Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

سيطرة ثقافة الحرب والخوف من السلام

-1-
لا جدال بأن ثقافة السلام في العالم العربي، تكاد تكون مفتقدة. وأن الثقافة المسيطرة هي ثقافة الحرب، من خلال ما يبثه الزعماء السياسيون من تصريحات حول وجوب دعم المقاومة المسلحة. وهؤلاء السياسيون، يعانون في بلادهم من مشاكل اقتصادية، وتنموية، واجتماعية، وسياسية. والأسلوب الأمثل – كما يشرحه باري روبن المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ومدير "مركز البحوث العالمية للشؤون الدولية" ومؤلف كتاب " الرجل العربي القوي" عن عرفات - لديهم هو رفع شعار المقاومة، ودعمها، لصرف أنظار المجتمع، الذي يحكمون فيه، عن حل المشاكل المتراكمة في أوطانهم. كما أن تبني حركات المقاومة من قبل هذه الأنظمة، يقدم خدمة كبيرة لها، تتمثل في زيادة قوتها، ونفوذها، وتحميل مشاكلها المختلفة على كتفي إسرائيل وأمريكا، وتخدير جموع الجماهير، وترسيخ مفهوم ضعف الغرب وإسرائيل، وتأكيد مجيء شخصية سياسية خارقة، تُعيد للفلسطينيين أرضهم.

لذا، فثقافة السلام في هذه البلدان غائبة. ومن الصعب تحقيق ثقافة السلام في هذه البلدان، نتيجة لعدم نشر التعليم وتحرير الإعلام، لإعادة صياغة وعي المواطن بالقيم الإنسانية، التي هي العمود الفقري لثقافة السلام. كذلك، فإن هذه الدول، لا تقوم بتعليم النشء التفكير بنفسه، والتزام الواقعية والعقلانية، والقطيعة الواعية مع جنون الهويات والحرب الدينية، والتعاطي الفطري السحري، الذي يطلب من الواقع إعطاءه نتائج مخالفة لقوانينه. وتركز المناهج التعليمية في هذه الأوطان، على تعليم النشء تعليماً يركِّز على عدم الفصل بين الديني والدنيوي، وعدم احترام الحياة. كما تقوم هذه المناهج بتعليم النشء التسامح بمفهومه القديم؛ أي قبول الآخر على مضض. ولا تعلمه التسامح بمفهومه المعاصر، كما صاغته مواثيق حقوق الإنسان.

-2-

ومن هنا، برزت عوائق السلام في العالم العربي، نتيجة لغياب ثقافة السلام، والتركيز على ثقافة الحرب والانتقام. وزادت على عوائق السلام الثقافية التي ذكرناها، عوائق أخرى سياسية، منها أن يكون الطرفان المتعاقدان على السلام طرفين متكافئين.

وعندما نطرح أسئلة السلام على أنفسنا، وهي أسئلة صريحة وحرجة وواقعية، نرى أننا كعرب غير مؤهلين، ولا مستعدين للسلام الدائم والشامل مع إسرائيل.

ففي الكفاءة نسأل : هل نحن متكافئين مع إسرائيل كقوة عسكرية، واقتصادية، وثقافية، وعلمية، لكي يتحقق السلام الدائم والعادل؟

وفي جواب الكفاءة نقول: لكي يدوم السلام، يجب أن يكون نتيجة الإيمان بالسلام. ونتيجة القوة، والطاقة، والإرادة، والعدالة، ومبدأ النصر. فالسلام لا يمكن تحقيقه بالسلبية والمسْكنة. فالسلبية والمسْكنة تجران إلى الحرب.

وفي القوة نسأل: هل نسعى إلى السلام مع إسرائيل، نتيجة لقوتنا، وتفوقنا العسكري عليها؟

وفي جواب القوة نقول: أننا لا نسعى إلى السلام، إلا لأننا وجدنا أنفسنا غير قادرين على الحرب. وأننا لا نملك أدواتها من المال والسلاح والعلم. وأن لا سبيل إلى استرجاع شبر واحد من الأراضي المحتلة إلا بالسلام.

فهل يدوم مثل هذا السلام – لو تمَّ - بين طرفين غير متكافئين على هذا النحو، أحدهما قوي، والآخر ضعيف؟

إن السلام ليس مجرد غياب التوتر، ولكنه حضور العدالة، كما قال داعية حقوق الإنسان مارتن لوثر كنج.

فهل السلام العربي – الإسرائيلي يمثل العدالة للطرفين، فيما لو تمَّ؟

-3-

وكما أن السلام بين العرب وإسرائيل ليس ممكناً تحقيقه من الجانب العربي، فهو أيضاً صعب التحقيق من قبل الجانب الإسرائيلي لأسباب كثيرة منها:

1- أن إسرائيل أيقنت بعد اتفاقيات ثلاث، مع أطراف عربية مختلفة (مصر والأردن وفلسطين) بأن السلام العربي لا يساوي شيئاً، مقابل الأرض الغالية والعزيزة. وراحت إسرائيل في كل سنة، تُقيّم نتائج هذه الاتفاقيات، التي تمّت مقابل الأرض، وخاصة اتفاقية أوسلو، التي راحت إسرائيل تعضُّ على أصابعها ندماً، واغتالت لأول مرة في تاريخها الحديث رئيس وزرائها تكفيراً عن هذه المعاهدة، التي جلبت لها المصائب، وعلى رأسها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتقال هذه المنظمة من الشتات في لبنان واليمن وتونس، إلى الضفة الغربية وغزة.

2- أن إسرائيل أدركت، أنه بانتشار أنظمة الحكم الدكتاتورية في العالم العربي، لم يعد الحاكم هو الطرف الشرعي لتوقيع معاهدة السلام معه، بعيداً عن رغبة جماهيرية عربية في ذلك البلد. كما أن المجالس التشريعية التي تُعرض عليها مثل هذه الاتفاقيات المصيرية التاريخية، هي مجالس مزوَّرة جاءت عبر الرشا، والوعود المنفعية للناخبين، وفرضتها أنظمة الحكم على الشعوب. فأصبحت هناك قناعة إسرائيلية، بأن إسرائيل تريد السلام مع شعوب ذات أنظمة ديمقراطية، تحكمها المؤسسات الدستورية والشرعية.

3- إن حصاد ومكاسب العرب من اتفاقيات السلام الثلاث، كان أكثر بكثير من حصاد ومكاسب إسرائيل. فالعرب استرجعوا الأرض، ووفروا مئات الملايين من الدولارات التي كانوا ينفقونها سنوياً على تسليح الجيوش. ووجهوا بعض أفراد الجيش إلى الأعمال المدنية. واستفادوا من المعونة السنوية الأمريكية. كما استفادوا من تنشيط تجارتهم مع أمريكا، وإعفاء منتجاتهم من الضرائب الأمريكية بواسطة اتفاقية "الكويز" المعروفة. في حين أن إسرائيل لم تستفد من كامب ديفيد غير المعونة السنوية، التي تدفعها لها أمريكا - وكان يمكن أن تحصل عليها بدون كامب ديفيد - وشقة تستعملها كسفارة. وظلت السفارتان الإسرائيليتان في القاهرة وعمان مهددتين يومياً بالنسف، وباغتيال موظفيها.

4- تعلم إسرائيل جيداً، بأن محطة قطار السلام القادمة هي سوريا. وتعلم بأن السلام مع سوريا مقابل ردِّ الجولان إلى أصحابه صفقة خاسرة. وعندما قرأت إسرائيل تاريخ المنطقة، والذئاب الذين نهشوا أطرافاً من العالم العربي، دون حساب أو عقاب، وجدت أن الاستيلاء والاحتفاظ بالأرض العربية من أسهل العمليات، وأن مقايضة الأرض بالسلام الآن لم يعد مجدياً. وقال نتنياهو بالأمس، إننا نقبل بالسلام مقابل السلام وليس مقابل الأرض. وقال مؤرخو إسرائيل لسياسييها: أنظروا كيف التهمنا كل فلسطين تقريباً، وقضمت إيران من العراق إقليم الأحواز (يسكنه خمسة ملايين عربي) منذ 1925، وقضمت من الأمارات العربية الجزر الثلاث (طمب الصغرى وطمب الكبرى وأبو موسى) 1971. وقضمت تركيا لواء الإسكندرون من سوريا 1939. وقضمت اسبانيا مدينتي سبته ومليلة من المغرب 1668 وإلى الآن ، والعالم العربي لا يتحرك. فما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ.

5- الإسرائيليون يخافون من السلام، لأنه يُكذّب أسطورتهم القائلة بأن الفلسطينيين مجرد "أغيار" محتلين، تمَّ تحرير أرض الميعاد منهم. وأن لا مكان لدولة بين الأردن وفلسطين. وتخاف إسرائيل من السلام، لأن السلام سوف يذيب إسرائيل في البحر العربي. وسوف يكون السلام سبباً في حرب داخلية في إسرائيل بين المتدينين والعَلمانيين، إضافة إلى تلاشي العطف الدولي والتعاطف الإعلامي الدولي مع الدولة العبرية، مع زوال الخطر العربي المزعوم عنها.

Opinions