رغم القيود الاجتماعية.. الرياضة النسائية تنتعش في جنوب العراق
المصدر: الجزيرة . نت
قبل 10 سنوات فقط، لم يكن في محافظة ذي قار (400 كلم جنوب بغداد) أي نشاط رياضي نسائي، وكان دخول هذا المضمار مهمة مستحيلة بسبب الأعراف والنظرة الاجتماعية السائدة والرافضة لممارسة المرأة للرياضة.
وعلى الرغم من أن النظرة السلبية لا تزال قائمة، فإن النشاطات المدرسية كسرت ذلك الحاجز في عام 2015 لدى تشكيل أول نواة لممارسة كرة القدم للفتيات، فبرزت لاعبات محترفات تمكّن بعضهن من تمثيل العراق في مشاركات دولية وتحقيق إنجازات غير متوقعة.
وسنة بعد أخرى، لمع نجم فتيات كثيرات في رياضات مختلفة وفردية في عدد من المحافظات والمدن العراقية، ومنها ذي قار والبصرة وميسان والمثنى، إذ نادرا ما ترتاد النساء النوادي أو يشاركن في الفعاليات الرياضية بسبب التقاليد الاجتماعية المحافظة في جنوب البلاد.
التأسيس والطموح
بدأت القصة في عام 2014، عندما أُسّس أول فريق نسائي لكرة القدم في ذي قار على يد المدرّب هشام عبد الأمير، مدير النشاط المدرسي والرياضي التابع لمديرية التربية في محافظة ذي قار، بعدما اكتشف وجود مواهب رياضية في صفوف طالبات المدارس.
فجمع عبد الأمير اللاعبات من عدد من المدارس حينئذ في فريق واحد، وكان يستهدف المرحلة الابتدائية فقط، لإيمانه بأن تدريب الأعمار الصغيرة يشكل فارقًا كبيرًا في الأداء والمستوى، برأي المدرّبة هدى حربي.
تقول حربي -للجزيرة نت- إن تلك البطولات والمنافسات الرياضية شهدت إقبالًا ملحوظًا من اللاعبات وأسرهن، "وكانت ثقة الأهل الدافع إلى استمرار الفتيات في نشاطاتهن، فجعلهن ذلك يحققن إنجازات كبيرة. واستدعيت 5 لاعبات إلى المنتخب الوطني، لكن أهالي الفتيات رفضوا توقيع التعاقد".
ونال فريق ذي قار النسائي جوائز محلية عدة، منها المركز الثاني في بطولة بابل لكرة القدم، وضمّ المنتخب الوطني النسائي العراقي 5 لاعبات من صفوفه، بمن فيهن حارسة المرمى التي حصلت على لقب أفضل حارس مرمى في بطولة العراق للفرق النسائية.
وتشير حربي إلى أن الفريق لم يخرج من المربع الذهبي في البطولات التي تنظمها وزارة التربية منذ تأسيسه حتى الآن، وتضيف "الآن لدينا فريقان متكاملان؛ الأول ابتدائي والآخر ثانوي، ولدينا قاعة للنشاط الرياضي المدرسي نجري فيها التدريبات الأسبوعية".
ولا يقتصر النشاط الرياضي النسائي في ذي قار على كرة القدم وحدها، بل يشمل رياضات أخرى مثل الكرة الطائرة. تقول أهداف محسن، وهي مدرّبة فريق الكرة الطائرة للفتيات في المحافظة، إن "الرياضة المدرسية هي النواة الأولى لتكوين اللاعبات واكتشاف مواهبهن (…) لكن الأمر مقيد بموازنة محددة، لهذا يكون عملنا صعبًا، وخصوصًا مع الطالبات".
وتعد ذي قار إحدى المحافظات التي تعاني من عدم وجود أماكن أو قاعات رياضية خاصة بالنساء، وقد انعكس ذلك سلبًا على الرياضة النسائية فيها، التي اقتصر ظهورها على مستوى المدارس فقط، غير أن الاهتمام سرعان ما يتلاشى عند التخرّج من المدرسة.
وتقول أهداف محسن "المشكلة الأساسية التي نواجهها دائمًا هي العقبة المادية، فضلًا عن قلة البطولات وعدم وجود نوادٍ تحتضن اللاعبات لكي يستطعن الاستمرار في ممارسة اللعبة بعد انتهاء المدرسة"، مشيرة إلى أن الأمر ينطبق على كرة اليد وكرة السلة والكرة الطائرة وألعاب القوى والألعاب الفردية الأخرى.
وتقول اللاعبة بنين حسن -للجزيرة نت- إنها وجدت نفسها في كرة القدم، وإن أسرتها دعمتها كثيرا بسبب حبها لهذه الرياضة وطموحها بالاحتراف دوليا كي تصبح نجمة رياضية معروفة.
وتوضح زميلتها زينب حسين علي أنها تشعر بالفخر لأنها دخلت عالم كرة القدم النسائية العراقية، مشيرة إلى النظرة المميزة إلى المهتمين بهذا الجانب التي أصبحت سائدة.
رياضات متنوعة ومخاوف
وعلى الرغم من قلة عدد الفتيات اللواتي يمارسن الرياضة في محافظة ذي قار، برزت فرق رياضية نسائية عدة في كرة القدم وكرة اليد وكرة السلة والكرة الطائرة، بالإضافة إلى بروز أسماء إناث في ألعاب القوى ورمي القرص والسهم والقوس.
وفي مطلع مايو/أيار الجاري نُظم في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، أول "ماراثون" نسائي لتشجيع الفتيات واكتشاف الموهوبات منهن للمشاركة في السباقات الوطنية.
توضح الناشطة إيمان الأمين -للجزيرة نت- أن الهدف من الماراثون النسائي هو إثبات وجود الفتيات في المجتمع وحقهن في ممارسة هوايتهن مثل الرجال، مشيرة إلى غياب أي تكريم أو دعم حكومي للرياضة النسائية في ذي قار.
ويشير مدرب ألعاب القوى عبد الحسين الزهيري إلى الإقبال الكبير الذي تشهده رياضة ألعاب القوى والساحة والميدان من الفتيات في المحافظة، مستطردًا "لكن مشكلتنا مع أولياء الأمور الذين لا يقبلون بممارسة بناتهم هذه الرياضات، وذلك ما يضطرني إلى الذهاب إلى الأهالي لإقناعهم بالأمر. وتساعدني إدارات بعض المدارس في الحصول على اللاعبات، لكن بتعبٍ مُضْنٍ".
ويقول الزهيري "أحيانًا أفكر في ترك الرياضة النسائية بسبب المصاعب التي أواجهها، لكنني أعود مرة أخرى وأصرّ على أن أجعل من الفتيات العراقيات بطلات".