Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

شاهدت .. سمعت .. قرات من مكتبتي / 10

Sabti_kallo@hotmail.com
شاهدت
كنت على موعد مع صديق اديب وكاتب وناشر في احدى دول الشتات وسالني من اين تريد ان نبدا زيارتنا لهذه المدينة وما الذي جال بخاطرك قبل ان تصل هنا ! قلت له :
اول من خطر بذهني زيارة استاذي ومعلمي الاديب الرائع واحد رموز جيل الستينات في العراق او كما اطلق عليهم الادباء العراقيين بجماعة كركوك الادبية..، اتصل به هاتفيا وبعد ساعة كنت في شقته المتواضعة في احدى العمارات السكنية الجميلة ، كان لقاء تلميذ باستاذه بعد اكثر من اربعون عاما من الغربة في الشتات ، وكان ترحيبه لا يوصف وادخلني صومعته التي تحتوي على مئات الكتب التي تزين جدران الصومعة ، وتحدثنا في احاديث متنوعة يغلبها الطابع الثقافي وعن ذكرياته مع زملائه من رموز الجيل الذين مازالت بصماتهم في الادب العراقي ماثلة للعيان ومرجعا مهما لكل من يبحث في الادب العراقي المعاصر والذين تشتت معضهم في ارجاء المعمورة ومنهم من رحل واغمض عينيه الى الابد بعيدا عن وطنه ومنهم من لايزال يعاني من الم الغربة وقسوتها ويحلم بامسية على ضفاف نهر دجلة الخالد في بغداد الحبيبة وتحدثنا باسى عن صعوبة النشر في بلاد الاغتراب وإلى ما آل إليه الواقع الثقافي المؤلم في الوطن الجريح ثم سالته عن المخطوطات التاريخية والادبية التي تركها احد الكتاب والمفكرين والذين كانت تربطه به علاقة متينة اجابني والاسى في عينيه :
ان مخطوطات استاذي تقبع في ادراج دولاب احد اقاربه ولا يسمح لاحد ان يتصفحها او ينشرها وسوف تضيع مع الزمن كما ضاعت المئات غيرها على مر السنوات للمفكرين والادباء لانها تقع بين ايادي جاهلة الثقافة والادب ، ثم توقف لحظات تأمل واخذ نفسا عميقا بالم ثم قال :
لا تنسى الدور السلبي لمؤسساتنا الثافية في اهمال طبع مؤلفات عدد كبير من الشعراء والأدباء والفقهاء واكتفوا بطبع من طبل وزمر وكذلك الكثير من هؤلاء الادباء رحلوا من بلد الى بلد وتركوا وطنهم وتغربوا ومازال هذا النزيف ينزف بحسرة ولا تسالني هل هناك بريق من امل و الى متى ! لاني كما الاخرين لا املك الاجابة .
قبل ان اودعه سحب من رفوف مكتبته احد دواوينه وهمش بقلمه على صفحته الثالثة :
" الى .... الذي يكتسح البحار وتحت جنحيه الهة الكلمة .. مع ود ازلي لا ينساكم "
خجلت منه ومن كرمه وتواضعه ودماثة خلقه وانا اودعه .
سمعت
عندما بلغها سمسار العقارات موافقة صاحب الدار على السعر الذي عرضته ام مشتاق واولادها ، لم تستطيع الا ان تطلق الزغاريد والهلاهل واحدة تلو الاخرى وهي في غاية الفرح والسعادة وكيف لا وهي لم تملك طوبة واحدة في وطنها الذي استشهد زوجها من اجله ، وغدا سوف تملك دارا لائقا يحويها ولتربي ابنائها الثلاثة بعد الانتقال بين دارا الى اخرى سواء في الوطن او هنا في مدينة الاغتراب
بعد هذه الزغاريد والهلاهل طلبت من ولدها البكر ان يزوران " عمو عبدالله " ليزفون اليه البشرى ويقدمون له الشكر والثناء للمجهود الذي بذله معهم في رحلة البحث عن شراء مسكن متواضع على مدى اكثر من شهرين .
نقر مشتاق على باب دار عمو عبدالله ، وعدما فتح الباب ، اسرعت ام مشتاق في الدخول وتحضن زوجة عمو عبدالله لتقبلها يمينا وشمالا وعلامات الفرح تعلو محياها ثم تذهب الى عمو عبدالله لتصافحه ولتطلق هلهولة وزغرودة من اعماق قلبهامرة اخرى غير مبالية بوجود ضيوف تراهم لاول مرة في بيت عمو عبدالله .
تلقت التهاني من جميع افراد عائلة عمو عبدالله ، ثم نظر الضيف اليها وسالها : ماهو ثمن البيت ، اجابته بسعادة بمائة وخمسون الف يا استاذ .
ابتسم الاستاذ ابتسامة صفراء باهتة وقال بسخرية ، انه اقل من سعر سيارتي الواقفة امام الباب
شعرت ام مشتاق بالاسى من كلامه وتحركت شفتاها كانها تريد ان تقول شيئا ولكن خنقتها العبره....... و ظلت صامتة وخيم عليها الوجوم كما لاحظت ذلك على اولادها الثلاثة .
نهض عمو عبدالله ونظر الى الضيف ثم قال له:
كل انسان حسب مقدرته واستطاعته وانا متاكد بانك لا تستطيع ان تشعر بالسعادة التي تشعر بها هذه السيدة الان مع اولادها واسلوبك هذا في ايذاء الاخرين والسخرية منهم يجعلني ان اطلب منك بان تكون زيارتك هذه هي الاخيرة ، مع السلامة .
قرات
من كتاب " حكايات حب وغرام " لخالد القشطيني – دار الحكمة – لندن 2008
" قليل من الناس من يدركون مدى ارتباط الانسان بالعناصر الاولية للحياة ، العناصر التي اعتبرها فلاسفة الاغريق مصدر الكون ، وهي الشراب والماء والنار والهواء . اكتشف الباحثون الاجتماعيون مؤخرا ان انعزال الانسان عن مستوى الارض بالسكن في البنايات العالية جدا يسبب له الكثير من المشاكل النفسية وعلى راسها القلق بنتيجة ابتعاده عن الارض . هذا شيء خبرته واعرفه شخصيا فلا ارتاح من زيارة صديق يسكن في الدور العاشر من بناية شاهقة مثلا ، واشعر بطمأنينة وانشراح في النفس عندما اجد

Opinions