراطية تعددية ، ومن جانبهم الأكراد الذين كان لهم سقف كبير من الأستقلالية منذ عام 1991 فإنهم دخلوا في شراكة وطنية لتحقيق دولة عراقية اتحادية ( فيدرالية ) ديمقراطية تنصف جميع المكونات العراقية دون تفرقة او تمييز . لكن بصعود الأحزاب الدينية على مقاليد الحكم ، لم تستطع الطبقة الحاكمة ان تهضم معنى الديمقراطية والشراكة في الوطن فقد طرأ ضعف على مشروع الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية مقابل نهوض تيار الإسلام السياسي نتيجة فوزه في الأنتخابات ، وهكذا نبت الفكر الأديولوجي مجدداً لكن هذه المرة تحت يافطة الدين فكان احياء الثقافة القديمة وإقصاء الآخر والأنتقام منه لجعله تابعاً ، فكان الأنتقام من السنة ، وتهميش الشعب الكلداني من العملية السياسية ، ثم مؤخراً كان الألتفاف على الأكراد لأخضاعهم وتوجيه تهمة الأنفصال ضدهم .

إن العلاقة بين العرب والأكراد ينبغي ان تكون علاقة شراكة في الوطن ، وتفسير الشراكة ان تكون هنالك الشفافية والمهنية في العلاقات ، وحينما نقول الدولة العراقية الأتحادية ، بمعنى ان هذه الدولة تتكون من اتحاد الشركاء المساهمون ، والمكونات العراقية الصغيرة والكبيرة يشكلون الجمعية العمومية للشركة الوطنية في الدولة العراقية ، وعلى الجميع احترام بنود وقوانين الوطن لكي نخرج من الغابة ونعيش في نعيم الدولة المستقرة . وبهذا الصدد يتطرق الرئيس مسعود البارزاني في كلمته التي القاها بالمؤتمر الدولي الأول حول جرائم الأبادة البشرية في اربيل يقول (2) :

 «الذي يحصل الآن ليست شراكة، وإذا كانت تبعية، فإننا لن نقبل التبعية والوصاية من أحد. لذا، نحن شعب كردستان نريد جوابا عن هذا السؤال، إذا كان الجواب بنعم، فإننا لن نقبل عهودا من غير عمل، بل نريد عملا لأننا تعبنا ومللنا سماع وعود دون عمل. وإلا؛ فكل يدرك الطريق الذي سيسلكه».

الجدير بالذكر ان المتابع للأعلام ولتطور الأحداث والعلاقة بين اربيل وبغداد يلاحظ الموقف الواضح للقيادة الكوردية الرامي الى تحسين العلاقات ووضع الحلول الناجعة لكل المشكلات بالحوار والنقاش للوصول الى نقطة الوسط الذهبية ، وإن توتر العلاقات واستفحال الأزمات تؤدي الى عرقلة تطور العراق وبنائه ، وفي نفس السياق من اجل تلطيف الأجواء وخلق ارضية ملائمة للحوار الوطني نقرأ تصريح الأستاذ نيجيرفان البارزاني بهذا الصدد يقول(3) :

 ان لدى الكرد رغبة جدية في التفاوض مع بغداد لحل المشاكل العالقة وانهاء الازمة “الحقيقية” التي تعاني منها البلاد بسبب عدم الالتزام بالشراكة والتوافق والفيدرالية، وفيما حذر من ان العقلية الفردية والتهميش ستعيد “الخراب الى العراقيين” .ويضيف :

بأنه إجحاف بحق الكرد في الميزانية العامة للبلاد والتي أقرّت مؤخراً”، مبيناً ان “ميزانية العراق هي تعبير عن تقسيم الثروة وفقا لمبادئ الشراكة”. ونبّه الى ان “ميزانية البيشمركة وتعويضات المادة 140 وحقوق الشركات النفطية، جميعها امور عالقة لم تنفذها بغداد ..

 وتمشياً مع نفس السياق يضيف الأستاذ فاضل الميراني ، وهو سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى فضائية السومرية (4) قوله :

- ليست هناك طرق مسدودة مازلنا نعيش كعراقيين سوية بأختلاف أنتماءاتنا القومية والدينية والسياسية، العراق هو السقف الشامل للجميع نختلف ونلتقي، والاختلاف لا يعني عدم الألتقاء من جهة ومن جهة آخرى أتمنى كحزبي وكفرد عراقي أيضاً أن نحتكم ونمتلك هذا الكم من تبني الديمقراطية وأستيعابها وممارستها ..

إن القيادة الكوردية مع نخبة من المثقفين والسياسيين يجدون الصواب في التعايش في الخيمة العراقية والعمل بآلية الشراكة الوطنية مع سيادة دولة القانون في الدولة العراقية الأتحادية ، ويأتي هذا التأكيد  رغم استراتيجيتهم الفكرية بهدف تأسيس دولة كوردية في نهاية المطاف ، فإنهم يرون ان الظروف الحالية غير ملائمة لإعلان مثل هذه الدولة وينبغي التريث فالمسالة لا تقبل الخطأ والفشل لجسامتها وخطورتها .

لكن مقابل ذلك نلاحظ ان طبقة الشباب الذين يشكلون نصف السكان في اقليم كوردستان الذي تقدر نفوسه بحوالي خمسة ملايين ونصف المليون ، نجد ان هؤلاء الشباب ليس لهم اي إلمام باللغة العربية وربما لأنتفاء الحاجة الى هذه اللغة بين هؤلاء الشباب، ويمكن القول ان هؤلاء هم اولاد كوردستان اكثر من قولنا انهم اولاد العراق ، وينجلي ذلك واضحاً في العواطف والمشاعر القومية وشدة الأنتماء الكوردستاني وهو طاغ على مشاعر اوساط  واسعة من الشباب ولو حدث استفتاء باستقلال كوردستان فإن معظم هؤلاء الشباب إن لم يكن جميعهم هم مع الأستقلال الفوري لكوردستان ، لأنه كما ورد في إحدى الصحف البريطانية إن هؤلاء الشباب ليسوا احرار فحسب بل اثرياء ايضاً .

وإذا اخذنا العامل الذي يشير الى علاقة الكورد بالدولة العراقية فإننا نلاحط نهج غريب لا يعمل على توطيد العلاقة بين المكونات العراقية ، فرجل الدولة الحقيقي لا يمكن ان يحمل قاموسه عقلية الثأر والغلبة ، ومهما كانت شهيته السياسية للاحتفاظ بالحكم، فيترتب عليه ان يضع مصلحة وطنه في استراتيجيته السياسية قبل كل شئ ، سواء كان تعامله مع الأكراد او مع السنة او مع الكلدان اومع اي مكون آخر .

ثمة مشاكل عالقة بين بغداد واربيل وهي مركزة في ثلاثة محاور :

ــ أهمها مسالة الأرض التي تطرق الدستور الى حلها حسب المادة 140 والتي تقضي بإجراء استفتاء شعبي عام  في مدينة كركوك وفي المناطق المتنازع عليها لكي يقرر السكان عائدية مناطقهم بين اقليم كوردستان والمركز لكن جرى تلكؤ في تطبيق المادة اعلاه لأسباب سياسية فأبقى المشكلة قائمة .

ــ بعد ذلك هنالك استثمار الثروة النفطية والخلافات حول قيام اقليم كوردستان بتوقيع عقود نفطية مع شركات عالمية ، وتصدير كميات كبيرة من نفط كوردستان الى الخارج عبر تركيا ، إن وضع الحلول الناجعة لهذه المعضلات ليس مستحيلاً ان توفرت النيات الصافية ، وإن تغلبت مصلحة الوطن العراقي ، لكن مع الأسف فإن حكومتنا الموقرة غارقة في ازمات سياسية مع مختلف المكونات ولا تلوح في الأفق علامات انتهاء تلك الأزمات .

ــ ومحور الأختلاف الثالث هو قوات البيشمركة ، إذ تنص الفقرة الخامسة من المادة 121 من الدستور العراقي الذي ينص على أن قوات البيشمركة الكردية هي قوات خاصة بحماية إقليم كردستان، وتسمى بقيادة قوات حرس الإقليم، وستكون جزءا من المنظومة الدفاعية في العراق ، اي ان هذه القوات هي جزء من القوات العراقية ، فاقليم كوردستان هو جزء من العراق وبالتالي فإن سلامة اراضيه هي جزء من سلامة الأراضي العراقية ، وبؤرة الخلاف تتركز في ان الحكومة العراقية لا تصرف ميزانية لقوات البيشمركة التي هي جزء من القوات العراقية فلو كانت قوات البيشمركة غائبة لا شك ان الجيش العراقي كان يقوم بالواجب التي تقوم به قوات البيشمركة ، ومن المنطقي ان تصرف الدولة على القوات التي تقوم بهذا الواجب إن كانت من الجيش العراقي او قوات البيشمركة .

أقول : إن المكونات الدينية من يهود ومسيحيين وصابئة قد تركوا مناطقهم في مدن الوسط والجنوب بسبب الأضطهاد والظلم الحكومي والمجتمعي ، وهكذا ترك هؤلاء وطنهم العراقي من غير رجعة ولا يوجد من يترك وطنه دون سبب وجيه ، وإن الأسباب التي كانت وراء هجرة هذه المكونات للوطن العراقي هي نفسها سوف تجبر الاكراد على الأستقلال في مناطقهم ، إنها ضغوطات وأسباب لقيام الأكراد بإعلان دولتهم الكوردية المستقلة ، وربما سيكون ذلك حافزاً للسنة ان يعلنون اقليمهم وربما دولتهم . والسبب يعود الى السياسة الخاطئة التي يسلكها الحكام واستخفافهم بالمكونات الصغيرة او المختلفة عنهم دينياً او قومياً وتكون النهاية اللجوء والسعي الى تقرير المصير . وأملنا ان يصار الى بحث كل المشاكل بروح اخوية ديمقراطية لكي لا يضطر الأكراد الى اتخاذ قرارهم الحاسم ، وأن يصار الى التعامل مع شعبنا الكلداني وبقية المكونات الدينية والأثنية بمنطق المواطنة العراقية ، وأن يبقى العراق الواحد ديمقراطياً بنسيجه المجتمعي الجميل .

د. حبيب تومي ـ القوش في 23 ـ 03 ـ 2013

habeebtomi@yahoo.no

ـــــــــــــــــــــــ

 

موسوعة الحرة ـ ويكيبيديا حسب الرابط : (1)http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%87%D8%AF%D8%A9_%D8%B3%D9%8A%D9%81%D8%B1

(2) ـ جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 19 ـ 03 ـ 13

(3) ـ المستقلة نيوز حسب الرابط ادناه :

http://almustaqbalnews.net/index.php?option=com_k2&view=item&id

 

(4) ـ

http://www.doxata.com/meqabelat/8980.html

 

Opinions