رئيس الجمهورية جلال طالباني يلقي كلمة العراق امام الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الخامسة والستين
24/09/2010شبكة أخبار نركال/NNN/
ألقى فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني مساء الخميس 23-9-2010 بتوقيت نيويورك، كلمة العراق امام الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها (65)، فيما يأتي نصها:
"بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة الرئيسة،
أسمحوا لي أولاً أن أتقدم بالتهنئة لكم ولشعب سويسرا الصديق بمناسبة ترأسكم الجمعية العامة في دورتها الخامسة والستين، وسيكون وفدنا عوناً لكم في أداء المهمة المناطة بكم، وأننا على يقين من أن الخبرة والحكمة التي تتمتعون بها ستكون عاملاً مهماً في إنجاح أعمال الجمعية العامة وتحقيق مقاصد الأمم المتحدة والشكر موصول لسلفكم صديقي العتيد الدكتور (علي التريكي) لرئاسته للجمعية العامة في دورتها السابقة.
لقد أفضت العملية السياسية الجارية منذ انهيار النظام الدكتاتوري في 2003 إلى تغيير سياسي جذري في العراق تجسد في بناء عراق اتحادي ديمقراطي موحد ومستقل في ظل مؤسسات دستورية تحظى بالاحترام وحكومة منتخبة بموجب الدستور. ولم يكن الطريق للوصول إلى هذا الهدف سهلاً ومعبداً بل واجهته الكثير من التحديات، وكان في مقدمتها مواجهة قوى التطرف المذهبية والطائفية والتصدي للإرهاب وفلول النظام الدكتاتوري السابق التي تحاول العودة بالعراق إلى عهد الظلام والمقابر الجماعية والحروب العبثية ولقد استخدمت هذه القوى مختلف الوسائل بما فيها ارتكاب أبشع الجرائم، وتحالفت مع منظمات الجريمة المنظمة وشبكات الإرهاب العالمي العابرة للأقاليم والدول من اجل زعزعة امن واستقرار العراق وصولاً إلى ذلك الهدف. وكانت المهمة الأساسية لحكومة العراق هي توفير الأمن في جميع أنحاء العراق وتعزيز الوحدة الوطنية وسيادة القانون.
السيدة الرئيسة،
السيدات والسادة الأفاضل،
منذ أن وقفت أمامكم في السنة الماضية، حدثت تطورات مهمة في العراق، لقد شهد العام الماضي وهذا العام انخفاضاً كبيراً في أعمال العنف وتحسناً ملحوظاً في الحالة الأمنية في العراق على الرغم من وقوع بعض الأعمال الإرهابية التي استهدفت المدنيين الأبرياء هنا أو هناك. أن تحسن الوضع الأمني هو الذي مهد لسحب الولايات المتحدة الأمريكية لقواتها القتالية العاملة في العراق واستكمال هذا الانسحاب في 31/8/2010 وذلك استناداً إلى الاتفاق الموقع بين البلدين بشأن انسحاب القوات الأمريكية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه الموقع بين الطرفين بتاريخ 17/11/2008.
كما شهد هذا العام نجاح الانتخابات التشريعية التي أجريت في 7/آذار/2010 وحظيت باهتمام عربي وإقليمي ودولي كبير. وأعرب جميع المراقبين من بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في العراق ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية إضافة إلى المراقبين الدوليين ومنظمات المجتمع المدني عن ثقتهم بشفافية تلك الانتخابات ونزاهتها وحريتها.
وحالياً تجري الأحزاب السياسية الرئيسية اتصالات مستمرة من اجل عقد دورة مثمرة لمجلس النواب المنتخب حديثاً ينتخب فيها رئيساً جديداً للمجلس ورئيساً للجمهورية، وبعد ذلك يطلب الرئيس المنتخب من رئيس الوزراء الجديد تشكيل الحكومة استناداً إلى أحكام الدستور العراقي. ونأمل أن تشكل هذه الحكومة الجديدة في اقرب فرصة ممكنة، إذ إن أي تأخير في تشكيلها سيؤثر بشكل سلبي على الحالة الأمنية والإعمار والازدهار.
ولقد شجع تحسن الحالة الأمنية في العراق العديد من البلدان العربية والأجنبية على إعادة فتح بعثاتها الدبلوماسية وساعد على تطوير علاقات العراق على الصعيدين الإقليمي والدولي وقد ساهم تعيين سفراء عراقيين جدد في مختلف بلدان العالم في تعزيز هذه العلاقات وتوسيع أفاقها. كما أن تولي العراق لرئاسة الدورة الحالية للجامعة العربية ومؤتمر القمة العربي في شهر آذار من العام المقبل سيعزز من دور العراق الإقليمي وسيمثل خطوة مهمة على طريق مساعي العراق لأستعادة مكانته في المجتمع الدولي وأن يكون عضواً فعالاً ومسئولا في الأسرة الدولية. وستمضي حكومة العراق بهذا الاتجاه، اتجاه تعميق أواصر الصداقة والتعاون وحسن الجوار، وبالشكل الذي يقوي من فرص الاستقرار والأمن في المنطقة.
وفي مجال التنمية، أطلقت الحكومة العراقية في 4/نيسان/2010 خطة إنمائية وطنية لفترة خمس سنوات 2010-2014، وتضمنت هذه الخطة ما يقارب 2700 مشروع استراتيجي في القطاعات المختلفة تبلغ تكلفتها 186 بليون دولار. وستساهم هذه الخطة في تطوير الاقتصاد العراقي وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للعراقيين فضلاً عن ذلك سيؤدي تنفيذ هذه الخطة إلى إيجاد 4 ملايين فرصة عمل سيكون تأثيرها الايجابي قوياً في معالجة مشكلة البطالة في العراق وستساهم أيضا في عودة اللاجئين العراقيين إلى بلدهم. وفي هذه الصدد فأن حكومة العراق ترى أن الحل الحقيقي والفعلي لمشكلة النازحين العراقيين هو في عودتهم إلى بلدهم العراق والى أماكن سكناهم التي غادروها، لأن العراق بحاجة إلى طاقات جميع أبنائه لكي يساهموا في بناء مستقبل بلدهم. وعليه فأننا نهيب بالدول المستقبلة للنازحين العراقيين والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني أن تعمل على نشر ثقافة العودة الطوعية.
وقد حظيت المرأة العراقية بمكانة مهمة في العراق الاتحادي الديمقراطي الجديد وتمتعت بحقوقها السياسية كما للرجل، ومنحت حصة في التمثيل في مجلس النواب العراقي بنسبة 25% وتبوأت، ولأول مرة، منذ عدة عقود عددا من المناصب الوزارية المهمة، ومثلت بلادها كسفيرة بعد أن حرمت من هذه الحقوق لأكثر من ثلاثين عاما. فضلا عن ذلك، فقد كفل لها الدستور الحق في منح جنسيتها لأبنائها.
السيدة الرئيسة،
لقد صاغ دستور العراق المبادئ الأساسية لسياسة العراق الخارجية التي تركزت على مراعاة حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وحل المنازعات بالوسائل السلمية، وإقامة علاقات دولية على أساس المصالح المشتركة واحترام التزامات العراق الدولية، وهذه ثوابت لا يحيد عنها العراق في سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية. وعلى هذا الأساس فإننا نسعى إلى إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة والدول الإسلامية، ونلتزم بقرارات جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ومن هذا المنطلق، فإننا نساند وندعم نضال الشعب الفلسطيني العادل من اجل إقرار حقوقه غير القابلة للتصرف بما فيها إقامة دولته الفلسطينية على ارض فلسطين، كما نعمل على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية في إعادة الأراضي العربية المحتلة، ونعتبر المبادرة العربية خطوة عملية وفي الاتجاه الصحيح نحو تسوية النزاع العربي- الإسرائيلي وصولا إلى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط. كما إننا ندعو إلى جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، لان ذلك من شانه أن يعزز من فرص السلام والأمن،وفي هذا السياق ندعو الدول التي لم تنضم بعد إلى معاهدة عدم الانتشار إلى الانضمام إليها والتقيد بأحكامها.
وفيما يتعلق بالملف النووي للجارة إيران، فان العراق يؤمن بحق الدول المشروع في استخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية، وهو حق كفلته المواثيق الدولية وفي المقدمة منها معاهدة عدم الانتشار ، ونؤكد على أهمية التوصل إلى حل سلمي في التعامل مع هذا الملف ، وان الحوار والعمل الدبلوماسي الهادئ هو انجح طريقة إلى تحقيق ذلك الهدف، وبالمقابل فان أي تصعيد سيضر بمصالح جميع الأطراف ويعرض امن المنطقة إلى الخطر.
ولا تزال أهم مسالة يواجهها العراق في هذه المرحلة هي التخلص من أعباء القرارات التي صدرت بحقه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ومن خلال عملية مراجعة القرارات استنادا إلى قرار مجلس الأمن 1859 لسنة 2008، واستجابة لتقرير الأمين العام الوارد في الوثيقة(S/2009/385)، فإننا نمضي بشكل حثيث بالتعاون مع الأصدقاء والدول الأعضاء في مجلس الأمن لكي تتم تسوية جميع المسائل المتعلقة بالحالة في العراق وفي مقدمتها القيود المتبقية على العراق في مجال نزع السلاح ، وتصفية عقود برنامج النفط مقابل الغذاء والتوصل إلى آلية تضمن الحماية لأموال العراق تخلف صندوق تنمية العراق والمجلس الدولي للمشورة والمراقبة، ونحن جادون في أن ننهي هذه الملفات العالقة خلال ما تبَقى من هذه السنة. وستتعامل الحكومة المنتخبة الجديدة مع القضايا التي تخص الحالة بين العراق والكويت، ومن أبرزها صيانة الدعامات الحدودية والتعويضات وعودة المفقودين والممتلكات الكويتية، وسنعمل مع الأشقاء الكويتيين والأطراف ذات العلاقة ومع الجهات المعنية في الأمم المتحدة من اجل التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف ومن دون أن تخل بالتزاماتنا بموجب قرارات مجلس الأمن، الذي نؤكد هنا على احترامنا لها والتزامنا بها.
أن الوضع في العراق، ونتيجة للتطورات الايجابية الكبيرة التي حدثت فيه منذ سقوط النظام السابق والتخلص من الدكتاتورية، بات يختلف اختلافا أساسيا عن الوضع الذي كان قائما عندما تبنى مجلس الأمن القرار 661 لعام 1990.
وعليه، وبعد اعتماد مجلس الأمن للقرار 1859 لعام 2008 ، وصدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة استجابة للفقرة الخامسة من ذلك القرار الوثيقة (S/2009/385)، فإننا نرى إن الوقت قد حان لكي يتصرف مجلس الأمن، استجابة لتقرير الأمين العام، وبموجب الولاية المناطة به استنادا إلى القرار أعلاه، وانطلاقا من مسؤوليته في حفظ السلم والأمن الدوليين، على إعادة النظر في القرارات ذات الصلة بالعراق والتي صدرت عنه استنادا إلى الفصل السابع بدءا من القرار 661 لسنة 1990 وبالشكل الذي يعيد للعراق مكانته الدولية التي كان يتبوؤها قبل اتخاذ تلك القرارات.
السيدة الرئيسة،
إن العملية السياسية الجارية في العراق تهدف إلى بناء عراق اتحادي ديمقراطي موحد و مستقل ، يعمل الشعب فيه في ظل مؤسسات دستورية وسلطة للقانون تتمتع فيها حقوق الإنسان بالحماية، وتحظى فيها جميع مكونات الشعب بالاحترام الكامل.
إننا نعلق أهمية كبيرة على قدراتنا وإمكانياتنا، كبلد غني بموارده الطبيعية والبشرية، في تحقيق تلك الأهداف، بيد إننا في هذه المرحلة المهمة من حياة شعبنا، نحتاج إلى الدعم السياسي والاقتصادي والتعاون الدولي من اجل الوقوف على قاعدة ثابتة تمكننا من الانطلاق نحو مستقبل نكون فيه قادرين ليس فقط على النهوض ببلدنا وشعبنا نحو الاستقرار والتقدم والازدهار، بل بالمساهمة مع الأسرة الدولية في تحقيق السلام والأمن والتنمية المستدامة لجميع الشعوب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأشكركم على حسن استماعكم".
المركز الصحفي لرئاسة جمهورية العراق.