رمضان بين الجميل والأجمل..
..هنيئا للعالم الاسلامي من اقصاه الى اقصاه بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك..كثيرة هي الصور الجميلة في رمضان،ولعل الطمع الأنساني الحميد في هذا الشهر الكريم يقودنا الى التفكير بالأجمل،فلنقف امام بعض الصور الجميلة ومرادفاتها الأجمل بتصوري:
- جميل أن يبدأ المسلم صيامه وفقا لإعلان مرجعية ما يتبعها عن بداية الشهر،والأجمل ان لا يختلف المسلم مع المسلم على رؤية هلال، وعلى ناصية شهر قيل فيه.. إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة،وغلقت أبواب جهنم،وسلسلت الشياطين..
واذا كان الله لا يبخل على المسلم ويفتح ابواب جنته في هذا الشهر فلم لا يفتح المسلم ابواب صدره الرحب ويصطف مع نظيره المسلم لرؤية هلال،وأنه لمن الحكمة والحذر ان لا تترك زعامات الطوائف،وهم قدوة لأتباعهم من المسلمين ومن خيرتهم علما واخلاقا،أن لا تترك للشياطين فرصة سانحة لفك سلاسلها والتسلل سنويا لفلق اليوم الأول من شهر رمضان الى يومين،فينفلق العيد تباعا الى عيدين، بينما لا ينشق الهلال او ينفلق في السماء الى هلالين فهو في منأى عن شياطين الأرض..
والأكثر جمالا ان نترك العزف البليد على ربابة الماضي التليد،ونعزف بفطنة على قيثار وحدة الصف وأوتار نبذ الفرقة والتمايز،وليتذكر المسلم هذه الأية.." ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء"... نبي الاسلام يعلن براءته من أناس بهذه الشاكلة وحسب النص..
- جميل ان يؤدي رؤوساء الدول المعنية بالصيام فريضة الصيام..والأجمل ان يؤدي كل رئيس فريضة الواجب الوطني بأمانة وإخلاص،وأن يصوم على مدار العام عن الجور والإستبداد والتسكع القيادي المبهم،وأن يمسك كل فجر بزاد العدل ويفطر به ويتصدق!...
- جميل ان تفتح الدولة خزينتها لموائد الرحمن وحقائب الأطعمة للفقراء والمساكين..والأجمل ان لا تتبعثر ميزانية الموائد في جيوب المنتفعين..والأكثر جمالا أن لا تنسى الدولة بأن الفقير أنسان لا يجيد السبات احد عشر شهرا في العام مقترضا مما اختزنه من لحوم مائدة او أرغفة حقيبة..
- جميل ان يهتم العالم الأسلامي بفوائد الصيام الروحية والبدنية ويشيعها بين المسلمين..والأجمل ان يتوخى الدقة في اشاعتها وعلى اسس علمية،وان يترفع عن المغالاة في سرد الفوائد الصحية وتفخيمها بشكل خرافي يُظهر الصوم لمدة شهر وكأنه إعجاز علمي ومصحة لشفاء جميع الأمراض البشرية وحتى المستعصي منها والمزمن كالأورام السرطانية وامراض القلب والشرايين وما الى ذلك..
وقد اثبت العلم الحديث بأن الكذب يجهد دماغ الأنسان اكثر من قول الحقيقة،فياحبذا لو نترفع في هذا الشهر المبارك على الأقل بالحقيقة ولا نجهد أدمغتنا..والأكثر جمالا ان ننبه المسلم ونذكره بأن انقلاب الساعة البايولوجية في بدنه خلال شهر من السنة،اذ يتحول نهاره سباتا وليله معاشا،يستدعي الحيطة والحذر لتجنب التداعيات السلبية على صحة البدن وأداءه الوظيفي..واحسب اتاحة الإفطار عند السفر هو بسبب تغير الساعة البايولوجية والإجهادات الناجمة عنها،وخصوصا مع توفر وسائل النقل المريح والسريع...
- جميل ان يخرج المسلم من روتين حياته اليومي لروتين مغاير يجعله اكثر نضارة صحية وروحية،والأجمل أن تدفعه الصحة والعافية لتأدية عمله بإنتاجية افضل وحيوية يسودها الحبور والإنشراح،لا ليتقاعس ويصيبه الخمول والكسل وينال منه العبوس والتقطيب...
- جميل ان يحترم الآخر روتين المسلم الجديد في رمضان ولا يجهر بالإفطار احتراما لمشاعره..والأجمل أن لا ينظر المسلم الى الآخر فيما لو مارس روتينه اليومي المعتاد على انه اساءة لمشاعره وعدم احترام او إستهتار..والأكثر جمالا ان يتيح المسلم للآخر روتينه المعتاد،ويبهجه ان لا يرى الآخر يتلظى عطشا في الأسواق،ويُجرّم ويساق الى الحبس او يُغرّم لمجرد انه تناول كأس ماء او قضم قطعة بسكويت كعادته..ولأن المسلم يفهم تماما انه لا إكراه في الدين فليته يتفهم بأن الإكراه او الإلزام القانوني بالتظاهر بتأدية فريضة من فرائض الدين لمسايرة الجمع،وإلزام غير المسلم بالمسايرة،لا ينطوي على قيمة دينية ومنفعة حقيقية،ولعله من الأجمل الحث عليها باللين والنبل الأخلاقي اذا كان الآخر مسلما معافى صحيا..
فليبتعد كل ذي معتقد عن الغلو ولا يظنه درعا للحفاظ على الهوية فهو تنطع يمزق الهوية،وليتذكر المسلم بأن قاعدة "سد الذرائع" التي تفضي الى مفسدة،
تقابلها قاعدة "فتح الذرائع" التي تفضي الى منفعة،ولتوضيح الأخيرة،إذ ان قاعدة السد شائعة ومفعلة وبشكل جميل أرجو ان يكون اكثر جمالا فلا يلتهم السد شقيقه الفتح او يصيب قاعدته بعوق،وعنها اسوق هذا المثال: سب الكفار امر مشروع في المعتقد الأسلامي وله اكثر من ذريعة،ولكن اذا افضى سبهم ولعنهم المستمر الى ضجر وملل،وبردة فعل تقودهم الى سب اله المسلمين والنيل من أمة الاسلام،ففي ذلك مفسدة وخراب وحسب الأية.." ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغيرعلم"..
فنحن مكلفون،وحسب الآية والتفاسير،بحماية الرب وإبعاده عن مرمى التنغيص على الآخر فلا يظنه عدوا له،ولا يظن بنا الظنون.. وبهذا نفتح ذريعة الترفع عن سبهم لمنفعة عامة..
- جميل أن لا يجهد المسلم بيت الداء،معدته،بالتخمة،وينقل المتخم بعضا من فتات تخمته لشقيق مسلم لا تقطن في بيت داءه غير قرقرة الجوع.. والأجمل
ان يكون هذا السلوك النقلي المباشر بين التخمة والجوع،فريضة كل يوم وعلى مدار العام وليس تصدقا خلال شهر بعينه تتضاعف فيه الحسنات فنتهافت على شراء اسهمها وكأننا في سوق بورصة او مزاد..
- جميل ان يستجم المسلم في هذا الشهر بشكل مغاير فيعكف عن الذهاب الى دور السينما والمسارح وما الى ذلك من وسائل الترفيه،وأن يكرس ليله ونهاره للعمل والعبادة وتأدية طقوسه الرمضانية او متابعة التهافت الدرامي على شاشة التلفاز..والأجمل ان لا يضييق الخناق على الآخر فيقطع عليه سبل الإستجمام..والأكثر جمالا ان يتيح له سبله المعتادة في الترفيه،وأن تبهجه رؤية جاره،على سبيل المثال،وقد حزم امتعته كالمعتاد مصطحبا عائلته الى نزهة على ساحل او منتزه،فلا يقصي كل منهما حق الآخر ويملي عليه الإعتصام،والأوطان كبيرة بالحب والتآخي وتتسع اكثر بمكوناتها البشرية وتلوناتهم الثقافية والعقائدية..وانه من اللطف والتسامح أن يؤدي المسلم فرائضه دون أن يؤثر على الآخر كونه اقلية،مثلما يؤدي مسلمو الخارج فرائضهم دون ان يؤثر عليهم الآخر كونه اكثرية،ومثلما تؤدي هذه الأكثرية طقوسها دون أن تؤثر على المسلم كأقلية..
- جميل ان يستضيف المسلم ويستضاف على موائد الإفطار ومجالس اللهو والسمر في الشهر المبارك،والأجمل ان يستضيف الآخر غير المسلم،المسلم،
مهنئا اياه ومبارك له فريضة الشهر،وان لا يرفض المسلم دعوته او يستخف بقيمتها،والأكثر جمالا أن يستضيف المسلم،الآخر غير المسلم،ليشاركه بهجته ويتعرف عن قرب على الطقوس الرمضانية في البيوتات الأسلامية والمحافل الأخرى..
والكثير من الصور الرمضانية الجميلة،خلاصتها..جميل ان يعي المسلم الصيام كفريضة اساسية مشقتها خير وبركة وثواب..والأجمل ان يعي خصوصية تلك المشقة على المسلم الصائم لينال الثواب والرضى وصفته كمسلم،ولا يعمم مشقتها على نظيره في المعتقد الذي لم يتسن له الصيام،او نظيره في الوطن،المواطن غير المسلم،تعميما يصل حد التجريم ورفع العصا..فلنفتح قلوبنا بالتراحم والمودة لتحتوي كل الوان الطيف البشري..وجزاء إحتواء الطيف إن كان فيه من مشقة..جمال مضاعف وسماحة نضرة..
..وطموحنا الأجمل دون غلو او تقصير..
ولأن الأجمل مفهوم يخضع لنسبية التقدير،وهي نسبية لربما معقدة في هذا المجال تحديدا،فكل ما أرجوه هو ان لا يكون الأجمل حسب تصوري،بشعا جدا ومقززا بالنسبة لتقدير الآخر..
وكل عام ونحن الأجمل بعون الله..
فاتن نور
08/09/03