صحفيو العراق يمارسون مهنتهم في حقول الألغام
وليم وردايواجه العمل الاعلامي والصحفي في العراق تحديات كبيرة ويشهد كل يوم يمر أخبار فضيعة عن استهداف صحفيين وتفجير مؤسسات اعلامية فاعلة ، فقد وصلت الاحصائية قبل أيام قلائل بعد مقتل الأذاعية العراقية المعروفة خمائل محسن كما أكدها مرصد الحريات الصحفية (منظمة مستقلة مقرها بغداد تعني بالدفاع عن الصحفيين والحريات الصحفية) الى 187 صحفيا واعلاميا، وشهد العراق على مدى الاربعة سنوات الماضية الى 49 عملية اختطاف طالت صحفيين واعلاميين عراقيين واجانب قتل أغلبهم وما زال في عداد المفقودين 11 منهم كان اخرهم قبل بضعة ايام الصحفي عثمان المشهداني مراسل لصحيفة الوطن السعودية ومجلة الوطن العربي ، وان وتيرة الانتهاكات المرعبة التي تمارس ضد الصحفيين العراقيين ازدادت خلال الشهرين المنصرمين (شباط واذار وبداية نيسان) بشكل ملفت ودون رادع او رقيب ، فقد تم تفجير فضائية بغداد العائدة الى الحزب الاسلامي في العراق ومقتل معاون مدير القناة وجرح العديد من العاملين في القناة ، وغلق مكتب الشرقية تحت يافطة قانون مكافحة الارهاب بعد اتهامها بالتحريض الطائفي ، وتعرض صحفيون من صحف وقنوات تلفزيونية الى اطلاق نار من قوات امريكية وعراقية اثناء تغطيتهم احداث الديوانية ، وتم قتل حسين الجبوري رئيس تحرير صحيفة السفير وعدد اخر من الصحفيين في عمليات ومناطق متفرقة من العراق . كل هذا يجري امام انظار ومسمع الحكومة من دون ان تقدم الحكومة أية ضمانات حقيقية لوقف هذه الانتهاكات ، اذ ليس من المنطق او المعقول ان يستمر مسلسل التصفيات الجسدية الى ما لا نهاية لمجرد الاختلافات في الرأي أو كشف الحقائق والوقائع كما هي في الساحة العراقية .. وفي ظل هذا العنف تجاه الصحفيين في العراق بدأ الصحفيين بأتخاذ تدابير ذاتية تجنبا للخطر ولحفاظ حياتهم واصبحت تحركاتهم اخطبوطية ، فقد عمد عدد كبير منهم الى تغيير هوياتهم بعد ان كانت هوية الصحفي في العراق تعد مكسبا يعتز بها وبمثابة عنوان شرف عندما يقوم بابرازها في المناطق التي يرتادها اوالمؤسسات التي يود الدخول اليها من أجل ممارسة مهمته. الا ان وبسبب تصاعد عمليات الاستهداف والاختطاف بدا الصحفيون يتجنبون التعريف بانفسهم وتغيير هويتهم ومحاولة الظهور بمظاهر لا توحي بمهنتهم ومهماتهم .
كما دفع العنف الدموي تجاه شهود الحقيقة ليقوم عدد من الصحفيين الى تغيير اسمائهم والكتابة بأسماء مستعارة أو تحت مسميات اخرى.
فيما اكد أحد الصفيين بأنه يتحرك بهوية احوال مدنية مزورة ،غير فيها اسمه ودينه في حقل الديانة المعروف في الهويات العراقية بحيث يوحي من ديانة اخرى لكي يتمكن من تجاوز نقاط التفتيش التي ربما تكون وهمية (غير رسمية) والتي تمارس القتل على اساس طائفي او على الهوية ، واكد انه احيانا يحمل أكثر من هوية بحيث يوفر له ذلك فرصة تغييرها اثناء ابرازها حسب المفارز التي تواجهه أو المناطق التي يتحرك فيها. فيما يؤكد مديرقناة فضائية عراقية معروفة انه يقوم بتغيير انواع السيارات التي يتوجه بها الى محطته بين فترة واخرى وكذلك تغيير طريقه اليومي الى مكان عمله . كما توجه كثير من الصحفيين الى الاهتمام بمواضييع خارج اطار اهتماماتهم السابقة فانتقل على سبيل المثال وليس الحصر من كاتب عمود او مقال سياسي الى صحفي رياضي او الاهتمام بالكتابة في الامور الثقافية البعيدة كل البعد عن الجوانب السياسية ذات المساس بمجريات الوضع السياسي وتجاذباته او تقاطعاته ، تجنبا لئلا تفسر كتاباته بعكس القصد ويكون هدفا لفرق الموت والاغتيال التي اصبحت تستهدف ليس فقط الصحفيين وانما الادباء والفنانين وواساتذة الجامعات وغيرهم من العناصر المثقفة .
واذا كان تغيير الاسم والهوية خدم بعض الصحفيين لبعض الوقت الا انه لم يشفع الاخرين منهم لكون اسمائهم اصبحت معروفة للكثير خاصة الذين يعملون في محطات تلفزيونية واذاعية وصحف معروفة ومواقع انترنيت ، لذا عمدوا الى تغيير اماكن اقامتهم او سكناهم ، وينتقلون من منطقة الى اخرى بحثا عن مكان أكثر امنا .
واشار صحفي يعمل في احدى الصحف الاسبوعية ببغداد انه قرر ترك منطقته ومنزله الذي كان يملكه في بغداد لينتقل الى مدينة صغيرة شمال الموصل، يعتقد انه سيكون في منأى من تهديدات العناصر المسلحة التي يتلقاها يوميا في بغداد ، ويقتضي الوضع الجديد منه الى ان يسكن بأيجار وبمبلغ كبير يشكل عبئا اقتصاديا عليه مع تدهور الوضع المدرسي لأولاده ،وان يرسل موضوعاته الى الصحيفة عبر الانترنيت .
كما أكد رئيس تحرير صحيفة اسبوعية في بغداد انهم يواحهون مشكلة توزيع صحيفتهم ، اذ يحظر على صحف ان تدخل او توزع في مدن ومناطق محددة ، حيث يقتل اصحاب المكتبات التي تعرضها او تبيعها ، واشار الى ان موزع جريدته قتل قبل شهرين في منطقة الخالص( مدينة بين بغداد وكركوك) وهو في طريقه لأخذ الجريدة من بغداد الى كركوك ومناطق نينوى والمحافظات الشمالية .
ان استهداف المؤسسات والمراكز الاعلامية ومكاتب القنوات الفضائية دفع الكثير منها الى اتخاذ تدابير واحتياطات امنية واسعة ، وتحولت تلك المؤسسات وكأنها معسكرات وثكنات عسكرية عندما ينظر اليها من بعيد او عند المرور من قربها. وقد اكد احد مدراء احدى المحطات بأن النفقات التي تنفق لحماية المحطة تساوي ولربما احيانا اكثر من كلفة البرامج التي تنتجها المحطة نفسها.
وفي موقع اخر اشار احد الصحفيين الذي يعمل محررا في قناة فضائية ببغداد ، عندما اتوجه الى عملي كأنني ادخل ثكنة عسكرية حيث الاعمدة الكونكريتية التي يزيد ارتفاعها عن اربعة امتار تطوق القناة ، والمتاريس والحواجز على طريق الدخول وعملية التفتيش التي غالبا ما تؤخر انسيابية الاداء وسهولة استقبال الضيوف للمحطة .
كما دفع الوضع عدد غير قليل من الصحفيين الى ممارسة عملهم من بيوتهم عبر شبكات الانترنيت ، على الرغم من ضعف هذه الشبكة في العراق، وانقطاعات الكهرباء المستمرة ، وقسم منهم آثر المبيت أو البقاء في مكان عمله بشكل مستمر لتجنب النزول الى الشارع ، وهذا العمل بحد ذاته يشكل قطيعة وحالة عدم التواصل المباشر مع الاحداث وحركة المجتمع ، وهي ظاهرة لا تتلاءم مع جوهر العمل الصحفي . وفي ظل هذا الحصار والتحديات والضغط النفسي الذي يواجهه الصحفيون ،اضطر عدد منهم لمغادرة الوطن بعد ان تلقوا تهديدات مستمرة وتعرض قسم منهم الى الاختطاف واطلق سراحهم مقابل دفع اموال كبيرة كفدية استنفذت كل ما يملكونه .
وتشير احصائية نشرها موقع نركال كيت (موقع اخباري مستقل) تم اعدادها وجمعها من من معلومات سبق وان اعلنت عنها مؤسسات تعمل من اجل الحريات الصحفية ، منها مرصد الحريات الصحفية ومراسلون بلا حدود والجمعية العراقية للدفاع عن الحريات الصحفية وجهود الموقع نفسه الى تفاصيل وافية عن 120 صحفي قتلوا في العراق، 78 منهم قتلوا على ايدي مسلحين مجهولين أو ميليشيات ، و23 صحفيا لقوا حتفهم أثناء تواجدهم في اماكن حدثت فيها انفجارات ،و17 صحفي قتل بنيران القوات الأمريكية، واثنان(2) قتلا بنيران القوات العراقية .
أن وضع الصحفيين في العراق أصبح صعبا وخطرا ، وانهم يعيشون في دوامة الرعب و يتفقون ان مهنتهم في العراق اضحت مهنة موت وليست مهنة متاعب فقط .ولكي يستطيعوا ان يمارسوا مهنتهم في العراق دون مشاكل ، عليهم ان يتدربوا كيفية السير في حقول الألغام .