رحلة ُيوسف حَبِّيْ الى اُوُتونَبِشْتْم في شعر أمجد محمد سعيد
كنتُ قد قرأت هذه القصيدة الرائعة للشاعر العراقي الموصلّي الكبير أمجد محمد سعيد عن الأب الفاضل الدكتور الراحل فيلسوف كنيسة المشرق يوسف حبّي والتي نشرها في الرابع من حزيران الجاري ( 2011م ) والتي وظـّف فيها قدراته الأدبية والإبداعية في الربط بينَ الرمزية للشخوص والصروح التاريخية العراقية القديمة إضافة الى إستخدامه الرموز الوطنية الأخرى والرموز الروحانية وربطها بالشخصية الفلسفية والدينية للدكتور يوسف حبّي رحمه الله ، وقد إستأذنتُ شاعرنا المبدع أمجد محمد سعيد وموقع " ملتقى أبناء الموصل " التي نشر فيه القصيدة لإعادة نشرها في المواقع ووسائل الإعلام الأخرى ، لِما لها من قوة وإبداع أدبي وإكراماً للراحل الخالد الأب الدكتور يوسف حبّي وليطلّع عليها أكبر عدد من القرّاء الكرام .الاستاذ يوسف حبي في
الوسط ومن اليمين
الشيخ جلال الحنفي
ومن اليسار الاستاذ
الدكتور رياض الدباغ
رئيس الجامعة المستنصرية
الاسبق
رحلة ُيوسف حَبِّيْ الى اُوُتونَبِشْتْم
شعر : امجد محمد سعيد
القاهرة
كأسانِ ..
في رَأْدِ الضُحىَ .
كأسانِ منْ خمْرِ الكنيسةِ
بيننا
وكتابُ عنْ دمعِ الخلودِ
على يديْكَ
وأنتَ توغلُ في الرُؤىَ .
بين الفراتِ ونينـوىَ .
تمشي على أسوار بابلَ
أو تُنَقِّبُ عنْ شظايا مركبِ الطوفانِ
بين الطَمْيِ
والخشب الدفينِ
تُعايِنُ الطبقاتِ
واحدة ً
فواحدةً
لينكشفَ الثَرىَ .
عنْ جوهرٍ مكنونِ
أو ألََمٍ قديمٍ
أو رقيمٍ
أو مراشِفَ من رميمٍِ
......
أنت تعرفُ يا أبانا
ما الخلودُ
وما الفناءُ
وما الحياةُ
وما المماتُ
وأنتَ تفهمُ ما يقال ُ
وتعرفُ المسكوتَ عنهُ
وما الذي تخفيهِ عينُ الشمس ِ
في حُجُبِ الذُرىَ .
…
كأسانِ من حجرٍ
وخمرٌ منْ عصيرِ الروحِ
.....
تأخذُ رشفةً
.....
وشُجيْرَةُ الرمُّانِ
تفرشُ ظلَّها المنقوشَ
بالأضواءِ
فوق حديقةِ الآيْوان ِ
…
كان المرمرُ الأخّاذُ
أنظفَ منْ جبينِ البدرِ
في ليلِ السُرىَ .
…
الصمتُ ينصتُ :
كان أنكيدو الضرورةَ ..
هكذا لغةُ الأساطيرِ القديمةِ .
أِنّ أنكيدو يموتُ ضحيةً
منْ أجلِ انْ تعلو الى الآفاقِ أورُ
كأَنَّ أنكيدو
يباعُ
ويُشترىَ .
إنْ كانَ أنكيدو
رفيقَ الوحشِ
والأعشابِ
تلميذَ البراءةِ في الرقيم ِ
فانَّه القُربانُ
في أُمثولةِ الخَلْقِ المريرةِ
كانَ أنكيدو البسيط ُ
لطيبُ
المظلوم ُ
مِرآة َالمحبةِ
لا يناكدُ ما جرىَ.
كلكامشٌ فوقَ الحريرِ
يقطِّعُ الأعناقَ
يغتصبُ النساءَ
كَأَنَهُ قَدَر على أوروكَ
معقودَ العُرىَ .
فيُطِلُّ أنكيدو المخَلِّصُ
منْ ضميرِ الناسِ
من خوف ِالمنازل ِ
والشوارعِ
والقُرَى .
…
هذا هو الميزانُ
يهبط من يَدَيْ آنو
لتنبثقَ الرُؤى من حكمةِ النهرينِ
ثم تطيرُ في الآفاقِ
من وادٍ الى وادٍ
ومن بحرٍ الى بحرٍ
ومن بلدٍ الى بلدٍ
....
مضى كلكامشٌ في الحزنِ
يوسفُ جنبَهُ بسلاحهِ الفِضِّيِّ
خمبابا يسُدُّ الأفقَ بالنيران ِ
والإعصارِ
خمبابا يموت
(وألفُ خمبابا يغورُ مع الظلام )
وأنتَ تسرعُ صوبَ بابِ البحرِ
تعبرُ غابةَ الأَرْزِ
التي تمتَدُّ ساعاتٍ
وساعاتٍ مضاعفةً
وتصحو في العُبابِ
وقد تموتُ
- فتعذرَا - .
تلك المشيئةُ قَدََّرَتْ .
وهو الذي قرأَ الذي يأتي
هو منْ يَرىَ.
أوتونبشتمُ
خلفَ نافذةِ الرياحِ
وخلف قانونِ البكاء ِ
ويوسفُ الحيرانُ
أَنصتَ
ثم أيقنَ
ثم عادَ
وكنتُ أخشى أنْ يضيعَ
أو آنَّهُ يكبو على المضمارِ
أو يُلقى وحيداً في ظلامِ الجُبِّ
......
يوسفُ بيننا
…
كأسانِ …
منْ خمرِ الكنيسةِ
…
ثُمَّ غِبنا
ها أنا وحدي
وكأسِيَ فارغٌ
لكنَّ كأسكَ ما تزالُ مليئةٌ
ويظلُّ مِشعلُكَ المنيرُ
ُيِرىَ .
ما بين دجلةَ والفراتِ
ينير ساعاتٍ
وساعاتٍ مضاعفةً
وأوروكُ المجيدةُ تصطفي أبناءَها
ويعيدُ وادي الرافدينِ نشيدَهُ الأزليَّ
ترتيبَ المَشاهدِ ،
مرةً أخرى
وعاماً أثرَ عامٍ
تصطلي بالحربِ
أو بالنارِ
تغرق في المياه ِ
أو المجاعة ِ..
…
يوسفٌ يدري ..
…
أَقِمْ
زقورةً
ومِسَلَّةً
وآدخلْ
الى القصر الشمالي
آستجبْ لنداءِ ماربهنام َ
فوق حقوله العرباتُ
والفرسان ُ
والحجاجُ
والعشاقُ
يندفعُ الذين تعلقوا بالروحِ
فوق بيادر البيبونِ
والشقّيِقِ
يعزف يوسفُ اللحنَ الالهيَّ المجيدَ
بقدرة اللهِ الأحدْ .
…
كأسان من خمر الكنيسةِ
…
كأسيَ الآن البكاءُ
وكأسُك الآنَ
الأبدْ .
منْ سومرٍ حتى أَكَدْ .
ستهِلُّ فوقَ ثراكَ
سحابتانِ
ونجمةٌ
ونُهَيْرُ يهرُبُ من نهارٍ
نخلتانِ من الفرات
وهدهدٌ
ووجوهُ حيرى ,
لمْ تَكَدْ ..
في شارع الفاروقِ
قرب كنيسةِ النسيانِ
تنتظر المُعَّلِمَ أنْ يجيءَ…
…
ولا أحدْ !.
الموصل
* اشارة : الراحل الاب الدكتور يوسف حبِّي الباحث التراثي والكاتب والاستاذ الجامعي الموصلي