Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

رئيس الوزراء العراقي وانتخابات مجالس المحافظات وقوى الأمن الداخلي !

من تابع خطاب رئيس الوزراء العراقي لأمكنه التقاط فكرتين محورهما الانتخابات وأن اختلفتا في صيغة الطرح:
الفكرة الأولى تجلت في دعوته الموجهة إلى العشائر العراقية كي تلعب دوراً أكبر في الحياة السياسية وتعقد مؤتمراتها وتواصل تشكيل مجالس الإسناد لتؤول إلى تشكيل مجلس وطني عشائري في العراق , ليكون موازياً للمجلس الوطني العراقي , كما يبدو لي بأن الرجل يرغب في الدعوة إلى التحضير لإصدار قانون جديد للعشائر العراقية على غرار قانون العشائر الذي سن في العهد الملكي ليحتمي ويحصن نفسه بهذه العشائر بأمل الحصول على أصواتها له ولحزبه في انتخابات مجالس المحافظات القادمة والانتخابات العامة القادمة ولينافس بها الأحزاب الإسلامية الأخرى وغيرها !

والإنسان المدني الديمقراطي الحر الذي يحترم العشائر العراقية ولا يريد الإساءة إليها يعمل على تغيير أوضاعها لصالح المجتمع المدني الذي يعود في ولائه لا للعشيرة , بل للوطن والمواطنة أولاً وقبل كل شيء وأن ينفذ قرار الوطن والدولة وليس قرار عشيرته. وبهذا يرتكب السيد رئيس الوزراء خطيئة كبيرة في الاندفاع صوب العشائرية التي تذكرنا بما عمد إليه صدام حسين في هذا الصدد حين اراد تحصين نفسه بالعشائر لمواجهة معارضيه وإسناد حروبه الدموية. إن هذا الخطأ تاريخي وسوف يكتب في سجل رئيس الوزراء نوري المالكي. ويفترض أن لا ينسى بأن هذا النهج ذو حدين , الحد الأول ربما له ولغيره مؤقتاً , والحد الثاني عليه وعلى المجتمع المدني الديمقراطي لاحقاً.

والفكرة الثانية بدت لي أنها أكثر خطورة ولكنها أكثر صحة , إذ وجه المالكي تحذيراً وتهديداً صريحاً وصارخاً وصارماً ومنفعلاً في آن واحد إلى قوى الأمن الداخلي وطالبها بالابتعاد عن أي شكل من اشكال التدخل في الشأن الانتخابي لمجالس المحافظات , وأنه سيعاقب كل من تسول له نفسه من أجهزة الأمن الداخلي التدخل في هذه الانتخابات لصالح جهة معينة , وأنه سيبحث هذا الموضوع "مع مستشار باول بريمير السابق للأمن القومي الدكتور الطائفي السياسي حتى النخاع موفق الربيعي. ماذا يعني هذا التحذير والتهديد لأجهزة الأمن الداخلي؟

إن هذا يعني بوضوح تام لا سابق له من جانب رئيس الوزراء الاعتراف الصادق بأن أجهزة الأمن الداخلي تتكون بالأساس من ميليشيات شيعية قوامها قوى فيلق بدر السابقة التي استطاعت التسرب الرسمي إلى أجهزة الأمن الداخلي والشرطة العراقية في فترة وجود الدكتور إبراهيم الجعفري الأكثر طائفية , في رئاسة الوزراء ووجود باقر جبر الزبيدي (بيان جبر صولاغ) على رأس وزارة الداخلية , وأن هذه القوى تابعة بالأساس إلى المجلس الإسلامي الأعلى في العراق الذي يترأسه عبد العزيز الحكيم وابنه عمار الحكيم , وكان البعض من هذه القوى تابع لحزب الدعوة وميليشيات جيش المهدي من أتباع مقتدى الصدر, إضافة إلى دور موفق الربيعي في تسهيل هذه العملية حينذاك وحتى الآن.

كما يبدو لي بأن هذه الأجهزة الأمنية تساهم الآن مع قوى بدر المتمدينة التي يترأسها هادي العامري في الدعاية المضادة لحزب الدعوة الإسلامي ورئيس الوزراء , رئيس حزب الدعوة , وتمارس افعالاً , كما أشار المالكي , تثير من خلالها غضب وكراهية الشعب للحكومة الراهنة ورئيسها المالكي. لم يكن الإنسان بحاجة ليكون ذكياً ليعي هذا الطرح المكشوف والرسالة الواضحة الموجهة من جانب رئيس الوزراء إلى قوى الأمن الداخلي الذي يخشى منها على تزوير الانتخابات ضده من خلال ممارسة أساليب غير مقبولة واستخدام الرموز الدينية والغيبيات وبعض المراجع الدينية والولاء الديني والتهديد والتخويف , ومن خلال أجهزة الأمن للتأثير على سير الاقتراع في غير صالحه , وأكثر من ذلك ضد القوى الديمقراطية والمدنية العراقية.

أنه لأمر مثير حقاً أن يشكو رئيس الوزراء من احتمال تزوير الانتخابات من جانب قوى حليفة له أولاً , ومن جانب أجهزة خاضعة لإدارته مباشرة باعتباره رئيساً للحكومة العراقية ثانياً. وهذا يعني أن رئيس الوزراء إما لا سيطرة له حتى على أجهزته التنفيذية , أو أنه غير قادر على تغيير هذا الواقع , وكلا الأمرين بلاء. وهذه الحقيقة هي التي أشرت إليها في مقالتي التي نشرتها يوم 15/1/2009 تحت عنوان " هل العراق معادلة سياسية صعبة ومعقدة في الفترة القادمة؟

ليس في مقدور هذه الانتخابات أن تكون نزيهة لا من حيث بنية المجتمع التعليمية والمهنية والدينية , ولا من حيث مستوى الوعي السياسي والاجتماعي للسكان , ولا من حيث طبيعة الأجهزة الحكومية الفاعلة , إضافة إلى نظام المحاصصة الذي يجسد في مجمله العملية السياسية منذ عهد بمريمر السيء الصيت حتى الآن , والدليل على ذلك صراع القوى السياسية الحاكمة حول انتخاب بديل لرئيس المجلس "المستقيل" وتوقيع ثلاث قوى على أن يكون البديل يبقى قائماً على المحاصصة القومية والطائفية التي من بين الموقعين على هذه الاتفاقية رئيس الوزراء أو ممثل حزب الدعوة الإسلامية , والذي يعتبر رئيس الوزراء أحد نتاجات هذا النظام المحاصصي البائس الذي يدينه الآن رئيس الوزراء. كما لا يمكن أن تكون نزيهة كما يرجوها الناس لأن الأساليب التي بدأت تمارس حتى قبل بدء الحملة الانتخابية لتزوير الانتخابات القادمة لا من حيث رمي أوراق إضافية في الصناديق , بل من حيث ما يجري مع المواطنات والمواطنين قبل الدخول إلى قاعات الاقتراع السري. ومع ذلك فمن المحتمل أن يبدأ لفظ بعض قوى الأحزاب الدينية التي أشعلت الصراع الطائفي وأججته واستفادت منه وعاثت فساداً خلال السنوات الخمس المنصرمة. وكم هو سيء على بعض هذه الأحزاب السياسية الحاكمة في العراق حيث بدأ الناس يقارنون بين تصرفات قوى عائلة صدام حسين وبعض العائلات التابعة للحكام الحاليين , والعهدة في هذا على الرواة في العراق وهم من الشعب ذاته. لقد سمعت هذه المقارنة من أفواه مئات العراقيات والعراقيين من مختلف الأحزاب والقوى السياسية ومن الناس البسطاء في الداخل والخارج , إضافة إلى إقرار قوى إسلامية سياسية في الائتلاف الحاكم ذاته بوجود مثل هذه المماثلة في الشارع العراقي.

لن تكون هذه الانتخابات , كما يتمناها الإنسان العراقي , حرة وديمقراطية ونزيهة ونظيفة وعادلة , ولكن مع ذلك نلاحظ بأن جمهرة كبيرة من الناس تبذل الكثير من الجهد لجعلها ساحة للمنافسة السياسية رغم عدم تكافؤ الفرص والخشية من التزوير وتزييف إرادة الإنسان.

16/1/2009 كاظم حبيب



Opinions