Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

رابي سركيس والمجلس الشعبي .. ينبغي مراجعة الذات (1)

بداية اقدم التهاني والتبريكات لقيادة وتنظيمات المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في الذكرى الثانية لتأسيسه متمنياً له التقدم والموفقية لخدمة شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين .
كمراقب سياسي مهتم بشؤون شعبنا، كنت متابعاً عن كثب لمسيرة المجلس الشعبي واستطيع تدوين هذه الملاحظات آملاً ان تستمر مسيرة المجلس ويحافظ على ديمومته باعتباره واحداً ـ وليس الوحيد ـ من التنظيمات المهمة التي يعول عليها شعبنا . اكتب هذا المقال عن مراجعة الذات الضرورية والنظر الى النتائج التي آلت اليها الأمور خلال حقبة زمنية من العمل ، وهذه الحالة ضرورية لكل تنظيماتنا وأحزابنا بما فيها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري خاصة بعد انسحاب الجمعية الثقافية الكلدانية ، والفيلسوف سقراط ، يقول أعرف نفسك .
فهل راجعنا يوم من الأيام انفسنا وأعمالنا إن كنا افراداً او منظمات ؟
أقول :
من المسلمات التي تعلمناها في عالم السياسة ان العبرة ليست في تحقيق النصر ، إنما تكمن في كيفية الأحتفاظ بذلك النصر وديمومته بعد زوال السكرة وغياب النشوة .
هكذا انطلق المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بوثبة عريضة نحو الأمام وبزخم كبير مستعيناً بعدد من العوامل والتي يأتي في مقدمتها اولاً : الأمكانيات المادية غير المسبوقة ، وثانياً بروز كارزمية رابي سركيس المتواضعة متسلحاً بعنصر الأخلاص .
البدايات تأسست بشكل صائب بالأعتماد على المشاورات وعقد مؤتمرات وتقديم دراسات واعتماد مبدأ الديمقراطية لوضع الأنسان المناسب في المكان المناسب ، لكن رغم تلك البداية الجميلة فقد طرأت على المسيرة بوادر التعثر الأول وكان ذلك في تهميش دور نخبة مثقفة مخلصة وفي مقدمتهم الزميلان سامي المالح وحازم كتو أبو ميلاد .
المهم انطلقت مسيرة المجلس بعد هذا التعثر ، وكل الشواهد تشير الى تسنم المسؤوليات من قبل بعض المنتفعين في المراكز الأولى ، لا سيما القائمين والمسؤولين على صرف المبالغ وآلية الصرف وما شاب ذلك من ملابسات وأقاويل . ويمكن تشخيص بعض المحطات في مسيرة المجلس ومنها :
1ـ رابي سركيس آغا جان كان وزيراً في حكومة الأقليم وله كلمة مسموعة لدى القيادة الكردية ، والرجل يمتلك في قلبه عنصر الأخلاص والعمل والتفاني ، لكن برأيي ان الأخلاص ليس كافياً في اللعبة السياسية ودروبها المتشعبة ، فاللعبة السياسية تحتاج الى اكثر من عنصر الأخلاص ، رغم ضرورته ، أجل ان السياسة حالة زئبقية متقلبة مع مجريات الأحداث والزمن .
كان رابي سركيس الأب الروحي للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ، لكن يبدو ان من يحيط برابي سركيس لم يتسموا بالمهنية والحيادية في عملهم ، وكانت النتيجة في تخصيصات المبالغ بأن يغلب عليها عوامل التأثيرات الشخصية ، والتي لم تكن في منأى عن تلك المصالح ، ومحاباة الأنتماءات الكنسية ـ بشكل رئيسي ـ والأجتهادات الفردية وترجيح كفة المتطلبات الكنسية بشكل عام اكثر من المتطلبات الشعبية من الحاجات الملحة والضرورية ، إن كان فيما يتعلق بمشكلة السكن او بمسالة الأستثمارات الأنتاجية او السياحية المفيدة للمجتمع على المدى البعيد .
إن هذا التوجه جعل من مؤسسة رابي سركيس والمجلس الشعبي .. كخزينة تضخ المبالغ والمعونات والتي يغلب عليها طابع المساعدات الخيرية الأنسانية ، مع تسّيد وطغيان الأجتهادات الخاصة والعلاقات الشخصية وترجيح واضح لكفة منفعة الكنائس لا سيما في الجانب العمراني . عموماً ان هذا التوجه كان في منأى عن العمل المؤسساتي الضروري في مثل تلك الحالات ، لقد كان هذا التوجه كما هو معلوم على حساب الأستثمارات الأخرى ، إن كانت زراعية او صناعية او سياحية او استثمارية مالية ، وهذه جميعها ذات جدوى اقتصادي حيث الأستفادة منها على المدى البعيد .
الإنصاف وقول الحقيقة يحتم علينا ان نسلم في بديهة مفادها ان صرف تلك المبالغ لم يكن دائماً عديم الجدوى ، بل احياناً كان من الضرورات القصوى ، ومنها توظيف واستخدام عدداً كبيراً من الشباب في الحراسات الليلية او غيرها من الأعمال ، فمن ناحية تم انتشال هؤلاء الشباب من براثن البطالة ومن جهة اخرى حوفظ على مدننا وقرانا من العمليات الأنتقامية ، كما نشير الى اهمية سيارات نقل الطلبة الى الجامعات ، ونصب مولدات الكهرباء ، وبناء دور سكن ـ رغم ما طالها من الأنتقاد بسبب رداءة البناء وتفشي الفساد المالي في امر بنائها .
ولا مجال للاشارة الى جميع الجوانب الأيجابية ، لكن لا بد من الأقرار من ان المحصلة النهائية كانت بعدم جدوى الكثير من المشاريع ، والتي لم تساهم قط في تخفيف العبئ المعاشي على ابناء شعبنا في المنطقة في سهل نينوى حيث تربض في الغالب بلداتنا الكلدانيـــة ، وكذلك حيال ابناء شعبنا الذين غادروا بيوتهم مرغمين من بغداد والبصرة والموصل . والنتيجة الظاهرة للعيان هي هروب الآلاف من ابناء شعبنا الى خارج حدود الوطن العراقي حيث ارض الله الواسعة .
2 ـ في الشأن السياسي لم يتبنى المجلس برنامجاً سياسياً واضحاً مستقلاً كطرف سياسي في الساحة السياسية ، إذ كان جل اهتمامه هو ايجاد وتعضيد تنظيمات مجتمع مدني مع خلق صيغة تنظيمية توافقية ( لجنة التنسيق ) تجمع لفيف من التنظيمات الحزبية السياسية فيها الكلداني والسرياني والآشوري وتجتمع تحت شعار : الكلداني السرياني الآشوري ، والأشكالية التي حدثت ان رابي سركيس اعتقد ان تكون هذه تسمية لقومية جامعة تتكون من دمج الأسماء الثلاثة ، وقد عمل على رفع الأسمين الكلداني والآشوري من مسودة الدستور الكوردستاني ، لكن هذه العملية لم يرضى بها الآشوريون
وكذلك الكلدانيون ، لقد رأينا في وقتها ان هذه العملية هي طمس لقوميتنا الكلدانية الأصيلة ولتاريخنا في بلاد ما بين النهرين .
3 ـ في انتخابات مجالس المحافظات لعموم العراق تمكن المجلس الشعبي .. مع تلك القوى المتآلفة معه من إحراز نصر مبين عبر قائمة عشتار الوطنية ، وتمكن من إقصاء قائمة الحركة الديمقراطية من بغداد والموصل . لكن شهر العسل هذا لم يدم طويلاً ، ففي عالم السياسة لا يوجد اعداء او اصدقاء دائمين بل هنالك مصالح دائمة تلعب دورها في التحالفات والأئتلافات .
اليوم وفي انتخابات مجالس المحافظات لاقليم كردستان انبثقت ثلاث قوائم كانت معظمها متآلفة تحت خيمة المجلس الشعبي.. في قائمة عشتار الوطنية ، واليوم نقرأ عن انفراط ذلك العقد لتنبثق قائمة الكلــدان الموحدة التي سنأتي على ذكرها في مقال خاص ، ثم قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري وقائمة ثالثة وهي قائمة الحكم الذاتي للكلدان السريان الآشوريين والتي انسحب منها حزب بيت نهرين الديمقراطي .
لقد قرأنا مؤخراً عن انسحاب جمعية الثقافة الكلدانية من المجلس الشعبي .. ومن لجنة التنسيق التابعة له ، وهنا ينبغي التدقيق في اسباب الأنسحاب الواردة في بيان الجمعية والذي يقول ان الأنسحاب كان تحت ضغوطات ( الهيئة العامة ) وهذا يحمل في طياته معاني الأستياء من التهميش الذي يلف شعبنا الكلــداني . وهذا يشكل نقطة ضعف للمجلس.. حيث الأشارة واضحة الى الأنحدار بدلاً من الصعود ويجب على قيادة المجلس ان تفكر ملياً بدلاً من توجيه اللوم على المنسحبين .
يليه القسم الثاني
حبيب تومي / اوسلو في 28 / 5 / 2009



Opinions