رحلة السندباد في وصف حالة البلاد
استاذ جامعي مستقل{ السياسة } ... في العالم اليوم كالشماعة كما يقولون حيث يعلق عليها السياسيون الفاشلون كل توجهاتهم الخاطئة حتى وان كانت تسئ الى كرامتهم ومبادئهم . ففي العراق على سبيل المثال نرى { بعض } من القادة والمسؤولين على ادارة شؤون العراقيين يمارسون اغرب الأفعال والتصرفات والتي تدل نتائجها على عدم كفائتهم ولا حتى تطابقها مع مبادئهم ! وحين ينتقدهم العراقيون ويكشفون لهم أخطاءهم يسارعون للإعلان على انها كانت { سياسة } وان ما يقومون به ما هو الا لعبة سياسية سيحققون من خلالها المعجزات !, ان هذا النوع من الخطابات يدل على مدى استخفافهم بعقول العراقيين وليس شيئا آخر ! ولا اريد هنا ان أشمل الجميع واصفهم بالمتواضعين السذج , لأنني وفي هذه الحالة ساضع الصادقين منهم في حرج وهم في حقيقتهم بعيدون عن اساليب الدجل السياسي اوالشعوذة الخطابية .ِِ
قرأت قبل ايام تحليلا لأحد المحللين السياسيين حول زيارة السيد المالكي الى اميركا , ويبدو انه من المشككين باسلوب ادارة المالكي لشؤون العراق , حيث وصف هذا المحلل مشهد وقوف السيد نوري المالكي امام الكونكرس الأمريكي وكأنه كتلميذ مدرسة يمثل امام ابويه لتبريرعجزه من اكمال واجباته المدرسية بالشكل المطلوب لكنه يتظاهر بتفوقه في دروس اخرى !
وهنا نقول ان وصف المحلل لم يكن غريبا , حيث ان غالبيتنا قد قرأ عبر التأريخ ملاحم بطولية عن بعض القادة العقائديين الذين اعدموا من قبل أنظمتهم , وبعضهم كانوا يستقبلون حبال مشانقهم بكل رحابة صدر ايمانا منهم بعدالة قضيتهم ووفاءً لمبادئهم التي ضحوا من اجلها , ويذكر التأريخ انهم كانوا ابان نضالهم اشداء لا يسمحون لألاعيب السياسة ان تبعدهم عن مبادءهم ومواقفهم , وإلاّ كيف نفسر استضافة اميركا { كدولة صليبية } كما يصفها البعض لأحد القادة المرموقين في حزب الدعوة الإسلامية الذي اعلن منذ تأسيسه انه يناضل ضد السياسات الأمريكية وحلفائها اتجاه قضايا العرب والمسلمين وعلى رأسها القضية الفلسطينية , ثم اين القاعدة الشعبية وانصار حزب الدعوة من هذا المشهد التمثيلي الذي عرض على مسرح يقود حملة لكسر رأس حربة الإرهاب الذي يضرب العالم بافكاره الهدامة ؟! اليست زيارة المالكي والحفاوة التي قوبل في اميركا غريبة وغير منطقية اذا ما عرفنا ان توجهات حزب الدعوة واهدافه تتناقض مع التوجهات الأمريكية جملة وتفصيلا !
اليست مشهدا غريبا اذا ما عرفنا ان السيد المالكي هو العربي المسلم والعراقي الوحيد الذي تحتفل به اميركا وتستضيفه في اقدس مكان للحكومة الأمريكية الا وهو قاعة الكونكرس مع علمها وعلم كل العراقيين بانه قائد في حزب كان في كل مراحل نضاله يقف ضد الولايات الصليبية المتحدة كما يسمونها وضد الإحتلال الإسرائيلي , وهوالذراع القوية الثانية لإيران في العراق بعد الثورة الإسلامية والتي تعتبرها اميركا خطرا ستراتيجيا عليها وعلى العراق والمنطقة !
لكن أمرا آخر أضافه هذا المحلل وجلب انتباهي ايضا , ففي كلمة المالكي امام الكونكرس الأمريكي , اشار المالكي الى الوضع الجديد في العراق واعتبره في احسن حال وانه نقلة نوعية نحو الديمقراطية والسلام في المنطقة , وان الأمن والخير يعم كل ارجاء العراق !.. في حين ان الواقع كما يشاهده هذا المحلل ونراه نحن العراقيين ويراه العالم باسره كل يوم يشير الى فقدان الأمان وانتشار الجريمة والقتل والتهجير على الهوية وانه يعم كل ارجاء العراق , فاين هو الإستقرار واين هو الأمان !
كما انه اي السيد المالكي في كلمته اشارة ضمناً لإحدى المحافظات العراقية والتي كما قال انها { عانت اكثر من غيرها من ظلم واهمال من قبل نظام صدام الدكتاتوري حيث تصدت هذه المحافظة لنظام الطاغية صدام اكثر من مرة وانها قدمت المئات من الشهداء } , ولا ادري ان كان يقصد محافظة البصرة البطلة ام غيرها , اما بخصوص البصرة فانها وبشهادة ابناءها والعراقيين بكل اطيافهم صمدت امام الجيش الإيراني وامام الحرس الثوري الإيراني في الحرب الإيرانية العراقية الفاشلة طيلة العشر سنوات وبقيت عصيت عليهم , وظل شموخها كنخلتها عالية الرأس ,! فلا ادري { يقول المحلل } ما هو شكل وزمان هذا التصدي الذي قصده السيد المالكي ؟ في حين كان يجب عليه اي على السيد المالكي ان لا يميز بين المحافظات , باعتباره رئيس حكومة منتخبة ومسؤولة عن كل محافظات العراق دون استثناء !
وهنا اليس المالكي يؤكد ثانية اصطفافه الى جانب الذين ينادون باعلان اقليم الجنوب الشيعي , الذي يرفضه غالبية العراقيون !, اعتبرت كلمة المالكي غير حقيقية وانها لا تعبر عن الواقع الميداني الذي يعيشه العراقيون وانها كانت شبيهة بخطابات الرئيس جورج بوش والرئيس المخلوع صدام حسين والتي لا تعطي الصورة الحقيقية عما يجري في العراق , وان المالكي لم يستطع في كلمته الإفلات من حاضنته الفئوية ولذلك كانت في عمومياتها واقعة ضمن سياقها الطائفي , والمؤسف كما اشار ذلك المحلل ... ان السيد نوري المالكي قد انتخب كرئيس للوزراء على اساس انه رجل سياسة وانه الوحيد الذي سيبعد العراق عن الخطر الطائفي , بالرغم من ان العراقيين يعلمون جيدا انه قائد في حزب الدعوة الذي يعتبر من الأحزاب المسلمة الشيعية ولا يسمح للمذاهب والأديان الأخرى الإنتماء اليه .
ومهما يكن وحسب كل المعطيات فان حكم العراق ولفترة طويلة سيبقى تحت اشراف واختيار وبموافقة اميركا وهذا قدر واقع يجب الإعتراف به !
وان الفوضى والطائفية ستبقى فهناك المتطرفون من الشيعة والسنة من الذين يتمنون تقسيم العراق مستمرين في تأجيج الصراع , ومستفيدين من استمرار هذا الوضع ويشاركهم في ذلك اعداء العراق التأريخيين من خارج الحدود فكلما بدأ الخيرون في اطفائها , تدخلت قوى الشر والظلام والدجل لإشعالها مرة ثانية خدمة لمصالحها , هذه هي الحقيقة ! والمتضررون هم الغالبية من اطفال ونساء وشيوخ العراق واجيالهم اللاحقة والأقليات الغير مسلمة والتي اصابها ومازال يصيبها من ذبح وتهميش وتهجير !
فاغتيال الأساتذة الجامعيين والعلماء ورجال الدين واختطاف وتهجير وذبح البشر حسب الإسم والعشيرة والطائفة وسلب المال العام والخاص وتدمير اقتصاد الوطن والبنية التحتية كلها جرائم تكاثرت على ارض العراق حديثا ولم يشهدها العراقيون طوال السنوات الماضية , ولذلك فان صورة العراق المرعبة تزداد سوادا ومأساوية يوما بعد يوم , ومهما حاولنا ومعنا المخلصين من أن نخفف من بشاعة هذا المشهد المأساوي الذي ضرب العراق فاننا لن نستطيع حجب الحقيقة ولا نكرانها ونفي مآسيها , فالحقيقة الماثلة امامنا هي حرب اهلية طائفية ودمار وخراب والغاء شامل للثقافة العراقية واحلال ثقافة غريبة تقودها قوى اقليمية واشدها خطرا هي ايران .
ان الواجب الرئيسي الذي يسعى الخيرين لمساعدة العراقيين على تجاوز هذه المحنة محنة الحرب الطائفية , هو فضح مخاطر التوجه الطائفي وتأثيره على الوحدة الوطنية التي تفاخر بها العراقيون مسلمون ومسيحيون وغيرهم طيلة مثات سنين .
إن الحرب الأهلية الطائفية بين السنة الشيعة والتي طالت بقية الأقليات قد قامت وهي ما زالت مشتعلة ولن يستطيع احد ايقافها او نكرانها , الا بابعاد مروجيها من الفئتين , وان من يقف متسترا على ما يحدث او متفرجا ويعلن بعدم وجودها ويتبجح ويتكلم ويكتب هنا وهناك ويدعي ان العراق يعيش جوا ديمقراطيا فريدا وان الشعب العراقي آمن على ارضه وعرضه وممتلكاته , فانه يساهم في اشعالها واستمرارها .
ومن أجل أن لا نساهم نحن المستقلين في دعم هذا او ذاك ولأننا لا نملك الدليل القاطع الذي يدين هذا دون ذاك فان المسؤولية الرسمية والأخلاقية تتحملها اولا اميركا والدول المتحالفة معها وثانيا تتحملها الحكومة بكل اعضاءها وبرلمانها , كما اننا نذكر بان القائمين والمساهمين في هذا القتل المتبادل معروفون من قبل الجميع وسوف يفضحهم التأريخ مهما طال زمنهم على ارض العراق .
ان العراق بحاجة الى إبعاد كل القادة المتطرفين عن دفة السلطة والحكم سواء كانوا سنة او شيعة او غيرهم , لأن القضاء على الإرهاب واحلال الأمن والإستقرار في العراق والعالم .. لن يتحقق ما دام هناك طائفيون متطرفون يرفضون الآخر , فالطائفية مرض وكارثة ليس على الإسلام فحسب انما هي كارثة على السنة والشيعة انفسهم , بل وعلى سلامة وأمن الأقليات الغير مسلمة في العراق وفي العالم باسره .
واذا اردنا خيرا للبشرية في العراق والعالم فاننا نطالب اميركا ان كانت صادقة في مشروعها الشرق الأوسط الجديد وفي تبنيها لنشر الديمقراطية في المنطقة , ولأنها وكما هو معروف لدى العالم بانها الدولة القوية الوحيدة القادرة على تغيير الأوضاع والأنظمة في العالم عبر آلتها العسكرية والإعلامية الضخمة .. نطالبها ان تتجه لتغيير رجالات النظم الطائفية واستبدالهم برجال يؤمنون بحقوق الإنسان في انتماءاتهم الدينية والسياسية , رجال اقوياء يعيدون للعراق وحدته وسمعته ويكونون بعيدين ورافضين لسياسات تقسيم العراق على اساس طائفي او عرقي , ونقول للمتطرفين من السنة والشيعة أوقفوا أعمالكم وصراعاتكم العنفية من قتل وذبح على الهوية ، كفانا من الفتاوى العنفية والطائفية والغير حضارية ، فإن العائلة العراقية لا تستحق كل هذا التمزيق والإذلال والتشريد .
في الختام نقول إن خالق الكون ورب العالمين لا يرحم من قتل بشرا دون ذنب وان الشيعي اذا قتل سنيا او السني اذا قتل شيعيا او الأثنين اذا قتلوا آخر ...فلن يكون احدهم منتصرا ولا رابحا اطلاقا , انما سيكون الأثنين خاسرين وقد يخسرون فيها حتى وجودهم , ومن القى خطابا او اعلن فتوى سواء كان مرجعا دينيا او رجل سياسة يشرع فيها القتال بين المذهبين او قتال الأخرين من بقية الأديان , فانه كاذب ودجال وملعون , نتمنى ان يعود المسلمين سنة وشيعة وغيرهم من الطوائف والأديان الأخرى كما كانوا عراقيين متحابين متعاونين تحت قيادة حكومة حكيمة لا طائفية ولا حزبية عنصرية ويعود العراق مهد الحضارات الى بيئته الدولية المتحضرة ليمارس دوره في خدمة العلم والسلام , ان الحياة المستقرة والآمنة أمنية كل العراقيين الطيبين وان المحبة والسلام التي نمت واحتمت تحت ظل الخيمة الوطنية العراقية تتعرض اليوم لأبشع دمار وخراب لتغيير معالمها فهلموا ايها المخلصون لإنقاذها قبل ان يكملوا المتخلفون اعداء الحياة حرقها .