سـيدنا الكاردينال : ما لـكَ ولِـ طارق أبي رغال؟
حـياتـنا مسيرة لذتها منسيّة ، جـنــّـتها حـديقة زهـورها مرئية ، جـحـيمها مقـبرة عـظامها مخـفـيّة . نمشي عـلى سـهـولها الواسـعة البهـيّة ، صفـصافـها رمالها صفاتها رديّة ، جـبالها شاهـقة سماؤها صافـية ، بحارها عـميقة في الظاهـر نقـيّة ، لكـنها غـدارة أعـطابُها خـفـيّـة ، تلك كانـت حـياتـنا سـنينها مطويّة ، طارقــُها عـبدٌ لِـمَنْ أنجـبتــْه صُبحـيّة .......حـياتـنا مراحـل وقـفاتها عـديدة ، لنا فـيها صداقات كـثيرة فـريدة ، بعـض منها ضعـيفة وبعـضها مجـيدة ، فـتسقـط الرديئة وتـثبـت الشديدة ، محـطة مُخـْـزية – محـطة مفـيدة ، واحـدة مرعـبة شـُعـْـلتها وئيدة ، تـُحـرق مَن يمسّها ويصبح طريدا ، والثانية مفـخـرة لكـنها شـهـيدة ، تزيّـن دماؤها صدورَنا الحـميدة ، تلك كانت حـياتـنا دروبها مـديـدة ........
كـم مِن صديق مخـلص أخـبرنا ، سِـراً وبالسِـرّ هـو يُـعـْـلِـمُـنا ، كان لنا سُـلــّمٌ في عـراقـنا ، مدرّجٌ ليرتقـيه غـيرُنا ، نعـرفه هـو كما يعـرفـنا ، يتـخـذ وسادة أكـتافــَـنا ، يُشـترط أنْ ينكـر مسيحـنا ، فـيرتقـيه في النهار عـلنا ، ليس له حـياءٌ كـحـيائـنا ، والطارق واحـدهـم ناكـِرُنا .........
[ إنّ من بـين الأسـرار ما لا يعـرفـها إلاّ إذا الصدفة له شاءتْ أو من صديق حـميم إليه تسرّبـتْ . لقـد كان شرطاً أساسياً للإرتقاء إلى الدرجات المتقـدمة في حـزب أبو زيـّودي كـعـضوية القـيادة القـطرية أو غـيرها ( أن يكـون مسلماً ) ، والمناضل الشهـم طارق هـذا ، كان لابـد له أن يؤدّي الشهادتين كي يصل إلى ذلك المستوى وإلاّ فـلا حـصة له في الفـريسة ، وقـد أخـفـيَ السرّ هـذا للغايات المعـروفة نفـسها التي كـُـتِـمَتْ بسببها أسْـلمة ميشيل عـفـلق حـتى فــُضح بعـد وفاته وعـلناً في الصحـف والإذاعات العـراقـية مبرّرين ذلك بحـجه أو أخـرى ، رغـم عِـلــْمِـنا بها قـبل ذلك بكـثير .] ........
لم تمر مناسبة وطنية مصوّرة تلفـزيونياً إلاّ وشاهـدتــُها بتركـيز وتعـمّد ولغاية في نفـسي وخـلال أكـثر من عـشرة أعـوام ، حـين كان أعـضاء القـيادات المتـنوعة في عـجـينة الحـكم ( مجـلس الثورة ، القـطرية ، القـومية وغـيرها ) يضعـون أكاليلاً من الزهـور في تلك المناسبات عـند النـُصُب العـديدة الموزعة في مناطق بغـداد ( الجـنديّ المجـهـول ، الشـهـيد ، قـبر فـلان ، أو غـيرها ) وأنا أتابع وأركـّز نظري عـلى شاشة التلفـزيون . لقـد كان المصوّر السينمائي يوجه كامِـرته نحـو جـميع الواقـفـين ويُـطيل من لقـطاته للأعـضاء الكـبار ومنهـم السيد طارق سواءاً عـند وضع الأكـليل أو قـراءة الكـلمات ، ولكـن ما أن يحـين موعـد الترحّـم عـلى أرواح الموتى وقـراءة صلاة الفاتحة الخاصة بالمسلمين ، كان المصوّر يدير كامرته إلى جـهة أخـرى لا يصوّر فـيها أخـينا ! ولهـذا لم أستطع طيلة تلك السنين أن أعـرف هـل أنّ طارق عـزيز يرسم عـلامة الصليب في صلاته الإجـبارية أم يفـتح كـفــّيه مادّاً إياهـما إلى الأمام ؟ وتفـسيري لهـذا المشهـد هـو : أنّ طارق لا يرسم عـلامة الصليـب إطلاقاً ، وكـذلك لا يزج نفـسه في مأزق الفـضيحة الإعـلامية حـين يقـرأ الفاتحة الإسلامية فـيعـرف الناس أنه قـد أصبح مسلماً من جـهة ، أما من جـهة أخـرى فإن تبجّـح السلطة الحاكـمة أمام الرأي العام العالمي والمحـلي بمسيحـيّـة عـضو قـيادي الظاهـرية وإستخـدامه كآخـر ورقة عــند الحاجة إليه ، هـذا التبجّـح كان سـيتلاشى .......
والآن يا سـيدنا الكاردينال : هـل تـتذكـرون إحـدى مآثر طارق ! وأنـتم خـير المتذكّـرين في مطلع السبعـينات حـين حاولتْ حـكومته المنهارة جـس النبض بهـدف فـرض تدريس القـرآن للمسيحـيّـين في المدارس ، فـشاء الـﭘاطريرك الراحـل القـديس ﭘـولص الثاني شـيخـو أن يستفـسر ويـبدي رأيه الرافـض لتلك المحاولة وبالتالي الطلب من ( المسيحي الكـلداني – طارق ) ظناً من غـبطـته - لابل يُـفـترض أن يكـون - أقـرب إلى تفـهّـم طلبه ، فـماذا كانـت إجابته للـﭘاطريرك الجـليل ؟ إنه وبكل صلافة قال حـسب ما تـناقـلته الألسن الموثوقة : إن حـكومة الثورة التي فـعـلتْ برجال الدين الشيعة في كـربلاء والنجـف ما فـعـلتْ ، لا تـتردّد في إنهاء حـياة مَن يقـف في طريق تـنفـيذ خـطـطـها . ونيافـتكـم تعـرفـون قـصة رد غـبطته الشجاع متسلحاً بإيمانه ومتدرّعاً بإنجـيله وبالتالي الوصول إلى مأربه رغـماً عـن أنف وصلافة ذلك المتعـجـرف ........
وحـضرتكـم تجـعـلونـنا نـتساءل : هـل سمعـتــُم الناكـر لمسيحـيّـته طارقاً هـذا ، أن نطق حـرفاً بلغة أمه وأبـيه يوماً ؟ هـل زار بلدته وأهـلها يوماً ؟ هـل تكـلـّم عـن - مسيحـيّـيه - في وسائل الإعـلام يوماً ؟ هـل جاهـد من أجـل أن يُخـلـّص مسيحـياً بريئاً من براثن سلطته يوماً ؟ هـل صلى في الكـنيسة يوماً ؟ وإذا قـلتـم : لم يكـن بإستطاعـته أن يعـمل كـل ذلك خـوفاً مِن بطش السلطة آنذاك ! نقـول : إنه كان جـزءاً من تلك السلطة ، ألم يشترك كالأسخـريوطي بصورة أو بأخـرى في إتخاذ قـرارات أنهـتْ حـياة مئات الألاف من الأبرياء ؟ ثم إذا كان - جـباناً - يومها ، أتركه الآن في جـبنه أيضاً ، ودع الموتى يدفـنون موتاهـم .........
يا سيدنا الكاردينال : ما الذي خـطـر ببالكـم وسمحـتم أن تزجّـوا بأنفـسكـم في ميدان ليس ساحـتكـم ؟ ما الذي ذكـّرَكم بواحـد فـقـط دون غـيره ، وهـو ذو غـلاف مسيحي ظاهـري وأعـطيتم مستمسكاً عـنكـم بـيد غـير المسيحـيّـين ، ولستم تـتـذكـّرون الأبرياء الكـثيرين حـتماً من مخـتلف الأديان والقابعـين في السجـون ، فـيصفـونكم بالمتحـيّزين وربما بالعـنصريّـين ونيافـتكم في غـنى عـن ، لابل بعـيدون عـن تــُهَمٍ كـتلك بدليل أنكـم قـلتم: إسألوني عـن العـراقـيّـين ولا تسألوني عـن المسيحـيّـين ؟..........
الأب الموقــّر : إنّ مكانـتكـم في قـلوب المؤمنين ومنصبكـم في الساحة الكـنسية والعالمية أرفـع من أن تـناشد مَن يهـمه الأمر مناشـدة عـلانية وعـلى الملأ هي ليست بمستواكـم لتطلبون العـفـوَ لـمن صال وجال شريكاً مع مجـرمين ومتهـماً معـهـم بجـرائم أغـلظ من سـيگـاره الذي كان يتباهى به متخـيّـلاً أن الدهـر يومان : يوم له ويوم آخـر له أيضاً . نعـم نحـن نغـفـر لِـمَـن أخـطأ إلينا ، وطبـيعيّ أن تغـفـرون له إذا أخـطأ إليكم شخـصياً ، ولكـنـنا لسنا مخـوّلين أن نغـفـر لِمَن أخـطأ لغـيرنا لأن مانح الحـياة هـو الغافـر ، وهـل هـناك مَن يغـفـر الخـطايا غـيره ؟ ونسألكم سؤالاً طارئاً : لِـمَن وُجـدتْ دور العـدالة ؟ ........
سيدنا العـزيز : نحـن تلامذتكـم ولسنا نعـلـّمكـم فأنـتم القائـد والأب ، ولكـن جـيل الأبناء اليوم يخـتلف كـثيراً عـن جـيل الأبناء حـين كـنـتم إبناً ، وتخـتلفـون أكـثر عـن جـيل الأبناء قـبل 400 سنة ، ونيافـتكـم أدرى بذلك وتعاينونه وتلمسونه يومياً . اليوم صار كل أب يستمع إلى ما يقـوله أبناءه بالحـكـمة والمنطق ولا يسمح لأية صفـيحة زجاجـية مهـما كانـت شفافة ورقـيقة أن تجـد لها مكاناً بـينه وبـينهـم ، وإلاّ فبأية وسيلة يعـبّر عـن حـبه وإحـترامه لهـم ؟ .........
ﭘطركـنا الحـبـيب : إنّ مِن التلامـيذ في التاريخ مَن أدهـش معـلمه ، وفي ذلك قـصص تاريخـية عـديدة موثـقة ، وأخـرى شخـصية عـندنا كمدرّسـين . أعـيد وأكـرّر أنـكم أنـتم المعـلم ، ولكـن دعـنا نــُسْـمِعَـكم رأيـنا : أنـتم قائـد مسيحي يتمثـل فـيكـم الخـير والجـمال ، ولكـن مسيحـنا يقـول : لا ترموا جـواهـركـم أمام أيّ كان - - - ولا تعـطـوا خـبز الأبناء لأي كان - - - . نعـم ، جـميل عـندكـم أن تفـكّـروا بالخـير ، جـميل منكـم أن تـنصحـوا بالخـير ، جـميل فـيكـم أن تبادروا إلى عـمل الخـير . ولِـمَ لا ، ولكـن الأفـضل لموقـعـكـم في هـذه الحالة الإتصال هاتفـياً أو اللقاء شخـصياً بأصحاب النفـوذ وطلب الخـير منهـم دون التهـليل له بوسائل الإعـلام ( ولا تدع شمالك تعـلم ما تفـعـله يمينـك ، لتكـون صدقـتك في الخـفـية ، وأبوك الذي يرى في الخـفـية يجازيك ) ........
وأخـيراً سـيدنا المبجّـل : أتـذكـّر سيادة المطران سـرهـد جـمو يوم جاء إلى سـدني نيابة عـنكـم لتـنصيـب المطران مار جـبرائيل كساب للكـنيسة الكاثوليكـية للكـلدانيّـين في أستراليا ونيوزيلاند ، حـين قال في محاضرة له : نبني بـيتـنا أولاً . نعـم ، دعـنا نطلب ملكـوت الله في بـيتـنا كـلنا سوية أولاً ..... وهـذا الآخـر كـله يُـزاد لنا ، دمتم سعـيداً .