Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

شـــيـخ عفيف....-إنه لا ينتهي –

إنه ليس كتاباً صعباً حتى لا ينتهي : تفكك رموزه و دلالات معانيه . إن
رأيته مرة في الحياة -صدفةً – فسوف يرافقك طويلاً في الحياة . إنه كما
الكثير : أسماؤهم تدل عليهم : أخلاقاً وسلوكاً فاسمه علامة عليه . وقد
تبرك باسمه كثيرون حين أسموا أبناءهم باسمه ، محبة به ، وبمصادقته ،
وبسلوكه . وقد رد عليهم الشيخ جميلهم : أعطاهم أعز ، و أبهى ما يملكه :
أعطاهم عمره .
كأنه كتاب بمقدورك أن تؤجله يوماً ...ثلاثة ...شهراً . لكن ليس بمقدورك
أن تهمله .
الحياة وحدها كفيلة لتكون قيماً ، لتجعله روحها المتوثبة الخلاقة ولتؤكد
أن الحياة ما كانت تسمى لولا وجوده العنيف فيها
ما أجمل الحياة
فليكن الشيخ كما هو : يعامل من قبل البعض ، لا كما يحس ، ويعاني . لا كما
يملك فقها وبلاغة لكن الحياة برهنت – لم تبرهن بعد – أن هذا البعض هم
الذين يقبحون الحياة ، و يقزمونها .
ما أقسى الحياة
و لأجل هذا ، إحساسه بالأشياء والقراءة و الكلام و الألوان و الأشخاص و
الأماكن ((الأماكن القريبة بمتناول البصر و اليد )) مختلف إلى درجة أنك
تحس بهذه العلامات للمرة الأولى . وكأنك تراها للمرة الأولى حين يتحدث
عنها هذا الشيخ حين يدلك عليها . فعنده ليس لهذه العلامات بعد ، أحادي ،
بليد . بل فيها أثنية قابلة للقراءة و الكلام عنها من جديد . وكل
هامشي في الكلام و الأمكنة يحتاج إلى عوالم و قراءة مناهضة لم نحس بها و
لم نعاينها ، من عاشره فترةً زمنية قصيرةً سوف لن يرى إلا و نظرته و
كلامه عن كل شيء تفضي به إلى مسار أكثر عمقاً وبعداً
من أين له هذا البعد الاجتماعي و الثقافي و النفسي ؟ وبما حوله ؟
لم يستشار به بهذه الكثافة ؟ يستشير به لا الأقربون منه وكفى . بل
الأبعدون جداً عنه .
ولم يأخذ برأيه هو فقط ؟.
ألم يطرح أحدهم على نفسه هذ ا السؤال ؟ ولكن هذا السائل صديقاً له أو
غريباً عن المدينة دله البعض على الشيخ . وسوف لن يكون – لأي كان ومن كان
((أجزم بذلك ))جواب وافٍ عن هذا الموضوع . ربما يكون عندي بعض جواب أو
خيال جواب ، هو أن الشيخ – الآن – حالياً – ها هنا – لا يرى أي شيء ٍ إلا
إذا قرب المنظور إلى عينيه . إلا إذ اقترب هو منه اقتراباً شديداً حتى
يرى ما يُرى ولو من بعيد . ما هو أمر : أن الشيخ مازال يقرأ . لكن
بطريقةٍ غريبة يضع مجهراً على الصفحة المقروءة حتى ترى عيناه ما هو مدون
فيها .
أتذكره.....
سوف أتذكره الآن : قبل عشرين سنة . كنتُ أفيق ليلاً ،أو بعد منتصف الليل
،أرى ضوء غرفته مشتعلاً ...شحيحاً
وسوف اقترب من غرفته .
وأقول ((غرفته ))جدلاً ليس إلا . لأنها ليست غرفة ولو بالمعنى الضيق
أيضاً . أتلصص عليه من درفه الباب ، أو ثقب المفتاح . وسوف أفاجأ بالكتاب
بين يديه ، وعيناه لا تفارق سطور الكتاب . وأحياناً كنتُ أراه بهذه
الوضعية ، وهو نائم (( وضعية مقدسة بالنسبة لي أن أرى امرأ نائماً
والكتاب بين يديه ، أو على ركبتيه ))وبعد أن وعيت ، وأدركت ، سألت عنه
مستفسراً ...مستوضحاً عن حالته القرائية هذه وتلك . فوجئت بالجواب : أمضى
حياته كلها هكذا .فليكن للشيخ أعداء . ((بئس مجتمع ، أميوه قيمون الإنسان
وأخلاقه وثقافته )). أتخيل الشيخ – ليس وحده –من أباح العلم -خاصة النحو
والصرف و العروض والفقه ليكون بمتناول الجميع . وسوف لن يعرف حقه الحقيقي
، إلا إذا غاب . لم أعرف حياةً جبارةً وقاتلة كمثل هذه الحياة التي تلقي
بقساوتها ، وقصديتها لا مرارتها وبؤسها فقط على مثل هذا الجليل الذي تسوى
بين يديه أدهى ، أعقد المشاكل . وهو الذي يعاني منها : أهلاً وأبناءً
ورؤيةً وقراءة وكتابة . لم أعرف إنساناً تحمل كل هذا . حمل عليه ما يطيق
، وما لا يطيق . إلا إذا وجد إنسان يملك خمسين رجلاً بداخله . ولو أني
أدرك أن هذا الرجل الكثير...الذي يحمل خمسين عالما لا يحتمل .










ولهذا حين ترى الشيخ – وهو سبعيني – تعطيه عمراً أضعاف ما هو عليه .
فلتحمل أعباء الحياة والناس عليه . ولكن الحياة مشعة ، باهرةً . وليكن
الناس مترفين .. ضاحكين ((وكان عليهم أن يبكوا ))
إنه كتاب تنتهي من قراءته لتبدأ بقراءته من جديد . هكذا أتخيل الشيخ .
ولو أني أوكد ولا أتخيل أو أحس .
هل في الحياة مثله ؟
نعم . كم أريد أن أتعرف عليه ، إن وجد. ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش : غرفة لا تدخلها الشمس ، لا شبابيك لها . وبابها الخشبي يمتص الشمس
. والبرد في الشتاء من خلال شقوق طولية فيه . وبإمكانك أن ترى الغرفة
كاملةً من خلال هذه الشقوق . لذلك فالقطط الكثيرة تجتمع أمام بابه –
إنها قطط الجيران على الأغلب أو أنها قططي - عندما كنت كريما – تعرف متى
يتناول الشيخ طعامه .
alanabda9@gmail.com |

Opinions