رجال الدولة ورجال السلطة
لطيف القصاب/التفريق بين مصطلحي رجل الدولة ورجل السلطة قد يكون مفتعلا ولايعدو كونه تقسيما اعلاميا اكثر منه سياسيا وقد يكون لهذا التفريق وجهة نظر عقلية جديرة بالتأمل والاعتبار سياسيا واعلاميا.
ان الرأي النافي لوجود فرق بين المصطلحين آنفي الذكر ينطلق من ان العلوم السياسية لا تميز بين هذين المفهومين على نحو واضح، وغاية الامر ان توصيف شخص ما برجل سلطة وتوصيف اخر بانه رجل دولة لايستند الى مبررات منطقية وجيهة وانما هي العاطفة التي تريد ان تعلي او تخفض من قيمة المشتغلين في السياسة فتطلق على احدهم لقب رجل دولة مدحا وتصم غيره بالقول انه رجل سلطة انتقاصا.
اما من يذهب الى القول بان مفهومي رجل السلطة ورجل الدولة هما مفهومان متغايران فانه ينطلق من كون مجال البحث في هذه الجدلية يخرج من دائرة النخبة السياسية إلى فضاء أوسع لا يضيق مداه بعموم المواطنين. فليس شرطا ان يكون رجل الدولة مسؤولا او معارضا للنظام في دولة ما، بل قد يكون شاعرا او كاتبا او فنانا او شخصا من عامة الناس يتبنى موقفا داعما لعوامل الرقي في بلاده مثلما يتبنى موقفا مناهضا لكل ما من شأنه الحط من الكيان الرسمي الذي ينتمي اليه.
ان الانسان الذي يغيظه مشهد رؤية الازبال في منطقة سكناه ويسعى جاهدا الى ايجاد حل للتخلص من هذه الظاهرة الضارة به وبمواطنيه، ينطبق عليه مفهوم رجل الدولة بشكل لا لبس فيه وهو في صنعه هذا يشبه الكاتب الذي لايخشى على نفسه من السلطات الجائرة حينما يؤشر قلمه ببسالة على مواطن الخلل في مجتمعه، ويشبه المسؤول السياسي المستقيل عن منصبه طوعا نتيجة احساسه بسوء ادائه او حلول ساعة مغادرته المنصب الرسمي وفقا لقواعد اللعبة في بلاده، ويشبه المعارض الذي لا يخضع نقده الحكومي الى معيار المنفعة الحزبية والشخصية ولا يستنجد باطراف خارجية لفض نزاع داخلي بحت.
إن التحسس بالمسؤولية التضامنية هي ابرز العلامات الفارقة التي تميز رجل الدولة عن رجل السلطة، وان خلاف هذه الصفة اي التهرب من المسؤولية والبحث عن شماعات لها هي ابرز العلامات الفارقة التي تعزل مجتمع السلطة بعيدا عن مجتمع الدولة. وان قبول النقد الموضوعي من لدن القابضين على السلطات هو السجية التي تحدد هوية رجل الدولة المؤمن بكونه انسانا معرضا للخطأ في افعاله واحكامه وتنأى به عن رجل السلطة الذي يرى لنفسه صفات خارقة لطبائع البشر، ويبيح لنفسه نعت منتقديه بأوصاف غير أخلاقية مما هو شائع في قاموس المتجبرين والمتسلطين.
إلى ذلك فان تصنيف الساسة إلى مسؤولين ينصفون الناس من انفسهم ويقرون باخطائهم برحابة صدر ويؤمنون بالتداول السلمي للسلطة ويحترمون ما الزموا به أنفسهم من التزامات وتوقيتات على صعيد العمل السياسي المتبع في دولهم، والى معارضين ينتهجون مبدأ الحفاظ على المصلحة العامة طريقا دائما ولا يحيدون عنه خضوعا لاغراءات ذاتية او املاءات خارجية، ان هذا التصنيف الراقي يصلح لان يكون مؤشرا مهما في تقسيم الدول الى دول ناجحة واخرى فاشلة وهشة وغير مستقرة وعلى حافة الهاوية وما إلى ذلك من تقسيمات علمية.
ومع الانتصار إلى الرأي الذي لا يحتكر مفهوم رجال الدولة بفئة محددة ويخرج به إلى عامة أفراد الشعب، هذا المفهوم الذي ينطوي على مسحة انسانية واضحة المعالم فانه لا مناص من الإقرار بان المواطنين العاديين في دولة ما مهما بلغ منهم الجهد في البناء والعطاء لن يستطيعوا وحدهم احداث تغيير ملموس في دولهم نظرا لوجود المضاد النوعي والمتمثل بشرائح اجتماعية وثقافية قد يكون من شأنها الهدم لا البناء والسلب لا العطاء. كما هو الحال في جماعات الانقلابات العسكرية وجماعات الشغب والتخريب والاستيلاء على الممتلكات العامة فضلا عن جماعات أخر تمتهن أساليب تزوير الحقائق وتضليل الرأي العام والتي قد تمتلك من أدوات التأثير ما لا تملكه قوى الإصلاح والبناء.
إذن فأقصى ما يستطيع فعله رجال الدولة من غير المشتغلين بالعمل السياسي الخالص هو الدعم المادي والمعنوي لمن يجدونه اهلا لبناء الدولة في جبهتي الحكومة والمعارضة بدولهم. أي لمن يؤمنون بكونهم بشرا عرضة للخطأ في أفعالهم وأحكامهم ويحترمون ما ألزموا به أنفسهم من التزامات وتوقيتات وقواعد ولمن تغيظه وتؤرقه رؤية دولته دولة فاشلة وتحت الوصاية العالمية...
* مركز المستقبل للدراسات والبحوث
http://mcsr.net