صالونات الثقافة ودورها في الحياة العراقية
نشطت في الآونة الأخيرة صالونات أو ديوانيات للثقافة والأدب والحوار المتمدن وقد قرنت أسماءها بشخصيات معروفة في الأوساط العراقية وهي تثير تساؤلات كثيرة أبرزها هل هي منتديات للترفيه أم للتغيير وهل لها القدرة إن تلعب دورا فعالا في الحياة العراقية .قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد إن نتذكر جذور هذه الظاهرة القديمة بقدر قدم العراق فذكرت لنا كتب التاريخ انعقاد مثل هذه المجالس عبر الحضارات القديمة مرورا في عصر الجاهلية والعصور الإسلامية المختلفة وشهدت بغداد بالأمس القريب العديد من هذه الصالونات الثقافية والفنية التي أغنت الحياة السياسية في الرؤى والأفكار ومزجت ما بين كل الاختصاصات في محاولة لوضع أسس بناء دولة عراقية عصرية ونشطت هذه المنتديات في الحقبة الملكية في العراق .
وبعد ثورة 1958 قوضت هذه الصالونات بسبب الانقلابات العسكرية التي عمت البلاد وتناحر الأحزاب وهيمنتها على العملية السياسية ثم جاءت الكارثة الكبرى التي ألغت جميع هذه الفعاليات في عام 1968 وأبقت فقط على هياكل جامدة لحزب البعث وأوجدت له واجهات مهنية وثقافية مؤدلجة وحتى بعض الصالونات المحدودة التي ظهرت نهاية القرن الماضي كانت أدبية محضة ولم تستطع إن تتجاوز حدود الزمان والمكان لأنها كانت تؤمن إن للحيطان أذان .
وبعد سقوط النظام عام 2003 شهدنا هجمة للهيمنة على مقدرات العراق تتزعمها مجموعة شخصيات مؤتلفة في أربع أو خمس تيارات معروفة وحاولت التعاون مع الأمريكان إن تتعجل في إصدار دستور من ثم تشكل مجلس حكم ومن ثم حكومة وبرلمان وبين هذا وذاك لم نسمع صوتا لمفكر ينطق باسمه أو يتدوال مع الآخرين في شؤون الوطن في مجلس أو صالون ويبدوا إن الأزمات المتلاحقة التي انهالت على البلاد والشعور بفشل التجربة الديمقراطية بعد سبع سنوات من الشروع هو السبب في اختيار المفكرين العزلة وعدم التحرك مع الآخرين .
ونتيجة لتعاظم الشعور بالأمل والدعوة إلى الإصلاح في ظل هذه الأجواء انتعشت بعض المجالس واستقطبت نخب مثقفة من كل الأجيال في محاولة لاستذكار ما حصل وتدارس ممكنات إنقاذ العراق ولعل من أهم هذه المجالس منتدى كاشف الغطاء حيث استضافت العديد من الشخصيات المهتمة بالشأن الثقافي ، ومنتدى رواق المعرفة الذي استضاف الكثير من المثقفين والاكاديميين والمبدعين كل جمعة ، ومنتدى المدى الثقافي الذي يستظيف كل يوم جمعة في منتداه الكائن في شارع المتنبي العديد من الشخصيات ، ومنتدى جاسم الربيعي الذي يستظيف النخبة من الشعراء والادباء والشخصيات البغدادية المعروفة ، ومنتدى صفية السهيل الذي يستظيف النخبة من المفكرين والفنانين والرواد من الفنانيين والوزراء والكثير من المنتديات الذي سنذكرها بمقالات لاحقة وبالتفصيل عن فعالياتها وحضورها .
واليوم نتناول فعاليات منتدى رواق المعرفة الذي يقام كل يوم جمعة في منزل النائب أياد جمال الدين في الجادرية ويشرف عليه الإعلامي ناصر الياسري وان من أهداف هذا الصالون الثقافي والمعرفي هو كسر الجمود السياسي الذي ساد الحياة العامة وجعلها تعيش في ركود تام حيث أصاب مقتلا الحياة الثقافية والفكرية في العراق واعتقد إن انطلاق صالون رواق المعرفة قد ساهم بتحريك هذا الجمود النخبوي و تحت إطلالة مشرقة من اجل بناء ثقافة الحوار السلمي والرأي والرأي الآخر والحقيقية وجدت من خلال حضوري إحدى هذه الأماسي هو ذلك المستوى الرائع في الطرح والنقاش وكذلك مستوى الحضور المتعدد المشارب والاتجاهات .
وقد بادر المشرفون على صالون رواق المعرفة على دعوة الشخصيات السياسية والدينية والأكاديمية والفنية ونخبة من المثقفين العراقيين الذين اغنو رواد المنتدى بفيض من الرؤى والأفكار وهم :
( الباحث احمد القبنجي / هل نحن بحاجة إلى دين ) (الدكتور شفيق المهدي / السينما والمسرح بعد 2003 ) ( الأستاذ طارق حرب / بحوث قانونية ) (الدكتور حيدر الدهوي / الخروج نحو الكمال ) ( الشاعر موفق محمد / قراءات شعرية ) (الدكتور الحمداني / الحكومة الالكترونية ) (الدكتور سالم الالوسي / آثار العراق بعد 2003 ) (الدكتور عبدالكريم السوداني / الإعلام العراقي ) (الدكتور فاضل خليل / المسرح العراقي ) (الأستاذ رعد حمودي / الرياضة بعد عام 2003 ) (الأستاذ معتز عناد غزوان / الفن في العراق ) (الدكتور عبدالزهرة آل ماجد / التربية والتعليم الواقع والطموح ) (ندوة استذكارية للراحل مصطفى جمال الدين ) (ندوة استذكارية حول تأسيس مدينة بغداد ) .
المهم في هذه الصالونات أنها أثارت شجون وهموم الحاضرين وبينهم عراقيون جاءوا من الخارج فقد اعترف الجميع من أقصى اليمين الإسلامي إلى أقصى اليسار الشيوعي بان البلاد مازالت تعيش في فوضى لأنها بلا تخطيط وبدون تنمية بشرية بل إنها تشهد اكبر عملية في التاريخ بتنمية الجهل والتخلف وتعظيم ثروات الفاسدين ودعم الطارئين والمزورين والمتنفذين لاحتلال الكراسي والمناصب لجني المكاسب .
firashamdani@yahoo.com