شاهدت .. سمعت .. قرات من مكتبتي 16
Sabti_kallo@hotmail.comشاهدت
قبل الامتحانات النهائية " البكالوريا " كنا نلتقي يوميا في احدى الحدائق العامة في المدينة حالنا حال الكثير من الطلاب هربا من حرارة الطقس في منازلنا التي كانت تفتقر الى وسائل التكيف وكذلك بعيدا عن ضوضاء الاطفال والشارع والجيران .
كنا قبل اشهر قليلة قد تعلمنا التدخين وكنا نتقاسم ثمن العلبة نحن الاصدقاء الاربعة كل واحد منا 8 فلوس لكي نشتري علبة سيكاير من نوع " غازي " والتي كانت تسمى بالسيكارة الشبابية ونطلق على من يدخن سيكاير من نوع " تركية " او " اهلية " بالشياب !!
كان كل واحد منا يدخن سيكارتين او ثلاثة ونخفي العلبة في اعلى احدى الاشجار في الحديقة لان كل واحد منا كان يخاف ان يحملها معه الى البيت لكي لا تقع في ايدي احد الوالدين و نتحمل علقة ساخنة و نتائج لا يحمد عقباها وقطع المصروف اليومي وعدم الخروج من البيت وعدم زيارة الزملاء وعقوبات كنا قد حفضناها على ظهر قلب لتجاربنا العديدة عبر سنوات المدرسة .
في احد الايام قررنا ان نشتري علبة سيكاير اجنبية وكانت تسمى " ابو البزون CAT " وبخمسون فلسا وكانت تحتوي على 10 سيكاير فقط والذي يحصل على سيكارتين يساهم 10 فلوس من سعر العلبة اما الذي يحصل على 3 سيكاير فيساهم بـ 15 فلسا وكنا " نفتخر " امام زملائنا الاخرين باننا اليوم ندخن السيكارة الاجنبية ذات الرائحة التي يشمها الاخرون عن بعد .
كل واحد منا اخذ سيكارة واحدة واخفينا العلبة فوق احدى الاشجار وبين الاغصان لكي لا تقع بين ايدي زملائنا الاخرين وقبل ان يذهب كل واحد منا الى منزله .
وكنا في اليوم الثاني على موعد معا بعد الظهر ولكن نحن في طريقنا كانت زخات من المطر فوق رؤسنا ونحن نتحدث عن مصير العلبة الاجنبية في هذا الجو الممطر، قبل ان نصل الى الحديقة بدقائق توقف المطر وزخاته وعند وصولنا الى الشجرة كانت انظارنا تقع على العلبة تحت الشجرة ولكن بحالة ... !
ضربنا اخماسا باسداس واحدنا ينظر الى الاخر عن الخسارة الفادحة ولكن بعدها ضحكنا من اعماقنا حتى نسينا السيكارة والخسارة ومخاوف الامتحانات .
سمعت
كان مشاكسا في المراحل المتوسطة و الاعدادية وكان كثير من الجيران يشكوه الى والده ، وكانت جميع نصائح الاب تذهب هباء ومن اجل هذا الاب الطيب كان الكثير من ابناء الحي يكبح جماح غضبه على هذا الشاب !
بالرغم من تخرجه بمعدل مقبول ولكن استطاع ان يحصل على بعثة دراسية عن طريق الحزب الذي ينتمي اليه ويخلص له ، وشد الرحال الى احدى الدول الاوربية.
ويلتحق في احدى جامعاتها وكان نشطا سياسيا في فرع الحزب في اوربا وكان في طليعة الطلبة في اي مظاهرة ينظمها مكتب الحزب في المدينة او خارجها وكان مخلصا لتوجيهات الحزب وكان الوطن في كافة احاديثه وحب الوطن في كافة نقاشاته والعودة الى الوطن والمساهمة في بنائه في كل لقاء مع زملائه .
تخرج الشاب وابرق الى والديه وكانت الفرحة عارمة لكل افراد اسرته ، ووزعت الام الحنون " الملبس والمصقول " على الجيران ووعدت الجيران بالبقلاوة و بالطبل والمزمار عند قدوم ولدها الدكتور .
مرت الايام والاسابيع وابلغهم بانه لن يعود وحصل على مقعدا تدريسيا في احدى الجامعات . اصاب الوجوم جميع افراد عائلته وخاصة امه التي كانت تريد ان تكحل عينها بقدومه وتتفاخر امام الجميع بان ولدها ليس ذلك الشاب المشاكس و الذي كان يثير المشاكل ولتبرهن بان وطنيته لا تعادلها اوربا بكل ملاذاتها وعيشها الرغيد.
مضت السنوات وتوفى والده بحسرة رؤيته ومرت سنوات اخرى ليتسرب المرض الى والدته وكانت تتصل به وترجوه بالحضور لرؤيته ولكن دون جدوى .
تسرب المرض كالاخطبوط الى جسد والدته واتصل به اخوانه والكثير من اقاربه ولكن دون جدى ، وكان اخرهم اخيه الاصغر سنا ليقول له:
كنت تدعي بالوطنية والوطن وكنت تهاجم كل من كان يقف ضد افكارك ، وكنت تدعي بالمبادئ والقيم والاخلاق ، فاين انت عندما تنكرت للمبادى والوطن الذي صرف عليك الالاف من الدولارات والان امك اصابها المرض الخبيث و امنيتها ان تراك قبل ان تغادر هذه الدنيا ، ولكن الكلام كان في وادي والدكتور كان في وادي اخر ، وحتى عندما انتقلت روحها الى باريها لم يحجز مقعدا في اي طيارة لكي يشارك في جنازة امه .
بعد فترة قصيرة استغنى عن خدماته في الجامعة وبقى عاطلا عن العمل ثم اضطر ان يعمل في عمل يعمل به حتى الذي " يفك الخط ". فقط.. و ... !!!
قرات
من " العالم امرأة ورجل " لزينات نصار – الطبعة الثالثة – رياض الريس للكتب والنشر
" تجعد وجه مراتي ، تراكم على حروفها الصدأ ، وتحولت الى جزء من الغرفة ، كسريري ، وقنديلي ، والكتب المهملة التي لم اقرأ في كل منها الا بضع صفحات .
منذ زمن لم اشعر بحاجتي اليها ، اهملتها كي لا ارى فيها نفسي التي اعرفها .