Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

زهورهم الطبيعيه وديمقراطيتنا البلاستيكية

في بلاد الورود, هولندا المشهورة بأزهارها , وهي تحتل دوليا المرتبة الأولى في تطوير وتحسين أشهر أصناف الورود وتصديرها إلى كافة أنحاء العالم, والزائر لمعرضها السنوي الذي يقام في ربيع كل عام, سينبهر للكم الهائل الذي سيراه من معروضات الورود المغروسة على مساحة كبيره من الأرض مقسّمه على شكل لاحات تصوّر لنا بالتدرّج تاريخ حياة كل ورده (صنفها, حجمها, رائحتها, عمر بقاءها ) و هيئتها الخارجية بعد التحسينات الوراثية التي أجريت عليها على مدى سنين .

نعم إنها زهور طبيعيه, تحسّها حين تلمسها, ولو مارست قليلا من الظغط على أوراقها ستفرز مادة سائله تشبه الدمعة التي يذرفها الطفل حين تقرصه , كما أنّك تشعر بحيويتها كلّما إقتربت منها وهي تلامس بشرة وجهك أوشممت رائحتها,ومن شدة جمالها الخلاب , يخال للبعض أنها إصطناعية قد تم تصميمها في أرقى مصانع وشركات البلد, غير مصدقّا حقيقة أمرها , لكن في عرف مجتمع الزهور الطبيعية في هولندا, ليس هنالك أيّ نص لقانون أو رادع يحول دون التأكد من كونها طبيعية ام لا, سواء في محاولة لمسها او الإنحناء لشمّ رائحتها,وحين التأكد من كونها طبيعية, ينتابك شعور فوّار بالبهجة والأمل ممتزجا بشكل لاشعوري من تعابير الإطراء والإعجاب بذلك الإنسان الراقي وبنفسيته القادره على إنجاز هذه النمونه الصادقة عبر جهد متواصل في مراحل ترويض وتطوير تم فيها تحسين بذورها الى الساعةالتي قدمّت فيه للبشر هذا الصنف الطبيعي من جماليات الحياة, وأنت واقف أمام المشهد , لا يخطر ببالك شيئ سوى السؤال الغريزي عن إمكانية إقتناء هذه الورود كي تغرسها في حديقة منزلك او لتزيّن بها صالة الجلوس بعد إختيارك للقحف* الذي يلائم ألوانها وأحجامها .
وبينما أنا غارق أتمتع سارحا حول تلك الزهور الهولنديّة في معارضها الطبيعية في الهواء الطلق و عن الأيادي ألتي ربّتها و نمّتها ,تخيّل أمامي في الحال مشهدا مناقضا شوّش أفكاري ونغص نشعتي بشكل أربكني مما جعلني أتأفأف , إنه وضع مغاير و في مكان أخر يتصدر بقاع العالم أيضا, لكن في سعير عروض النار التي تلتهبه وليس بوروده الطبيعيه الماثلة أمامي , إنه عراقنا الجريح الذي إمتلأت صحافة حكومته الإعلاميه وخطابات أحزابه وقرارات كتله البرلمانيه و قوانين مجلس وزرائه,و إزدحمت فيها بهرجات مؤتمرات تصرف عليها الملايين وعروض شعارات الديمقراطيه بقحوفهم الملوّنه ألتي يقال بأنها كانت غائبة في زمن النظام الصدامي, نعم و ذلك لا إعتراض لي عليه البتة, لكنني أدّعي بأن ديكتاتورية صدام التي كان هو الأخر يسعى إلى تمويهنا من خلال إدعاءاته على أنها ضرورة مرحلية لابّد منها لديمقراطيه قادمه , لكنّها كانت فعلا ديكتاتوريه حقيقية وليست بلاستيكيه, سواء لو تلمسناها بأيادينا ألتي إحترقت وتفحّمت من نارها أجسادنا, و لو شممناها , كانت ريحاً قاتلة أفسدت أنفاسنا وإختنقت فيها أرواحنا.
في عراقنا المنكوب اليوم , ولنفترض بأن أحزاب ضحايا صدام(كما يدّعون) هم الذين يحكمون تحت رعاية المحتل, ولا ضير لو قلنا قد تمّ إنتخابهم,لكن يحق لنا أن نسألهم و بكل بساطة, أيّ حزب من هذه الأحزاب قدّمّ لنا ورده طبيعيّه أو حتى بلاستيكيه نتوهم بها ؟ ومن منهم أثبت حسن نيّة مع العراقيين ,وفي أيّ قحف قد غرِست هذه الوردة إن وجدت؟كبارهم الفطاحل ينادون و يدللّون بأن أزهار معارضهم فقط هي الطبيعية! وفي نفس الوقت يشتمون الأخرين ويتهمونهم بأن أزهارهم بلاستيكيه!! يصرخون بإدمان بأن ديمقراطيتهم حقيقية! ياللعجب, ليت ورودكم كانت فقط بلاستيكية جامدة, ويا ليتها إقتربت بألوانها على الاقل إلى خضار الصبيّر الصحراوي! إن زيف صنع ورودكم يا أخوان يبعث الشؤم في الناظر إلى ألوانها التي إكتسبت من البتروكيمياويات لونا لها , فهي تخنق أنفاس الطفل لو أردتها له هديه! رائحة النفط المحروق تفوح من هذه الديمقراطيه البلاستيكيه !!شتّان ما بين الذي يربيّ الورد بيده وبين من يستورده حيّا ثم ينفخ فيه كي يصبح بلاستيكيا بقدرة قادر!!
بحسب بلاستيكة ديمقراطية ساستنا : حين يخفق الأستاذ في تغيير ديمغرافية كركوك و الإستحواذ على نفطها يكون في عرف قحف وروده البلاستيكيه قد خان مباديئ الوطنية والديمقراطيه! ولو صرخ العراقي بوجهه معلنا بأن العراق يحترق لنؤجل ذلك الى وقت أخر , ينهال السيّد على الأخ بأنه ضد الديمقراطيه وأنّه بعثي قومجي!! وسبحان الذي خلق من الشبه أربعين , و البعض يعلنها بكل صلافة ليقول : مالي ومال العراق! المهم مستقبل مشروعي القومي وكفا!! وحين لا يكبّر أحد هؤلاء الديمقراطيون البلاستيكيون بأسم الله إلاّ في جامع السنّه إن كان سنيّا او في جامع الشيعة إن كان شيعيا, يكون قد خان الأمانة القومية والوطنيّه في الدين !ولو قلت له أنني مستعد أن أصلّي مسيحيتي في أي جامع, يقول لي أنت ملحدوكافر ويفتي بهدر دمي !! وحين لا يستطيع (المؤمن) الفطحل ذبح من يرفض الإسلام دينا له , يكون قد تجاوز شرائع السماء في إمارته الهلامية التي يدعّيها! سبحان الله من هذه الديمقراطيات, هل فعلا كنتم ضحايا غيابها؟ أمّا لو تجرأ المواطن الكلدوأشوري مطالبا بحقه التاريخي على أرضه وإحترام حقوقه وتمثيله البرلماني , يقال له انتم الان بضع ألاف لاتستوعبكم خارطتنا السياسية, وديمقراطيتنا تجيز لنا إختيار من يمثلكم !!

بعد هذه المقارنة الصغيرة بين ورودهم الطبيعية وديمقراطيتكم البلاستيكيه , أسمحوا لي بالقول بأنّ:


قحوف ورودكم المصطنعه أزكمت حتى أنوف المساكين الذين باتوا اليوم يقتاتون من نفايات قمامات شوارع بغداد, وديمقراطيتكم البلاستيكية شوّهت في مهاتراتها حتى متاحف بقايا النازيين الهتلريين. والمعذره للهولنديين بسبب حشري ورودهم في حدائق برلماننا العراقي وقحوف أحزابه ووزاراته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قحف, إناء يصنع من الخزف بأحجام مختلفة تغرس فيه الورود للزينه


Opinions