Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

رسالة أمريكية واضحة للشعب العراقي

-1-
منذ سنتين تقريباً والشعب الأمريكي والكونجرس الأمريكي، يرسل رسائل مختلفة للشعب العراقي، يقول فيها ما ملخصه، بأن أمريكا في العراق ليست دولة احتلال، وأنها تريد الخروج من العراق بأسرع مما تطالب به الأحزاب والنخب السياسية العراقية المعارضة للوجود العسكري الأمريكي في العراق. فالرأي العام الأمريكي ومعه ممثلو الشعب الأمريكي من الحزب الديمقراطي في الكونجرس، يعتبر أن الإدارة الأمريكية الحالية قد فشلت في تأدية واجبها المناط بها في العراق، ولذا عليها أن تنسحب من العراق بأسرع وقت ممكن. كما أن هذه الفئات نفسها تعتبر بأن الشعب العراقي قد خذلها وهي التي جاءت لمساعدته بالقضاء على أعتى الديكتاتوريات العربية. فالرئيس بوش إذ لم يكن قد فعل أي عمل سياسي من شأنه أن يدخله التاريخ، فهو سيدخل التاريخ قسراً وجبراً – رغم كل ما يقال عن مساوئه وأخطائه السياسية - لأنه قام بعمل تاريخي نادر في الشرق الأوسط وهو القضاء على أكثر الأنظمة السياسية/ الدينية تخلفاً في أفغانستان، وأكثر الديكتاتوريات العربية قسوة وقهراً لشعبها وهو نظام صدام حسين. وهي فعل سياسي وعسكري نادر من الصعب أن يتكرر مرة أخرى في التاريخ العربي الحديث.

-2-

من المحاولات التي يقوم بها الحزب الديمقراطي في الكونجرس الأمريكي، ما جرى في الأسبوع الأخير، حين رفض مجلس النواب الأميركي إقرار موازنة قيمتها 163 مليار دولار للعراق وأفغانستان. وهي خطوة تنطوي على دلالة رمزية كبيرة في معركة سياسية طاحنة حول تمويل الحرب. كما أقر مجلس النواب بندين آخرين في مشروع القانون نفسه.

الأول، يدعو إلى بدء سحب القوات الأميركية من العراق في غضون 30 يوماً، على أن يُنجز الانسحاب الكامل قبل كانون الأول 2009.

أما الثاني، فمخصص لعلاوات تعليم الجنود العائدين من حربي العراق وأفغانستان. فيما تعهد بوش باستخدام الفيتو لتعطيل القرار الذي طرحه الكونغرس، ولا يزال الديمقراطيون عاجزين عن تأمين غالبية الثلثين الضرورية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ لتجاوز الفيتو الرئاسي وفرض تغييرات على سياسة الحرب في العراق.

-3-

فما هي الأسباب التي تجعل الحزب الديمقراطي متشدداً وساعياً لإنهاء مهمة القوات الأمريكية في العراق؟

هناك عدة أسباب منها أن الرأي العام الأمريكي وممثلوه في الكونجرس الأمريكي وافقوا على غزو العراق والإطاحة بحكم صدام حسين على أساس واحد، وهو أن يذهب هذا الجيش للتحرير وليس للاستعمار. وكان في تصوّر الرأي العام الأمريكي والكونجرس ما فعلته أمريكا في الحرب العالمية الثانية حين حررت أوروبا من طغيان النازية والفاشية والستالينية من بعدهما. وكذلك ما فعلته أمريكا بعيد الحرب العالمية الثانية في اليابان وكوريا. ولكن الرأي العام الأمريكي والكونجرس لم يحسبا حساب الفوارق الكبيرة بين اليابان وكوريا الجنوبية وبين العراق، من حيث التركيبة السكانية والدينية والطائفية، وكانوا يظنون أن الشعب العراقي سوف يستقبل الجيش الأمريكي بالورود والرياحين كما تم بالفعل في كردستان العراق. وأن الشعب العراقي سيقبل على الانتخابات التشريعية والتصويت للدستور العراقي الجديد وغير ذلك من خطوات بناء الدولة العراقية الحديثة، بكافة قواه السنية والشيعية والكردية وغيرها من مكونات الشعب العراقي، نتيجة لسنوات القهر والظلم والطغيان التي لقيها وعانى منها في العهد الديكتاتوري البائد. ولكن النتائج – للأسف الشديد - جاءت عكس ما كان يتوقعه الرأي العام الأمريكي وممثلوه في الكونجرس. فرأى الشعب الأمريكي وممثلوه كيف حاربت السنة كل خطوة نحو بناء العراق الجديد، ثم جاءت الشيعة وفعلت الشيء ذاته من خلال (جيش المهدي) وشجعت السنة فصائل الإرهاب من "القاعدة" وغير "القاعدة" على الدخول إلى العراق. كما شجعت فصائل شيعية دخول عناصر إيرانية إما للمحاربة وإما للتدريب، وإما للدعم العسكري. وبدأنا نلاحظ منذ عام 2005 كيف أن الرأي العام الأمريكي حيال الوجود العسكري الأمريكي في العراق بدأ يختلف ويتراجع عن مواقفه المؤيدة السابقة لهذا الغزو. ففي تقرير نشره الكاتب والمحلل السياسي إيفان أيلاند قال فيه "أن الشعب الأمريكي استيقظ أخيراً ليواجه كابوس السياسة الأمريكية في العراق. وبدأ ممثلو الشعب الأمريكي داخل الكونجرس، والذين كان كثيرون منهم يلتزمون الصمت خلال التحضير للغزو وبعده، يستجمعون شجاعتهم ليتحدثوا جهاراً ودون خوف.
وأضاف إيلاند يقول "كشف استطلاع للرأي أجرته مؤخراً صحيفة "نيويورك تايمز" مدى تدني وتراجع التأييد لمغامرة الإدارة الأمريكية في العراق. وأوضح الاستطلاع ان ستين في المائة من الشعب الأمريكي يرى أن محاولة الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في العراق فاشلة ويعارض 59% من المواطنين الأمريكيين الطريقة التي يعالج من خلالها الرئيس بوش الوضع في العراق في حين يرى 51 % الآن أنه كان يجب على الولايات المتحدة أن لا تغزو العراق. وقد تراجعت جميع جوانب تأييد الجهود العربية تدريجياً على مدى الفترة الماضية. ومن المتوقع أن تتراجع بدرجة أكبر مع استمرار المذبحة التي يشهدها العراق. وأدى هذا الانخفاض في تأييد الحرب إلى تشجيع بعض أعضاء الكونجرس، ليقترحوا قراراً يدعو الرئيس بوش إلى بدء سحب القوات الأمريكية من العراق بحلول الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2006. وينتمي رعاة مشروع القرار إلى أطراف الطيف السياسي بما في ذلك بعض الليبراليين والمعتدلين والمحافظين ومؤيدي الحرية. ولكن الرئيس بوش كان قوياً وصبوراً وعنيداً كذلك. ولعل صفاته هذه قد أفادت الشعب العراقي ومستقبل العراق أكثر مما أفادت أمريكا، التي لن تتخلى عن العراق بهذه السهولة بعد أن خسرت أكثر من 300 مليار دولار في العراق وأكثر من 4000 جندي، بفضل التدخل الإيراني – السوري في شؤون العراق الداخلية وإرسال المتطوعين الإرهابيين. لذا تتوقع مصادر صحافية فرنسية بأن تضرب أمريكا وإسرائيل إيران وسوريا معاً في الفترة الواقعة ما بين يونيو- أكتوبر 2008. فأمريكا لها أسبابها في هذه الضربة أما إسرائيل فوجدت في تهديدات أحمد نجاد الأخيرة والمتتابعة في محو إسرائيل من الخارطة حجة لها في المشاركة في الهجوم دفاعاً عن وجودها كدولة عضو في الأمم المتحدة.

-4-



وما زالت هذه الصيحات من الديمقراطيين في الكونجرس تتعالى، ويتخذ الرئيس بوش حيال مشاريع القرار هذه حقه في استعمال الفيتو الذي ضمنه له الدستور الأمريكي.

وكان هذا في عام 2005 ، وفي كل مرة يطلب فيها الرئيس الأمريكي المزيد من الأموال لسد احتياجات القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق. وقد تغير هذا الواقع على الأرض العراقية، وجنح العراق إلى الاستقرار شيئاً فشيئاً باعتراف الكثيرين، وذلك بفضل جهود الحكومة الحالية والقوات الأمريكية والجيش والأمن العراقيين في القضاء على بؤر الإرهاب. فسُنّة التاريخ تقول أن الأمم تمر في مثل هذه الحالة بأربعة أطوار: الانهيار، ثم التفكك، ثم التركيب ثم الالتحام. ولقد قطع العراق منذ 2003 إلى اليوم أكثر من نصف الطريق، وسوف يصل إلى الالتحام والانتصار، وإعادة بناء الوطن قريباً جداً
Opinions