Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

سخونة الدم .. تباشير الثوار

في العادة ، تقدم الأمم والشعوب رموزها بطرق مختلفة لتخليدها عبر الأزمان .. ولان الثورة الحسينية هي ثورة الحق لإزاحة الباطل المتسلط . ولان الحسين (ع) هو الذي خلد ثورته بما أعطى من دماء وظلت باقية في كل الأزمان إذ زرع بذرة تصحيح الأمة. ولأنه جاء مع فئة قليلة مؤمنة قابلت فئة كبيرة وكثيرة لجيوش معسكرة على طرف الفرات تنتظر الانقضاض على الفئة القليلة . والذي حدث أن الحسين وأصحابه قتلوا أبشع قتلة ومُثلت بأجسادهم الطاهرة ، خلدوا وتخلدت ثورتهم ..الفئة القليلة المقتولة جميعا صارت شاهدا وأمثولة لأي عصر ولأي زمان .. انه انتصار الدم على السيف ..السيف الجائر والطاغي على أنفاس الناس والقاتل للحريات والكرامات ..انتصر الدم إذن وتحول الدم الحسيني الطاهر إلى منبر مُنير مدى الدهر يضيء الظلام إن حل ويعطي الحرية للذين يبحثون عنها ..
هل تركت الثورة الحسينية إرثا مهما كبيرا ؟في ظروف كظروف الثورة الحسينية لابد من وقفة لتمثيل الأجواء والظروف المصاحبة لها .. أنها نموذج لعمق الانتماء الروحي للدين وللأخلاق وللإيمان .. ظروف الثورة الحسينية لا تشبه أية ثورة .. إنها صارت للحرية بابا وللكرامات فضاء .. طغمة حاكمة أرادت قتل الحسين(ع) لفسح المجال أمام أطماعها وأمام جورها وأمام عنجهيتها .. الثورة قامت وانتهت في ساحة المعركة لساعات ..وظن الجيش القاتل بأنه انتصر .. لكن ظروف الثورة ليست كما اعتقد الخصم المعسكر على أطراف الفرات .. لقد أينعت ثمارا ومصابيح لكل الناس ولكل البشر على حد سواء .. الدم المراق على تربة كربلاء تحول إلى رياض ورياحين وكرامات .. إنهم توهموا بأنهم قضوا على الثورة الحسينية .. لكنهم فوجئوا بان الإرث الحسيني يتصاعد والفكر الحسيني يتخلد والشعائر لاتنتهي ..إنهم لم يحسبوا حساب الزمن ولم يعوا ماالذي ستؤول إليه الأيام .. الحسين انبت في الأرض سارية شامخة من لواء الإنسانية ظل يرفرف على مدى الدهور والأعوام .. إنهم يسحقون الفئة القليلة بعددهم المخيف وبسلاحهم الشديد وبعصف هجومهم العنيف .. لكنهم رجعوا خائبين بعدما خسروا كل شيء ..خسروا الحياة والموت والدين .. خسروا أمتهم وأخلاقهم ومات كل ذكر لهم .. أما الحسين فقد عاد كطود واقف بشموخ وطود هائل له كل التأثير في الأمة وتحول من شخص إلى شاخص يتوجه إليه كل إنسان في هذا الكون .. أنا قتيل العَبْرة ، قُتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروبٌ قط ، إلا ردّه الله أو أقلَبَه إلى أهله مسرورا. هذا ماقاله الحسين (ع ) ..
ويقول احد رموز الغرب موريس دوكابري ”يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد، إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة“ وهذا يدل على أن الحسين لم يكن شخصا يبحث عن خلافة أو يبحث عن جبال الذهب كما يبحث غيره .. انه دليل السائلين نحو العيش بكرامة الحياة ونبذ الهوان والذل .. لقد تعلمت الأمم من الحسين كيف تكون مظلومة فتنتصر وكيف تكون قليلة فتهزم عدوها .. إنها حكمة أن يتعلمها الإنسان في أي مكان يحتاج فيه إلى شاخص لينير له صوب الحياة ودرب الحق .. قرأت مرة إحدى الروايات الغربية مكتوبة في الستينيات ، فوجدت أن موضوعة الرواية تتحدث عن انتصار المجموعة القليلة المضطهدة رغم وجود الأطفال والنساء والشيوخ بينها في مواجهة جيوش الملك الجرارة .. إنهم يموتون عن بكرتهم لم يبق منهم أي طفل أو شيخ أو امرأة . لكن ماحدث بعدها أن الجيوش تسحقها سنابك الخيل ويهيج حصان الملك وينطلق في البراري ومن ثم لا احد يعثر على الملك فيما تبعثرت الجيوش وهام الأفراد على وجوههم . لقد كان المؤلف مستفيدا من فكرة الثورة الحسينية فائدة قصوى وهذا يؤكد مدى تأثير الثورة وأبعادها الإنسانية على الأفكار والعقول الغربية لأنها تعتبر الحسين محررا وشهيدا من اجل الكرامة والحرية والشرف وان دم الأبرياء انتصر على دماء المتجبرين . اعتقد أن الروائي الغربي ذاك ، استفاد من الدرس الحسيني مما جعله يقتبس الفكرة ويجسدها تجسيدا حيا في روايته . ناهيك عن الأفعال والأقوال التي تصدر من منظمات غربية أو شخصيات أو اتحادات تنادي بالاستفادة من الدرس والفكر الحسيني لما فيه من تقدير للدور الإنساني في مقارعة الظلم والظالمين .. إنها منهاج عمل وفكر مقدس وتنظيم نادر للانطلاق نحو وعي وخطاب ثقافي مختلف تماما يكون فيه الإنسان المظلوم هو المنتصر دائما وصاحب السيف الباغي هو المندحر دائما ..


Opinions