Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

شكراً للأستاذ المالكي لكن نطلب اعتذار الحكومة لشعبنا المسيحي

سوف لا نحاول في هذا المقال إثبات تأثيل وعراقة المسيحيين العراقيين من القوميات المتآخية الكلدانية والأرمنية والسريانية والآشورية ، وامتداد جذورهم الى سحيق الأزمنة التاريخية في تربة الوطن العراقي لأن ذلك مثل من يحاول إثبات حقيقة ان الشمس تبزغ من الشرق وتغيب في الغرب ، لكن نورد بعض الأرقام التي تتناول التاريخ الديموغرافي للمسيحيين في المنطقة التي تعرف اليوم بالمشرق العربي وكانت هذه المنطقة التي نقصد بها الدول المعاصرة : السعودية وسوريا الكبرى ومصر وبلاد الرافدين في لحظة بداية الوحي الأسلامي حيث ان التقديرات السكانية تشير الى تعداد 15 مليون نسمة من المسيحيين وأقل من ربع مليون نسمة من اليهود ولا يوجد مسلم واحد وذلك في مطاوي القرن السابع الميلادي .
وكانت بلاد الرافدين اكثر هذه الدول كثافة للسكان حيث تبلغ نفوسه بحدود 9 ملايين نسمة 90% منهم مسيحيون ( راجع فيليب فارج ويوسف كرباج " المسيحيون واليهود في التاريخ الأسلامي العربي والتركي " ترجمة بشير السباعي ص 44 ط1 سنة 1994 القاهرة ) .
كان في صالح الفتح الأسلامي هو الحروب التي انهكت كل من بيزنطة وفارس وكانت بلاد الرافدين تنتقل بالتناوب من نير الى آخر حيث يتعرضون للأبتزاز لتمويل آلة الحرب العسكرية ، وكانوا مستعدين لتغيير سادتهم .
منذ زمن نبي الأسلام محمد بن عبد الله قسم البشرية الى مجموعتين : البلد الذي تديره الدولة الأسلامية وهي دار السلام ، وبقية الكون هو دار حرب يجب فتحه ، فالحرب توسع دار الأسلام على حساب رقعه دار الحرب .
ومنذ الفتح الأسلامي تدهورت حالة المسيحيين وأخذت أعدادهم في التناقض ، حيث كانت تفرض عليهم الجزية والخراج إضافة الى التشريعات الغريبة التي كانت تتخذ بحق الذمي التي كانت تنتقص منزلته الأنسانية ، وهي كثيرة ومن يريد مراجعتها فهي مدونة في كتاب " ابن قيم الجوزية : احكام اهل الذمة " وهي احكام غريبة تنتقص من مكانة الأنسان وتبتعد عن روح العصر المتسمة بتساوي كل البشر بغض النظر عن اللون او العرق او الدين او المذهب ...
كل تلك المظالم والتمييز الهائل بين المسلم واللامسلم اجبر سكان العراق للتحويل عن دينهم الى الدين الجديد وغيروا لغتهم الى لغة القوم المنتصر .
ومنذ تاريخ الفتح الأسلامي بدأ عدد المسيحيين واليهود في العراق في التناقص وكانت أحوالهم تتذبذب وفق مزاج الحاكم وسيطرة إسلام أصولي ، بعضهم يميل الى تخفيف هذه الأحكام التمييزية الظالمة ، وآخر يشدد في تطبيقها ، ولكن المحصلة الأخيرة كانت تصب في صالح التشديد .
اليوم
ينبغي ان تعرف حكومتنا ان المسيحيين في العراق ليسوا اهل الذمة ، إننا مواطنون عراقيون من الدرجة الأولى ، نحن معنيين بالدفاع عن وطننا العراق ، ولا نطلب من الحكومة حمايتنا من عدوان خارجي ، لكننا نطلب من الحكومة حمايتنا من اللصوص والعصابات الأجرامية والمنظمات الأرهابية التي تقتل المسيحيين والمسلمين واليزيدية على حد سواء ، فعلى الحكومة العراقية ان تتعامل مواطنيها بمفاهيم عصرية متطورة مبنية على الديمقراطية وحقوق الأنسان وحقوق الأقليات التي تقرها المعاهدات الدولية ولوائح حقوق الأنسان .
نحن مواطنون عراقيون نحمل شهادة الجنسية العرقية مثلما يحملها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ويحملها الفلاح او العامل العراقي في البصرة او في السليمانية او أي منطقة من مناطق العراق .
إن ما ترتكبه التنظيمات الأرهابية والعصابات الأجرامية من القتل والتنكيل بحقنا يدل على الروح الحاقدة التي تحملها تلك التنظيمات على كل ما هو عراقي اصيل .
ان الأنصاف والعقلانية تقتضي ان نشكر دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي لدى مقابلته البطريرك ـ الكاردينال عمانوئيل الثالث دلي ، الرئيس الديني للشعب الكلداني في العراق والعالم . حيث قال :
إننا ندعم المسيحيين في العراق وندافع عن حقوقهم ونعمل على تحقيق مطالبهم لتمكينهم من البقاء في الوطن وعدم اللجوء الى الهجرة .
وأضاف سيادته :
ان الحكومة مستعدة لتقديم شتى انواع الدعم من اجل عودة المهاجرين من المسيحيين وتوفير ظروف الحياة الحرة الكريمة لجميع العراقيين .
وختم المالكي حديثه للكاردينال عمانوئيل دلي بقوله :
إن تكريمكم بهذا المنصب هو تكريم للعراقيين ، ونصر للعراق وتعزيز لمكانته في العالم ، خصوصاً في ظل مواجهة الأرهاب والتطرف والطائفية ، وإن الحكومة ستقدم كل ما تستطيع في سبيل إنجاح مهمتكم .
ومن جانبه قال الكاردينال البطريرك عمانوئيل الثالث دلي : انه يبارك جهود الحكومة في العراقية في بسط الأمن وفرض سلطة القانون ، مشدداً ان يعمل على وضع هذا المنصب في خدمة جميع العراقيين .
هذه خطوة جيدة من جهة ان الحكومة العراقية تدرك حجم المعانات التي يتحملها المسيحيون العراقيون وهي بصدد التخفيف عنهم .
لكن يبقى الموقف المطلوب من الحكومة العراقية قائماً وهو ان تعتذر الحكومة العراقية لشعبها المسيحي ، ليس بسبب تعريفهم بالجالية المسيحية فحسب ـ إنما لسكوتها المطبق لكل ما تعرض له هذا الشعب بسبب هويته الدينية ، وتعويضه عما لحق به من نهب وسلب وقتل وخطف وتهجير ، وأخيراً ما بدر منها باعتبار المسيحيين بكونهم جالية مسيحية . والجالية كما هو معروف هم المهاجرون الذين تركوا اوطانهم ونزلوا مدينة او بلاداً غريبة فتوطنوها ، فإن كنا جالية فمن اين قدمنا للعراق ؟
إن الحكومة العراقية مطلوب ان تتسم بفضيلة وشجاعة الأعتذار للعراقيين المسيحيين .
حبيب تومي / اوسلو
habibtomi@yahoo.com Opinions