Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

رموز ودلالات أعياد نيسان لدى أبناء شعبنا العريق

مع شروق شمس الأول من نيسان يصبح وطن الأم في بداية الربيع وبؤرة الاحتفالات برأس السنة الجديدة من كل عام، ويلبس وطننا تزينة طبيعية وترفرف في كل الأزقة ومداخل البيوت ألوان طبيعية خلابة من مقتنيات نيسان ( ذقن نيسان والورود الجميلة ) تطلب الخير والمحبة والسلام لوطننا العزيز والعالم ويصبح كل شيء من حولنا ربيع حقيقي. وتزداد بهجتنا وفرحتنا أكثر وأكثر بسبب تصادف أعياد نيسان الخالدة مع أعياد قيامة الرب يسوع المسيح له المجد ويختلط العيدين معاً .
وهكذا تستعد جماهير شعبنا في كل مكان لاستقبال عيد نيسان الأغر رأس السنة البابلية الآشورية وعيدنا القومي ( اكيتو ) ، هذا العيد المتوارث عبر الأجيال ومنذ ألاف السنين، وأحتفل به شعبنا في وطنه بيت النهرين وفي جميع الحقب والأزمنة بضمنها تلك التي كانت أكثر حالكةً وسواداً ذاق فيها شعبنا قهراً واضطهادا، ولكنه أحتفظ خلالها برموز بسيطة للاحتفال بهذا العيد، وفي القرنين الأخيرين أصبح الاحتفال بهذا العيد التزاماً قومياً نظراً لتصاعد الوعي القومي لأبناء شعبنا.
وأختار آبائنا وأجدادنا (البابليين الآشوريين) الأول من نيسان عيداً لرأس السنة إيماناً منهم بأسطورتين:-
الأولى:- قصة الخليقة وبطلها الإله مردوخ ( أشور في نينوى ) إله الحق والخير الذي يقسم (تيامات ) آلهة الشر في صراع بطولي وملحمي إلى نصفيين ليخلق منهما السماء والأرض وثم الإنسان وتبدأ الحياة والطبيعة على الأرض.
الثانية:- تقوم على أساس انبعاث الإله تموز وقيامته من بين الأموات بعد أن أحزنت وألمت زوجته وحبيبته الآلهة عشتار من حكم الشياطين الأشرار، فيعود للحياة في موسم اعتدال الربيع ونمو العشب والزرع كرمز لبدأ الخليقة في شهر نيسان.
واحتفالنا بأعياد نيسان لها الكثير من الرموز والمدلولات التاريخية والتراثية وقيم العقائدية السامية وسنحاول التطرق إليها لتعريف مغزاها لقراء الأعزاء:-
* البابليين الآشوريين وعلم الفلك:-
الآشوريين الذين توارثوا علم الفلك والتنجيم من أجدادهم البابليين تمكنوا من مراقبة الكواكب والنجوم والأجرام السماوية وبدقة متناهية، وسجلوا تواريخ الظواهر الطبيعية كالكسوف الشمس والقمر وتنظيم الدورات الزراعية، وكذلك تمكنوا من تقسيم السنة إلى شهور والشهور إلى أيام وأيام إلى ساعات والذي تعتبر اليوم أساس راسخ لعلم الفلك، وعرفوا الشيء الكثير عن الكواكب، وكذلك أصبحت تقسيم السنة بهذا الشكل أساس لتقسيم الأزمنة إلى الأنظمة المعروفة لدينا اليوم. وكذلك تمكنوا من تنظيم التقاويم السنوية ومعرفة شهور السنة وتسميتهم بأسماء الآلهة مثل الإله نيسانو ( شهر نيسان ) والإله تموز (شهر تموز ) والإله أنليل ( شهر أيلول ) وهكذا وثم أتخذهم الأغريق والرومان أسماءً لشهورهم وثم استبدلوهم بأسماء ملوكهم وسلاطينهم. وهذا الإنجاز كان له أشد الأثر فيما بعد لتقسيم السنة بدقة متناهية حيث تمكن الفلكي البابلي (كيدينو) في سنة (375 ق.م ) من قياس السنة الشمسية، وهذا بدوره كان له تأثير كبير في تسهيل عمل الآشوريين في تنظيم التقاويم السنوية وتسجيل الأحداث التاريخية والظواهر الطبيعية منها الأول من نيسان رأس السنة الجديدة وبداية الخليقة المرتبط ببدأ موسم اعتدال الربيع ونمو العشب والزرع والحيوانات، والذي أصبح فيما بعد عيداً دينياً وقومياً لجميع ساكني بيت النهرين والذي أستمر لآلاف السنين والى يومنا هذا.

** إلى ماذا كانت ترمز مراسيم الاحتفال برأس السنة الجديدة ؟
‌أ- اعتدال الجو ونمو العشب وخاصةً الشعير الذي كان المصدر الأساسي للغذاء في ذلك الوقت، حيث كان الملك يقوم في اليوم الأول والتجوال حول تمثال الإله أشور ويكسيه بقش الشعير للتعبير عن شكره للمحاصيل الوفيرة.
‌ب- تقديم المجد للإله المقدس في المدينة المقدسة مع سلسلة الطقوس الدينية والسحرية التي كانت تجري على يد الكاهن في الهيكل الخاص بالإله، وكان يبدأ بالتجوال حول الهيكل ويقيم الصلوات وهم ساجدون للقبلة نحو شروق الشمس الذي تعتبر مركز الكون وينبوع الحياة على الأرض. وهذه القبلة دخلت في كنيسة المشرق التي تمارس طقوسها إلى يومنا هذا، وهذه الاحتفالات كانت تجري في اليوم الثاني والثالث.
‌ج- تذكير الملك وحاشيته وجميع سكان مملكته بيوم بدأ الخليقة، حيث يقوم رئيس الكهنة في اليوم الرابع بتلاوة سفر الخليقة للملك ولجميع الناس، وثم تقوم مجموعة بأداء مسرحية ترمز لتفاصيل ملحمة الخليقة وبطلها وثم يعلنون رسمياً بدأ السنة الجديدة.
‌د- تقديم القربان والذبيحة للإله وتقديس الهيكل بمسح جداره بالدم، وتقديس مياه نهر الدجلة بإلقاء الذبيحة والمحرقة فيه وهذه كانت احتفالات اليوم الخامس.
‌ه- اليومين السادس والسابع كان أهم أيام الاحتفال للملك والطبقة السياسية، حيث كانت تجري تغيرات سياسية وقانونية في المملكة، حيث في اليوم السادس كان الملك يصغي ويستمع للإله المقدس ويقدم صلاة الغفران، ويؤدي القسم اليميني لإتمام الواجبات الموكلة إليه لحماية مملكته من الأعداء.وكذلك كان يقوم الملك بالتضرع والتوسل للإله لاعطاءه حكم عادل ليحكم وتقديس مملكته من قبل عامة الناس.وأن احتفالات اليوم السابع كانت تضم إجراء مقارنة بين ألنظام السياسي الحاكم المستقر والأمن وبين السلطة السياسية المضطربة والفوضوية وتأثيرهم على حياة الناس وكيفية اهتمام السلطة الشرعية بحياة الناس. حيث كان الملك ينزل في هذا اليوم من عرشه ويعلن للناس بأن الإله قد هاجر وصعد للسماء .
‌و- وفي اليوم الثامن كان الإله يعود إلى الأرض والملك يصعد إلى عرشه في المساء ويعود الأمن والنظام للمملكة مرة أخرى.
‌ز- أما بقية أيام الاحتفال كانت خاصة بالزواج المقدس وإظهار أهمية الخصوبة والوفرة وزيادة الإنجاب، وأيام أخرى كانت خاصة بمعرفة الاغتراب وقراءة الحظ للناس من قبل الإله للسنة المقبلة.
واليوم الأخير ( الثاني عشر ) للاحتفال كان خاص باحتفالات الختام بإعطاء البركة للملك والشعب من قبل الإله وتوديع الضيوف والمشاركين والمتفرجين.

*** لماذا نضع باقة ( حزمة ) من العشب الأخضر فوق مداخل البيوت في بداية شهر نيسان؟
العشب الأخضر هذا يسمى ( ذقن نيسان ) الذي معناه ما أقتناه نيسان من خيرات وبركات، حيث كما هو معلوم أن في شهر نيسان تنبت أغلبية النباتات وتزهر الورود والأعشاب والأمطار تكون غزيرة في هذا الشهر، وبهذا يكون شهر نيسان شهر الخير والسعادة ويعطي البهاء والجمال للطبيعة.وكذلك يرمز ( ذقن نيسان ) إلى اقتراب الربيع ( بيث نيساني) وبدأ السنة الجديدة حسب التقويم البابلي الآشوري القديم.
وكان أجدادنا يبدأون الاحتفال من صباح هذا اليوم الأول من نيسان إلى المساء، وكانوا يقدمون الذبائح ويقيمون التذاكر ويوزعون الحلويات والأطفال يفرحون ويمرحون بهذا اليوم المبارك في المروج ويتسلقون الأشجار. وهكذا نرى بأن ذقن نيسان هو من أحد الرموز القومية التي نحتفظ به إلى يومنا هذا.

****كذبة نيسان !!
ترمز الألواح الطينية المكتشفة بأن الاحتفالات في بابل وأشور وبقية المدن كانت تستمر لمدة (12 )يوماً حسب عدد شهور السنة، وكانت تمارس فيها كثير من الممارسات والأنظمة الدينية وتقديم الذبائح وتسيير المواكب أثناء الاحتفال، وكذلك كانت تقام مسرحيات ترمز إلى بدأ الخليقة ( السماء والأرض والإنسان ). وكذلك ترمز الألواح الطينية بأن التنكر في الاحتفالات كان سائداً وعادة رئيسية خاصةً في احتفالات رأس السنة. وأن ظاهرة كذبة نيسان مأخوذة من التغيرات التي كانت تجري في المملكة في شهر نيسان حيث كان يعم الفوضى والاضطراب في عرض المملكة، حيث في اليوم السابع كان الإله ( مردوخ – أشور ) يختفي من أمام الأنظار لذهابه إلى محاربة تيامات آلهة الشر وكان يرافق هذا الاختفاء ضياع الإدارة مما يؤدي إلى أن تعم الفوضى والبلبلة في البلاد، وهذا ما كان يمثله الملك بانسحابه من الساحة في ذلك اليوم من الاحتفالات مما يؤدي إلى اختفاء الإدارة والنظام وذلك بتسليم الحكم بيد المجرمين والإرهابيين لتعم الفوضى. وهذا ما اصطلح عليه لاحقاً بكذبة نيسان وهذا كان يدوم ليوم واحد فقط، ففي اليوم الثامن كان الإله مردوخ يعود مكللاً بالنصر على الشر، ويعود الملك ويصعد إلى عرشه ويعود النظام إلى المملكة من جديد.ولذا نرى بأن كذبة نيسان ليس لها أساس، وهذا اليوم هو يوم مقدس ولا يجب أن يكذب فيه الإنسان، إلاّ أن أعداء أمتنا عوضاً من اليوم السابع التي كانت فيه تقدم دراما لإظهار أهمية النظام الرسمي الشرعي ومقارنته بالنظام الغير الشرعي المتمثل بالفوضوي والمضطرب والظالم والمضطهد، أرادوا تكذيب السنة الآشورية والأنتقاص من أهميتها واستبدالها بيوم أخر.

وهناك طقوس ورموز أخرى مازالت تمارس وتعج بها القرى الكلدوأشورية وتدل على احتفال أحد الأيام الأثني عشر. ففي حفلات الأعراس وخاصةً اليوم الثاني منها تجري دراما تمثلها مجموعة من الحاضرين تقف إلى جانب الزوجان في إدانة الآخرين من المدعوين كإشارة إلى الملك والملكة الحقيقيين، وبعدها يستبدلان بآخرين عن طريق مجموعة أخرى فيبدأن ببث الفوضى والاضطراب بين الناس وإدانة من يحلو لهم إلى أن يتم إعادة الزوجين الحقيقيين، وهي أشارة إلى اليوم السابع من احتفالات نيسان عندما كانت تسلم مقاليد الحكم إلى ناس عاديين وشحاذين فيسود الفوضى والاضطراب في البلاد إلى نهاية اليوم ليعود الملك من جديد ويعود الأمن والنظام إلى المملكة.
كما أن يوم ( كالو سولاقا ) المعروف لدى أبناء شعبنا إلى اليوم، والذي فيه يتم أختيار أحدى الفتيات لترتدي ملابس الاحتفالات الخاصة بالزواج، فتبدأ المجموعة تطوف من بيت إلى أخر في القرية، هو الأخر إشارة إلى اليوم الحادي عشر من الاحتفالات التي يعلن فيها الزواج المقدس بين الإله وسيدة من أجمل بنات البلاد ينتخبها كهنة المعبد.
وكذلك تلوين البيض بألوان زاهية مختلفة تدل على بدء الخليقة واقتراب الربيع التي فيه تنبت النباتات وتزهر الورود وتكسو الطبيعة ببهاء وجمال رائعين، والانتهاء من فصل الشتاء القارص الذي يكسي الطبيعة بالثلوج، وتدل البيض أيضاً على أصل الإنسان الذي يكون من البيضة وثم الجنين ، ونلاحظ بأن هذا التقليد قد دخل المسيحية ولازلنا محافظين عليه إلى يومنا هذا وترمز ايضا الى قيامة الرب يسوع المسيح من بين الاموات لكي نقوم نحن المؤمنين معه ،حيث تدل الالوان الزاهية ( الاحمر – البنفسجي – الاصفر ...) الى الفرح والسعادة والانتصار،حيث بقيامة الرب يسوع المسيح من بين الاموات أنتصر على الموت وعمت الفرحة والبهجة المؤمنين .
وغيرها الكثير من الأدلة والأمثلة التي يتمسك بها شعبنا بالاحتفال بعيده القومي بصورة أو بأخرى.
من هنا كانت تأتي أهمية الاحتفاء ببداية العام الجديد مع بداية شهر نيسان انطلاقاً من مورثهم المتناهي في القدم وانسجاماً مع معاني الحياة والتجدد وخصوصاً في الطبيعة التي كانت متميزة في بلاد مابين النهرين كونها طبيعة زراعية غنية وشعبها يعتمد أساسا على الزراعة.
ومن أجل هذا فأن احتفالنا بهذا اليوم الأغر العيد القومي ومحافظتنا على رموزه ودلالاته يقربنا من جذورنا العريقة الضاربة في عمق التاريخ، لذا فهو يمثل رمز وجودنا القومي.

Opinions