شبشب عراقي لن يقي أقدام تركيا العارية من صقيع جبال كردستان
لعبة الكر والفر التي نشهدها اليوم بين تركيا كدولة وبين ما تسعى هي الى تصويره كأقليم شاذ لا تشمله السيادة العراقية (( اقليم كردستان )) الذي تحمله تركيا مسؤلية ما يحصل في اراضيها من عمليات أرهابية . أشبه ما تكون بلعبة المطاردة الدائمة والتقليدية بين القط والفأر والتي تخضع لقاعدة اساسية تقول ,, أذا كنت قطا لا تهاجم الفئران المتيقظة والمسرعة لكي لا يتكرر الفشل واذا كنت فأرا لا تثير القطط ولا تقلل من أهمية حواسها في الأنقضاض عليك .وفيما يتعلق بهذه المشكلة فمن الخطأ الفصل بين كردستان العراق والعراق كما تصرح اليوم جارتنا الودودة بوجود مشكلة بينها وبين الاقليم حول تواجد حزب العمال الكردستاني في جبال الشمال الوعرة , ولولا تدني سمعة العراق السيادية لما تجرأ أحدهم وصرح بمثل هذا الكلام أو قصف قرى امنة في السليمانية بحجة مطاردة منظمة أعتبرها العراق أرهابية أو حشد الأخر ألاف الجنود من أجل التصدي لجماعة مشابهة يحتضن أضعاف عددها الموجود فعلا في العراق . ولكن كما يقول المثل المصري (( ان غاب القط ألعب يا فار )) رغم تغير الكثير من أساسيات هذا المثل اليوم . فالحكومة العراقية يهمها ان تبرهن لأكراد العراق بانهم ضعفاء بدون بغداد أكثر من أهتمامها بصورتها المفروضة كقطة قوية ويقظة أمام نوايا أصحاب الأعلام الصفراء والحمراء والخضراء في اي تحرك يمس العراق في سيادته وكذلك الحال بالنسبة لحكومة أقليم كردستان التي يتضح في كل التحديات التي تواجهها بأنها بحاجة الى سياسيون محنكون ، فقد لا ينفع ما ينطق به أفراد العائلة الواحدة دائما وسيمل منهم الشعب عاجلا أو أجلا كما مل من أمثالهم والأمس القريب خير دليل على كلام من قد نعتبرهم مغـفلين .
وحكومة الأقليم ايضا تسير على خطى بغداد ويهمها ان تبرهن للمالكي بأنه ليس سوى قطة هزيلة وضعيفة لن يكون لها الكلام الفصل في شؤون اقليم عاد كما يقول البارازاني بشكل طوعي الى العائلة العراقية . واذا كان أهل البيت على هذا الحال فكيف لا يكتشف الأتراك نقاط الضعف ويشترطون قائلين , نرحب بهذا ونوصد الأبواب أمام ذاك ويتمادون حتى في الأهانة باعتبارهم أقوياء الأمس المتخبطون اليوم في مواجهة الكثير من مشاكلهم الداخلية والخارجية ولا يتوانون في ذلك من أدخال القاصي والداني في تحمل ما هو ملقى على عاتقهم اصلا حتى لو كانت مواقفهم المفتعلة ليست سوى دعاية تحاول من خلالها تركيا الحفاظ على صورتها التاريخية أمام العالم الأسلامي وتذكيره بشكل مستمر بمخالبها التي لا يخفى على أحد بان الغرب أزالها منذ الحرب العالمية الأولى ولا زالت أوربا اليوم تحاول الوصول الى المزيد في ذلك الاتجاه .
تركيا التي حشدت جيوشها قبل سنوات على تخوم سوريا تعيد الكرة هذه المرة مع العراق وتطلب من هذا البلد المصاب بالشقيقة أن يحقق لها ما لم تحققه حكومات وانقلابات وثورات عراقية متتالية وعلى مدى عقود , فالحكومات العراقية أيضا امنت بمحاربة الأحلام الكردية في تقرير المصير ولكن العراق كله اليوم يدفع ثمن تلك السياسات فكيف لنا اليوم أن نحارب عوضا عن تركيا ونحن اصلا مكتفين بمخدع بسيط خلعت أبوابه ويسهل على أي مخلب أن يفعل الكثير أذا امتد نحو الداخل .
بالتاكيد أزمة اليوم ليست وليدة هذه اللحظة وما يحق للقط هو حق للفأر والساحة بين الأثنين هي الحذر والحواس وما لا يفهمه أخوتنا الأكراد بسلاسة هو طبيعة المنطقة التي يتواجدون فيها فهي تختلف عن كندا التي تسمح لكيوبك بأجراء أستفتاء حول مصير الولاية وليست كالبلقان محاطة بشعوب يمكن ان تساند اي مد غربي يوفر للأكراد حرية تقرير المصير مع علمنا المسبق بأنهم كشعب وثقافة وأرض لهم كل الحق في تقرير المصير أينما كانوا وفي حدود أية دولة , ولكن تقرير المصير لا يعني التجاوز على مصير الأخرين كالخرائط التي تباع في أربيل بمبلغ تافه والتي ترسم حدود كردستان الكبرى هي تجاوز لأنها تسبح في خيال مشؤوم لا يجر خلفه غير الكوارث التي ستقحم الأكراد في صراع مع كل المحيطين بهم خصوصا أن كل تلك الدول المتناقضة تلتقي بكل ما يخص الأكراد والقضية الكردية . فعلى سبيل المثال مد ذراع طويلة جنوب تركيا وشمال سوريا تصل للبحر المتوسط أشبه ما يكون بأحلام صدام الذي كان يأبى نسيان الأحواز والأسكندرونة والقبول بالأمر الواقع في فلسطين . وكتذكير بسيط بما حققه الأكراد اليوم في العراق من مكاسب أثبتت للعالم فعليا بأن هذه الرقعة التي لطالما أطلق عليها العالم العربي فيها الكثير من الشعوب الأخرى غير العربية أو غير الأسلامية تمتلك حقوقا تاريخية وحضارية لا يمكن أنكارها ولفت نظر أهل المنطقة أنفسهم بحقيقة اللون الأخضر الذي يغطي كل هذه البقعة من الخليج ألى المحيط وما تحقق هذا لولا توفر فسحة من الحرية أتاحت لكل حي أن يعبر عن نفسه كما يشاء . ونفس الشيء ينطبق على كل المناطق التي يلونها بعض المتطرفين الكرد باللون الأصفر فهي تاريخيا وحضاريا وفي جزء كبير منها حق من حقوق الكثير من الشعوب الأخرى غير الكردية ولو كان الأمر بذات السهولة لشاهدنا الألوان والخرائط أكثر حتى من عدد نسمات الشعوب . المهم من كل هذه البالونات هو تذكير كل حي بحجمه الطبيعي وعدم القفز على الواقع أعتمادا على قراءة خاطئة لكل معطياته . والأكراد في كل مكان يحق لهم تحديد طرق تقرير المصير سواء كان ذلك بأضعف الأيمان أو بالنار والحديد متحملين في ذلك تبعات الطريق الذي أختاروه ولكن اكراد العراق لا يحق لهم المغامرة بالمكاسب التي حققتها كردستان العراق لأنها وطن الجميع ولا يحق لهم تكريس أرضها في خدمة الأخرين وبالسياسة والحوار يمكن أن نثبت للعالم بان كردستان ليست طرفا في المشكلة وما تقوم به تركيا ليس سوى سعي ألى حماية اقدامها العارية من البرد القارس والصقيع الذي سيلف المنطقة والعالم في حالة حدوث تدخل عسكري واسع واعذارها في ذلك واهية وغير مقنعة لأنها تلبس العراق ثوبا لا يلائم الشمال ذلك المشغول بالاعمار والتنمية ولا الجنوب الباحث عن نسمة أمان في شوارع مدن اكتظت بالأرهاب .وليس على تركيا وكل دول المنطقة سوى الأعتراف بالواقع وما أعتبر فأرا في الأمس لن يسمح العالم اليوم لتركيا بأفتراسه خصوصا بعد أن أصبحت قطة أليفة تفكر أكثر مما تتحامق . أما لو أرادت أن تغامر أو تتورط فالجبال والثلوج جاهزة والمتمردون كثر وأحمض ما عندك أطبخوا يا طباخ .
عصام سليمان – تلكيف .
Assyrian_publisher@yahoo.com