Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

سماء العراق تمطر دما

أصبحت الكتابات حول القومية والطائفية غزيرة ، نظراً لبروز ظاهرة القومية الواحدة من دعاة التسمية منذ عام 2003 ، دون طرح المهمات الاجتماعية لواقعنا والنهوض بها ودون التركيز على الاقتصاد والصناعة والصحة والتعليم والتغذية ... الخ ، فنشأ عن ذلك التخلف الاجتماعي والانقسام بين الاخوة لتحقيق احلام وردية لا وجود لها . ولكن الانسان لم يعط الاهتمام الى ما تطلبه المرحلة الاجتماعية المتغيرة بعد الفترة المذكورة وكذلك لم يعطِ الفرصة لعقله بأن يفكر بأخيه في الانسانية والدين لتسير الامور الى الوحدة الحقيقية دون بتر اعضاء في الجسم الواحد ، لأننا قوميات قائمة على ارض العراق الواحد .
يعاش التخلف على المستوى الانساني كنمط له دينامياته النفسية والعقلية والعلائقية النوعية ، والانسان عندما يعيش في بيئة اجتماعية معينة ، يصبح قوة فاعلة يحاول تثبيت وجوده الاجتماعي حسب افكاره التي لا تقبل الاخر ، لانه تربى في هذه البيئة نظرا لارتباطها ببنيته النفسية . اصبحت الفرقة بالغة والجروح عميقة بسبب تجاهل الحقيقة من قبل القادة السياسيين واصبح التغيير الاجتماعي في مأزق مما ادى الى هدر الكثير من الجهد والوقت وتحمل الاعباء الثقال بالاضافة الى انطلاق هؤلاء في مشاريع سطحية ، اتخذت طابع التبذير ، لتشكل عبئا اخر دون الاستفادة في التنمية من جهة وفي التطور من جهة ثانية ، لإخفاقها لانها اعتمدت على الطابع الدعائي الاستعراضي في تحريك بنية المجتمع .
ان الانسان في مجتمعنا ذات القطب الواحد ( دعاة التسمية ) لم ينظر الى مجمتعه ، باعتباره جزء من الكل في ميدان المجتمع المتعدد لكي يضع الامور في اطارها البشري الصحيح . ان الانسان المسيحي لم يحتل بعد مكانته الحقيقية في المجتمع بسبب الاختلافات في جسد واحد ذات الاعضاء المختلفة بالاضافة الى القوى التي تحركه داخليا ، مع انه يملك مفاتيح لمعرفة الحقائق ووضع الامور في إطارها الصحيح تلائم واقعنا المسيحي لتثبيت التوازن بشكل يضمن حقوق الجميع دون المساس بأخيه . من هنا لابد من شمول النظرة من خلال الاهتمام بالبعد الذاتي الانساني بالاضافة الى البعد الموضوعي الاجتماعي ، من خلال فهم العلاقة بين الجميع ، إذا اردنا السير على طريق يحالفها الحظ في إيصالنا الى الهدف يرضي الجميع .
ان محاولات الانسان ذات القطب الواحد يحاول ان يجابه التوازن الوجودي باساليب دفاعية ليكون هو الفارس الاوحد على ارض غير مستقرة بسبب انهيار الامن والسلام لان سماء العراق تمطر دما . تبدو في النهاية محاولات داعية للسيطرة على وضعيته المأزقية وايجاد حلول معينة لها ، تشده الى الوراء او تدفع به الى الامام او تدفعه الى المجابهة والتصدي في ظروف تأريخية حرجة ليكون هو البطل في الميدان ، وكأننا في نزال فيه الغالب والمغلوب !
ان توتر الامن في العراق وازدياد العنف والارهاب على المسيحيين ، تعتبر فرصة كاشفة لما يعتمل في بنية المجتمع المقهور على امره ، وبالتالي تبين لنا ما يتعرض له الانسان المسيحي في ذلك المجتمع من قهر واعتباط وما يحل بقيمته الانسانية من هدر . ازداد عدد المسيحيين في الاضطهاد وازداد عدد الهاربين الى دول الجوار والى العالم ، ممن تثير أوضاعهم للقلق ، في عملية منظمة تهدف الى تهجير المسيحيين من العراق لإنهاء وجودهم وزعمائهم الدينيين . فقد شهدت السنين السبعة الماضية عمليات قتل وتهجير العوائل المسيحية من محافظان البصرة وبغداد وكركوك والموصل ، حيث غادرت مدينة الموصل 2300 عائلة مسيحية عراقية حسب احصاءات وزارة حقوق الانسان والمفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة . في فترات مختلفة خرج الاف المسيحيين من كنائسهم بعد القداديس الالهية ليحتضنوا سيارات مفخخة مزقت اجسادهم الى اشلاء متناثرة . تعرضت العديد من الكنائس والاديرة الى المزيد من تلك الهجمات مخلفة في كل مرة القتلى والجرحى والخسائر المادية . كذلك شهدت السنين الماضية عمليات خطف الكهنة وتعذيبهم وذبحهم وقتلهم ، حقا سماء العراق تمطر دما !!
ان غياب دعاة التسمية لحماية المسيحيين في بغداد والموصل وبغداد وكركوك واشغال الشعب المسكين بالتسمية الدخيلة ادت الى المزيد من الكوارث وتردي الحالات النفسية والصحية وتحولت الى حالات اليأس . واستمرار هذه الحالات نمى الادراك المتزايد بأن مصيرهم مجهول وعدم قدرة السياسيين الى انقاذ هذا الشعب المسكين . ولم نجن من التسمية غير الدمار والفرقة .
ايها القاريء اللبيب ، أطمح الى فتح طريق التحاور العقلاني امام الجميع ، من مختلف قومياتنا المسيحية ، لفهم نوعياتنا وخصوصياتنا بشكل واقعي وحي لتثبيت المرتكزات الاساسية لإمكان وضع القوالب الكونكريتية الصحيحة في اماكنها . أن ما نهدف اليه هو تحقيق المحبة وكسر الجمود لدراسة الظاهرة الاجتماعية المتخلفة التي برزت ما بعد عام 2003 . هذه المحاولة تطمح الى فتح الطريق امام الانسان العاقل لفهم الواقع لكسر النتائج التي حادت عن غرضها . واطمح ان تطلق ابحاثا ميدانية تتمتع بالدقة لمرحلة الجمود والفرقة لفهم واقعنا المسيحي . هذا الفهم ، وحده ، يمكننا من وضع خطط فعالة ، ويجعل من مسيرتنا واضحة المعالم وطريقنا الى اهدافنا في الارتقاء مضمونة .

Opinions