رأي حول ارتباط الهيئات المستقلة
يتصاعد الجدال بصدد جواب المحكمة الاتحادية العليا، ردا على استيضاح بعثه مكتب رئيس الوزراء، حول الجهة التي ترتبط بها الهيئات المستقلة، وكما جاء في قرارها المعلن في 18 كانون الثاني الجاري، والذي اشار الى "الهيئات المستقلة التي لم يحدد الدستور بنص صريح ارتباطها بمجلس النواب أو بمجلس الوزراء وتمارس مهام تنفيذية فان مرجعيتها تعود لمجلس الوزراء ويكون لمجلس النواب حق تنفيذ الرقابة على أعمالها."وهناك من يراه جدالا عقيما، لا جدوى من الخوض فيه، ويشكل مفارقة محزنة، لامعنى لها، بما ان المحاصصة الطائفية والاثنية الحزبية هي التي تتحكم لغاية اليوم في تشكيل هذه الهيئات، وبالتالي تمس استقلايتها، وتضعف دورها وتعرقل مهماتها، وتعيق ادائها. فيما ينظر اخرون الى هذا الموضوع ليس بمعزل عن الصراع الدائر بين جميع القوى السياسية حول شكل الدولة العراقية الجديدة ومحتواها، والذي لم يحسم لغاية اليوم، فهناك العشرات من المواد الدستورية برسم التعديل، الى جانب مئات القوانين تنتظر التشريع، حيث سيلعب تناسب القوى في البرلمان وفي المجتمع دورا حاسما في ذلك.
لقد تضمن الفصل الرابع من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، الهيئات المستقلة ضمن المواد من (102 – 108) وعد الدستور في المادة (102) كل من "المفوضية العليا لحقوق الانسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النزاهة، هيئات مستقلة تخضع في عملها لرقابة مجلس النواب وتنظم اعمالها بقانون". ومن هذا الباب كان يمكن للمحكمة الاتحادية الرجوع الى خلفية النقاش حول فهم واضعي مسودة الدستور لعمل ودور الهيئات المستقلة وشكل ارتباطها، وكذلك الاستماع الى المشاركين في كتابة الدستور، واخذ ارائهم كمساهمين في بلورة الرؤية، وشهود على واقعة الكتابة، واهمية الرجوع الى محاضر لجنة كتابة الدستور، ربما يتوفر فيها معطيات كافية تدل على مفهوم استقلالية هذه الهيات وطبيعة المهام التي تؤديها وخصوصيتها.
فالامر هنا لا يعتلق بجانب اداري بحت، وانما لاسهامه في تركيز السلطة وتمركزها، وتغليب كفة السلطة التنفيذية على باقي السلطات، و يوفر لها غطاء شرعي للسيطرة على الدولة برمتها والاستحواذ على قدراتها، وهذا مكمن الخطر على العملية الديمقراطية.
الاصل هو الحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات والتعاون فيما بينها، وبما لا يخل باستقلالية تلك الهئيات، كما هو معمول في تجارب دولية متقدمة.
وان كان هناك خلل في ممارسة مجلس النواب، سابقا، لدورة الرقابي والاشرافي على عمل هذه الهيئات فانه خلل وظيفي وليس بنيوي، لا بد من تداركه، مع اهمية وضع قوانين لكل هيئة يضمن استقلاليتها، ويحدد صلاحياتها الدستورية، ويبين واجباتها بوضوح.
من جهة اخرى لا يمكن للدستور وحده، ولا الى القوانين بحد ذاتها، مهما كانت دقيقة في توضيح استقلالية الهيئات انفة الذكر، ان تعيد الثقة باداوارها، دون ارادة وطنية حقيقية، تجعلها بعيدة كل البعد عن المحاصصة الطائفية والاثنية، وان يتم اشغال المناصب فيها على وفق مبدا المواطنة، والمهنية والكفائة والخبرة والنزاهة.