رجال ومواقف
قبل ايام بثت احدى الفضائيات مقابلة مع الدكتور حكمت حكيم وهو الشخصية المعروفة في اوساط شعبنا واستاذ القانون الدستوري ، تطرق فيها الى جملة من الامور والمعطيات ذات الصلة بالشان القومي وما يعانيه من معضلات ومن ذلك حالة الانقسام التي يعيشها شعبنا السرياني الاشوري الكلداني ومعاناته الكبيرة في وطن بات محكوما بشريعة الغاب بعد ان تحول من حكم الدكتاتور الفرد الى هيمنة ودكتاتورية الكبار بالاضافة الى الاستهداف الواسع والاعمى لكل فئات وشرائح الشعب العراقي وشعبنا على وجه التحديد للخصوصية القومية والدينية التي يحملها .كما تناول اللقاء ايضا موضوع الحكم الذاتي لشعبنا في مناطق تواجده كأغلبية مع المكونات العراقية الاخرى في تلك المناطق واوضح اسباب تفضيله المطالبة بالحكم الذاتي على المطالبة بالادارة الذاتية لتلك المناطق وبين ايجابيات ومزايا الاولى وسلبيات وعيوب الثانية وما الى ذلك ..... ولسنا هنا في معرض الرد على كل شاردة وواردة جاءت في تلك المقابلة او مناقشة المغالطات التي اكتنفتها ، ولكنه محض ايضاح لبعض الحقائق التي غابت عن ذهن وذاكرة الدكتور حكيم او اوردها مشوهة ومبتورة بحسن نية او بدونه وهو تقييم موضوعي لجملة مواقف تبنتها الحركة الديمقراطية الاشورية ارتبطت بتلك الحقائق والوقائع على انه ينبغي ان نؤكد ابتداءاً اننا لا نرمي من مقالنا هذا التجريح او الانتقاص او الاساءة الى شخصه وانما نسعى وننشد الامانة العلمية والتاريخية من اجل خدمة الحقيقة وتسمية الامور بمسمياتها وعلى النحو الاتي :
1- اشار الدكتورحكيم في محور من المحاور موضوعة اللقاء والمتعلق بالشان القومي واسباب الانقسام والتشتت في صفوف شعبنا بان مرد ذلك هو الانانية التي يتصف بها قادة وزعماء بعض احزابنا ومؤسساتنا القومية وعدم استعدادهم لتقديم التنازلات الضرورية لتحقيق وحدة شعبنا وتوحيد خطابه السياسي في الوقت الذي يجدر بالسياسي والقائد – والكلام لا زال له – ان يكون حريصا على مصالح شعبه الاساسية وان يكون لديه الاستعداد حتى للتضحية بحياته اذا تطلب الامر من اجل ذلك ، ثم اردف بالقول ان الحركة الديمقراطية الاشورية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني ليسا على استعداد لتقديم هذه التنازلات والترفع عن المصالح الحزبية الضيقة ... هكذا اذن ببساطة اختصر كل معضلات شعبنا في هذين الفصيلين . فهما سبب العلة وبيت الداء ( في نظره ) ، فهل بعد هذا التجني ... تجني...؟ للأمانة والتاريخ نقول موضحين ان الحركة الديمقراطية الاشورية ( قدر تعلق الأمر بها ) كانت ولا زالت على اتم الاستعداد لتقديم كل التنازلات التي تقتضيها المصلحة القومية العليا عندما يتوفر في الاخرين صدق النوايا واستقلال القرار ونفس الحرص على المصلحة العليا لشعبنا لأن الحركة تمتلك الجرأة والصراحة ووضوح النهج مع الجماهير ، والاهم من ذلك كله انها تمتلك الارادة الحرة والقرار المستقل الذي يفتقر اليه الكثيرون ممن اقحموا انفسهم في معتركات العمل القومي وهم ليسوا اهلاً لذلك . اما البحث عن المكاسب الحزبية والفئوية فلم يكن هدفها او هاجسها يوما وقد اثبتت بالعمل الواقعي المقرون بالتفاني وسيل التضحيات الزكية ونكران الذات الكبير وقوافل الشهداء المتواصلة وبشهادة الجماهير العريضة من ابناء شعبنا انها تقرن القول بالفعل وهي ليست حاملة او مسوقة لشعارات استعراضية كبيرة وصاخبة بلا مضامين جدية ولا مقومات واقعية لضمان تحقيقها كما يفعل الاخرون ، والدكتور حكيم يدرك اكثر من غيره حجم الجهد الذي اضطلعت به الحركة بعد السقوط وقبيل الشروع في كتابة قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية ومن ثم كتابة الدستور سعيا منها لتوحيد شعبنا وتأمين الحد الادنى اللازم من الوفاق بين فصائل ومؤسسات وتنظيمات هذا الشعب من اجل الاتفاق على القواسم المشتركة وصولا الى توحيد التسمية الخاصة بشعبنا ودرجها في الدستور كهوية قومية لنا .. وكلنا يتذكر المؤتمر القومي العام الذي إنعقد في بغداد أواخر تشرين الأول 2003 ؛ بدعوة ومبادرة مخلصة وجادة من الحركة لهذا الغرض ، إذ دعيت إليه كل عناوين شعبنا ، أحزاباً سياسية ، ومؤسسات قومية ، وشخصيات أكاديمية وفي مختلف الإختصاصات من داخل الوطن وخارجه من أجل التحاور الأخوي المخلص بغية الإرتقاء بالعمل القومي والسمو فوق الخلافات وبلورة موقف قومي مشترك والإتفاق على تسمية موحدة لشعبنا قبل حلول أجل كتابة الدستور ؛ وبعد أيام من النقاش والحوار الشفاف تم التوصل إلى إجماع بشأن موضوع التسمية الذي عد ولا زال يعد معضلة شعبنا الكبيرة ، رغم أن بعض الأطراف الحاضرة في ذلك المؤتمر السياسية منها والدينية سرعان ما تنصلت من إلتزامها وتبرأت من موقفها بعد أيام من ختام المؤتمر وقبل أن يجف حبر مقرراته وتوصياته . فالمتطرفين آشورياً أخذوا على الحركة وعلى المؤتمر ومقرراته إنه ضحى بالأسم الآشوري الذي إرتبط به تاريخ النضال القومي الحديث لإستمالة بعض الكلدان إلى صفوف الحركة وإنها مناورة من مناورات الحركة ــ كما زعموا ــ وليس الموضوع بالنسبة لها " وحدة شعب ومصير قضية " . أما دعاة الكلدانية أصحاب الطرح الضيق والأفق المحدود فلا شاغل لهم إلا العزف المنفرد على وتر الكلدانية لذا فهم وجدوا في إعتماد المؤتمر لتسمية " الكلدوآشوري " بثقافة ولغة سريانية تسمية دخيلة مصطنعة ومفبركة ولاسند لها من الواقع أو التاريخ كما زعموا ؛ فقاطعوا المؤتمر المذكور أولاً ثم واصلوا رفضهم لتلك التسمية وإستمر عزفهم " النشاز " على نفس الوتر مركزين بشكل خاص على موضوعة النسب والأرقام وكيف أنهم يمثلون هذا الرقم وتلك النسبة من مجموع مسيحيي العراق ، وإنهم قومية قائمة بذاتها ولا صلة لهم ولا يجمعهم بالسريان أو الآشوريين إلا الذي يجمعهم بالقوميات العراقية الأخرى كالعرب والكرد والتركمان . والدكتور حكيم مدرك أكثر من غيره بحكم قربه من الحركة ومواقفها وتحركاتها في تلك الفترة ، ولأن الحركة هي التي إحتضنته وسلطت عليه الأضواء آنذاك وقدمته لجماهير شعبنا من خلال تسميته ممثلاً لشعبنا في لجنة كتابة مسودة الدستور ؛ نقول مدرك هو لحجم الجهد الذي بذلته الحركة في هذه اللجنة من أجل إنضاج وإعتماد التسمية الموحدة لشعبنا التي أقرها المؤتمر القومي آنف الذكر في وثائق الدولة العراقية وأهمها وثيقة الدستور ، وقد تحقق ذلك فعلاً وتكللت تلك المساعي الشريفة بالتوفبق عند كتابة قانون إدارة الدولة الذي أورد إسم شعبنا الموحد في صلب نصوصه ؛ لكن إستمرار التكالب والتآمر من أطراف قومية عديدة لإفشال تلك الخطوة والقضاء على ذلك الإنجاز أدى إلى خسارة ذلك المكسب الهام ليتم الإشارة إلى شعبنا لاحقاً في الدستور بشكل مشوه مقسماً إياه إلى شعبين .
2- بعد ذلك جاءت الإستحقاقات الأخرى ألا وهي الإنتخابات التشريعية حيث وفي كل مرة كانت الحركة تدعوا جميع الأطراف القومية إلى رصّ الصفوف وإلى الدخول في الإنتخابات بقائمة موحدة تجمع كل فصائل شعبنا وأحزابه ليتعزز موقف الجميع ولكي يجني شعبنا ثمار ذلك ويصل بأكبر عدد ممكن من ممثليه إلى الجمعية الوطنية ، كان الآخرين دائماً في موقف المتشككين والمفتقدين لحسن النية والمصداقية ، وكانت مطالبهم تعجيزية وأكبر من حجومهم وإستحقاقهم ؛ أو أن بعضهم لم يكن سيد قراره بل كان يتحرك بإملاء وتوجيه الغير من خارج البيت القومي ، فكان مضطراً للإنسحاب تحت ذرائع واهية ليدخل الإنتخابات من خلال قوائم الآخرين ، وليصبح بالتالي جزءاً من برنامجهم ومشروعهم . فأين الأنانية وعدم الإستعداد للتضحية في مواقف الحركة وطروحاتها ياسيدي ؟! وأين الإنصاف والموضوعية في طرحك وأنت الرجل الأكاديمي الواعي الذي يفترض فيه التجرد وتناول الأمور بشكل علمي وموضوعي .
3- في محور آخر تطرق الدكتور حكيم إلى مسألة كثرة الأحزاب والتنظيمات العاملة في الساحة القومية والتي لا تتناسب وحجم شعبنا في الوطن الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الإرباك والحيرة وفقدان القدرة على التمييز لدى الكثير من أبناء شعبنا ، بسبب تداخل الألوان وعدم وضوح الصورة لديهم ، وبسبب تقاطع الطروحات والأهداف فيما بينها في أحيان كثيرة ، والتباين بين المعلن والممارس فعلاً على أرض الواقع وما يتخلل كل ذلك من تمويه ومناورات وأضاليل وتبعاً للمواقف والظروف في وطن تقوم التحالفات فيه على أرض من الرمال ، وتحركها رياح الأهواء والمصالح ومحكومة بعنصر المفاجأة والقدرية أحياناً ، أو بالإنتهازية وألوان الدهاء والمكر السياسي أحياناً أخرى . وأنا أتفق معه تماماً في أن كثرة أحزابنا ومؤسساتنا القومية مجلبة للشقاق ومبعث للشقاء لنا جميعاً ، لأنها تزيد الطين بلة والرؤيا ضبابية بالنسبة لجماهير شعبنا ، وتضاعف من حيرتها وذهولها ، ولازال إنتاج وضخ هذه الأحزاب والمؤسسات والزج بها إلى الساحة مستمراً مع إدراكنا وإدراك نخبة شعبنا وقناعتهم بأن أغلبها طاريء أو صنيع أنتجه الآخرون ولا يمثل إرادة شعبه ولا يمتلك مقومات البقاء والإستمرار ، لإفتقاده إلى الشرعية الشعبية والشرعية الثورية والتاريخ النضالي وإحترام أبناء أمتنا . والسؤال الكبير الذي يبرز هنا والذي ينبغي أن يسأله الدكتور حكيم ونسأله معه أيضاً هو : لمصلحة من يضخ كل يوم بمزيد من هذه المؤسسات والتنظيمات الكارتونية تحت شتى العناوين والصور ، ويتم إمدادها بالمال اللازم لإنجاز مهامها "الكبرى" في تخريب العمل القومي من خلال الخطاب الطائفي الضيق والرؤيا القاصرة والمزايدات الرخيصة التي ما أغنت ولن تغني شعبنا يوماً ، والتي دحضها ويدحضها الواقع يومياً ومن ثم خلق حالة من اللغط للتشويش على برامج شرفاء الأمة الجادين والصادقين في خدمة أمتهم ؟ .
نحن نسأل وأنت أيضاً مدعو لأن تسأل ياعزيزي ، أما نحن فنمتلك الإجابة الشافية الوافية ، ونأمل أنك ستجد الجواب مثلنا فتتضح الصورة لديك وتدرك كما أدركنا أن الحقيقة لن تحجبها الأباطيل والأبواق الحزبية والأعلامية المضللة ، وإن هموم الأمة وآمالها لن يحملها ولن يتصدى لها إلا أبناؤها الأصلاء مهما بلغ حجم التأمر والتكالب وحجم الضخ المالي والإعلامي لتشويه مواقفهم وعرقلة مسيرتهم . وعندما تصل إلى هذه القناعة ستراجع نفسك حتماً وتعيد النظر في مواقفك من الحركة الديمقراطية الآشورية بعد أن تتيقن من أن هذا الفصيل السياسي الشريف هو اليوم أمل أمتنا وهاديها ونبراسها وعنوان فخرها وكرامتها وحامل لواء المطالبة بحقوقها والمستميت في الدفاع عن وجودها ......