صدام والفخ الأمريكي المدمر/ كتاب في حلقات/ الحلقة الخامسة
21/7/2009مجلس الأمن في خدمة المخططات الأمريكية ضد العراق
بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وبداية مرحلة انهيار الاتحاد السوفيتي، وتلاشي تأثيره الدولي حيث كان يقف نداً لمخططات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في مجلس الأمن، وعلى الساحة الدولية في ظل سيادة القطبين الدوليين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، باتت الولايات المتحدة القطب الأوحد في العالم أجمع، واستطاعت فرض هيمنتها المطلقة على مجلس الأمن الدولي.
وهكذا سارعت الولايات المتحدة إلى دعوة مجلس الأمن إلى اجتماع عاجل، في 2 آب 1990، ليقرر إعطاءها الغطاء الذي تحتاجه لتوجيه الضربة القاضية للعراق، وتصفية قدراته العسكرية، وتدمير بنيته الاقتصادية، واستطاعت استصدار عشرات القرارات الصارمة ضد العراق، دون أن تلقى معارضة تذكر من سائر أعضاء مجلس الأمن، وكان أقصى ما استطاعت الدول التي كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع نظام صدام في مجلس الأمن هو الامتناع عن التصويت، كما فعلت الصين، أو الغياب عن حضور الجلسة، كما فعل مندوب اليمن.
كانت بادرة تلك القرارات القاسية ضد العراق هو القرار رقم 660، الذي صادق عليه ممثلي 14 دولة، وغابت اليمن عن حضور الجلسة، وهذا هو نص القرار:
قرار رقم 660
إن مجلس الأمن
إذ يثير جزعه غزو القوات العسكرية العراقية للكويت في 2 آب / أغسطس 1990 وإذ يقرر أنه يوجد خرق للسلم والأمن الدوليين فيما يتعلق بالغزو العراقي للكويت وإذ يتصرف بموجب المادتين 39، و40 من ميثاق الأمم المتحدة يقرر:
1ـ يدين الغزو العراقي للكويت.
2ـ يطالب بأن يسحب العراق جميع قواته فوراً ودون قيد أو شرط إلى المواقع التي كانت تتواجد فيها في 1 آب 1990.
3ـ يدعو العراق والكويت إلى البدء فوراً في مفاوضات مكثفة لحل
خلافاتهما، ويؤيد جميع الجهود المبذولة في هذا الصدد، وبوجه خاص جهود جامعة الدول العربية.
4ـ يقرر أن يجتمع ثانية حسب الاقتضاء للنظر في خطوات الأخرى لضمان الامتثال لهذا القرار. (1)
وفي حقيقة الأمر فأن هذا القرار لم يكن سوى تغطية للقرار الذي اتخذته الولايات المتحدة لضرب العراق، فقد سبق للرئيس بوش أن أبلغ الرئيس المصري حسني مبارك، عندما دعا إلى عقد مؤتمر للقمة العربية لبحث الغزو العراقي للكويت، وسبل معالجة الأزمة الناشئة عنه، إلى أن وقت القمم قد فات، وأنه قد أتخذ قراره بالتدخل العسكري.
وفي نفس ذلك اليوم كان بوش مجتمعاً مع رئيسة وزراء بريطانيا [ماركريت تاتشر] التي كانت في زيارة رسمية للولايات المتحدة، وقد أبدت تاتشر حماساً منقطع النظير في استخدام القوة العسكرية ضد العراق، وشدت من عزم بوش، وأعلنت أن بريطانيا تضع يدها بيد الولايات المتحدة في هذا السبيل.(2)
ثانيا:الملك حسين يحاول إنقاذ نظام صدام من ورطته
في الثالث من آب وصل الملك حسين، ملك الأردن، إلى بغداد، في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، والتقى على الفور بصدام حسين، وبدأ الملك حسين يتحدث عن تطورات الأزمة، وخطورة الموقف، موضحاً لصدام بأنه يعرف الغرب جيداً، إنهم عازمون على التدخل العسكري، لكن صدام ردّ عليه قائلاً:
{إن الغرب لا يستطيع إدخال الرعب في قلبه}.
وحاول الملك حسين أن يثني صدام عن مواقفه، مؤكداً له حتمية التدخل الغربي، وما سوف يجر من ويلات ومآسي ومخاطر جسيمة، ليس على العراق فحسب وإنما على مصير الأمة العربية جمعاء، ورجاه الانسحاب من الكويت قبل فوات الأوان.
كان صدام حسين في حالة من الارتباك والتردد، بعد صدور قرار مجلس الأمن، وحسب قول الملك حسين، أن صدام كان قد وعده بالانسحاب خلال أسابيع، وأنه قد ردّ عليه قائلا ً:
{أن أمامه ساعات، وليس أسابيع}.
وأخيراً أبلغ صدام الملك حسين بأنه سيعرض اقتراحاته على مجلس قيادة الثورة، وأبدى موافقته على عقد القمة المقترحة، لكنه أعتذر عن حضورها شخصياً، وابلغ الملك حسين بأنه سيوفد عنه النائب الأول لرئيس الوزراء طه ياسين رمضان، لكنه اشترط عدم حضور أميرالكويت المؤتمر. (3)
غادر الملك حسين بغداد، وبينما كان في طريق العودة اتصل به صدام حسين، وهو في الطائرة، وابلغه موافقة مجلس قيادة الثورة على حضور القمة، شرط أن لا يصدر وزراء الخارجية العرب قراراً ضد العراق.
سارع الملك حسين إلى الاتصال بوزير خارجيته الموجود في القاهرة، وطلب إليه إبلاغ وزراء الخارجية العرب بما تم الاتفاق عليه مع الرئيس صدام حسين.
غير أن مصر سارعت، قبل أن يجتمع وزراء الخارجية العرب، إلى إصدار بيان، بضغط أمريكي، يدين الغزو العراقي للكويت، ويطلب من العراق سحب قواته منها وقد أدى ذلك إلى انقسام كبير في صفوف وزراء الخارجية العرب.
أسرع الملك حسين إلى الاتصال بالملك فهد ليبلغه أن صدام وافق على عقد القمة المقترحة في جدة يوم 4 آب، كما وافق من حيث المبدأ على الانسحاب من الكويت.
كان الملك فهد في حالة نفسية متوترة، وأبلغ الملك حسين أن لا فائدة من أي مؤتمر، وإنه يخشى من أن يكون هناك خدعة جديدة من صدام.
لقد بدا واضحاً أن الضغط الأمريكي على مصر، والسعودية، وحكام الخليج قد أفلح في إفشال أي محاولة لنزع فتيل الحرب التي أعدت لها الولايات المتحدة عن سابق تصميم .
وفي اليوم التالي، بادر الملك فهد إلى الاتصال بالملك حسين، وأبلغه أن الصور التي ترسلها الأقمار الصناعية الأمريكية تظهر تقدم الدبابات والمدرعات العراقية باتجاه الحدود السعودية.
أوقعت تلك الأخبار الملك حسين في حيرة، وأبلغ الملك فهد بأنه سيتصل بصدام فوراً، ويستفسر منه عن الأمر.
وبالفعل اتصل الملك حسين بصدام، وسأله عما سمعه من الملك فهد، إلا أن صدام أنكر ذلك، واخبر الملك حسين أن القوات العراقية على بعد 30 كم من الحدود السعودية.
ثم عاد الملك حسين وسأل صدام عن موعد سحب القوات العراقية، فأجابه صدام بأن القوات العراقية قد باشرت فعلاً بالانسحاب، وقد عاد لواء عراقي إلى داخل الحدود العراقية، وأن سحب القوات يتطلب وقتاً.
لكن صدام حسين لم يكن صادقاً في كلامه عن الانسحاب إطلاقاً، وكان يرمي إلى إنشاء حكومة وهمية في الكويت ليس لها في الواقع أي وجود، بغية كسب الوقت، وإعلان ضم الكويت للعراق.
عاد الملك حسين إلى الاتصال بالملك فهد، وابلغه عما دار بينه وبين صدام في المكالمة الهاتفية، وقد بدا الملك فهد غير مرتاح لكل ذلك، وغير مصدق لأي كلام يصدر من صدام، وطلب من الملك حسين أن يحضر بنفسه إلى جدة للتحدث مع الملك بالتفصيل عن واقع الأمور، إلا أن الملك فهد أعتذر عن استقباله، لانشغاله في أمور هامة وكثيرة، وأبلغ الملك فهد بأنه سيرسل الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية إلى عمان لبحث الموضوع.
وعاد الديوان الملكي السعودي وأتصل بالديوان الملكي الأردني، وأبلغه بأن الأمير سعود سوف لن يتمكن من السفر إلى الأردن، بسبب حضوره اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وأن الملك فهد سيوفد إلى عمان وزير التعليم عبد العزيز الخويطر، كمبعوث خاص له.
واستقبل الملك حسين الوزير السعودي في عمان، وشرح له ما دار بينه وبين صدام حسين، وتحدث عن خطورة الموقف، وضرورة معالجة الأزمة عربياً، قبل أن تستفحل الأمور، وتؤدي إلى كارثة لا أحد يعرف مداها.
كما أبدي الملك حسين تخوفه من أن تقدم السعودية على غلق أنبوب النفط العراقي المار عبر السعودية، ويؤدي إلى تعقد الأمور، ويدفعها نحو الصدام، وقد رد عليه الوزير السعودي أن ذلك مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة!!.
وعلى الجانب الأمريكي، كان الرئيس بوش قد جمع كبار جنرالاته المكلفين بتنفيذ خطة التدخل السريع [ 1002ـ 90 ]، بالإضافة إلى مستشاره للأمن القومي [برنت سكوكرفت] في الرابع من آب، ليضع اللمسات الأخيرة على خطط الولايات المتحدة بأسرع ما يمكن، ذلك أنه كان يشعر بالقلق لتحركات الملك حسين التي خشي أن تؤثر على الملك فهد، وتجعله يرضى بالحلول الوسط مع بغداد، مما يفشل المخطط الأمريكي لضرب العراق، وخاصة وأن الملك فهد لم يقرر بعد حتى تلك الساعة الموافقة على نزول القوات الأمريكية والحليفة في السعودية، خوفاً من رد فعل صدام حسين فيما إذا اتخذ القرار بالموافقة.
وخلال المناقشات اقترح جون سنونو على الرئيس بوش أن تشارك قوات عربية وإسلامية في التحشد، لتكّون غطاء للقوات الأمريكية والحليفة، واستهوت الفكرة الرئيس بوش، وقال على الفور إنه سوف يوفر الغطاء المطلوب بأسرع وقت، وطلب من وزير دفاعه [ديك تشيني] السفر إلى السعودية، وطلب منه أن يصطحب معه الجنرال [شوارتزكوف] قائد قوات التدخل السريع، للالتقاء بالملك فهد، وترتيب الأمور معه، وتم الاتصال بالملك، الذي أبدى استعداده لاستقبال تشيني والوفد المرافق له.
وفي الوقت نفسه أتصل بوش بالملك الحسن الثاني، والرئيس المصري
حسني مبارك، والرئيس السوري حافظ الأسد، وتباحث معهم حول موضوع المشاركة في الحشد العسكري ضد العراق.
أما ديك تشيني، والجنرال شوارتزكوف، فقد غادرا إلى السعودية على عجل للقاء الملك فهد، حيث وصلا جدة يوم 6 آب، يصحبهما نائب مدير وكالة المخابرات المركزية [روبرت جبتس].
لكن الرئيس الأمريكي بوش الذي لم يكن راضياً بكل التحركات التي يجريها القادة العرب لإنقاذ نظام صدام، مضى في تنفيذ مخططه، بعد أن وقع صدام في الفخ.
وتقدم بمشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن الدولي، يقضي بفرض عقوبات اقتصادية، وسياسية، وعسكرية شاملة وقاسية على العراق لم يسبق أن اصدر مجلس الأمن مثلها من قبل في كل تاريخ الأمم المتحدة، وفيما يلي نص القرار:
قرار رقم 661 ـ 6 آب 1990
أن مجلس الأمن :
إذ يعيد تأكيد قراره رقم 660 ، المؤرخ في 2 آب 1990، وإذ يساوره القلق إزاء عدم تنفيذ ذلك القرار، لأن غزو العراق للكويت لا يزال مستمراً، ويسبب المزيد من الخسائر في الأرواح، ومن الدمار المادي، وتصميماً منه على إنهاء غزو العراق للكويت، واحتلاله لها، وعلى إعادة سيادة واستقلال الكويت، وسلامتها الإقليمية. وإذ يلاحظ أن حكومة الكويت الشرعية قد أعربت عن استعدادها للامتثال للقرار 660، وإذ يضع في اعتباره المسؤوليات الموكلة إليه بموجب ميثاق الأمم المتحدة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
وإذ يؤكد الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس، فردياً وجماعياً، رداً على الهجوم المسلح الذي قام به العراق ضد الكويت، وفقاً للمادة 51 من الميثاق. وإذ يتصرف وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
1ـ يقرر أن العراق لم يمتثل للفقرة 2 من القرار 660، في 1990، واغتصب سلطة الحكومة الشرعية في الكويت.
2ـ يقرر نتيجة لذلك، اتخاذ التدابير التالية لضمان امتثال العراق للفقرة 2 من القرار 660، وإعادة السلطة إلى الحكومة الشرعية في الكويت.
3 ـ يقرر أن تمنع جميع الدول مما يلي:
(أ) ـ استيراد أي من السلع والمنتجات التي يكون مصدرها العراق أو الكويت، وتكون مصدرة منها بعد تاريخ هذا القرار إلى أقاليمها.
(ب) ـ أية أنشطة يقوم بها رعاياها، أو تتم في أقاليمها، ويكون من شأنها تعزيز، أو يقصد بها تعزيز التصدير، أو الشحن العابر لأية سلع أو منتجات من العراق، أو الكويت، وأية تعاملات يقوم بها رعاياها، أو السفن التي ترفع علمها، أو تتم في أقاليمها بشأن أية سلع أو منتجات يكون مصدرها العراق أو الكويت، وتكون مصدرة منها بعد تاريخ هذا القرار، بما في ذلك على وجه الخصوص أي تحويل للأموال إلى العراق أو الكويت لأغراض القيام بهذه الأنشطة أو التعاملات.
( ج) ـ أية عمليات بيع أو توريد يقوم بها رعاياها، أو تتم من أقاليمها، أو باستخدام السفن التي ترفع علمها، لأية سلع أو منتجات، بما في ذلك الأسلحة أو أية معدات عسكرية أخرى، سواء كان منشأها في أقاليمها أو لم يكن، ولا تشمل الإمدادات المخصصة بالتحديد الأغراض الطبية، والمواد الغذائية، في ظروف إنسانية، إلى أي شخص أو هيئة في العراق أو الكويت، أو إلى أي شخص أو هيئة لأغراض عمليات تجارية يضطلع بها العراق أو الكويت، أو منهما، وأية أنشطة يقوم بها رعاياها، أو تتم في أقاليمها، ويكون من شأنها تعزيز عمليات بيع أو توريد هذه السلع أو المنتجات.
4ـ يقرر أن تمتنع جميع الدول عن توفير أية أموال، أو مواد مالية أو اقتصادية أخرى للحكومة العراقية، أو لأية مشاريع تجارية أو صناعية أو لأية مشاريع للمرافق العامة للعراق أو الكويت، وأن تمنع رعاياها، أو أي أشخاص داخل أقاليمها، من إخراج أي أموال، أو موارد من أقاليمها، أو القيام بأي طريقة أخرى بتوفير الأموال والموارد لتلك الحكومة، أو لأي من مشاريعها، ومن تحويل أي أموال أخرى إلى أشخاص أو هيئات داخل العراق أو الكويت، فيما عدا المدفوعات المخصصة بالتحديد للأغراض الطبية، أو الإنسانية، والمواد الغذائية المقدمة في
الظروف الإنسانية.
5ـ يطلب إلى جميع الدول، بما في ذلك الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة، أن تعمل بدقة، وفقاً لأحكام هذا القرار، بغض النظر عن أي عقد تم إبرامه، أو ترخيص تم منحه قبل تاريخ هذا القرار.
5ـ يقرر وفقاً للمادة 28 من النظام الداخلي المؤقت لمجلس الأمن، تشكيل لجنة تابعة لمجلس الأمن، تضم جميع أعضائه، كي تضطلع بالمهام التالية، وتقدم إلى المجلس التقارير المتصلة بعملها مشفوعة بملاحظاتها، وتوصياتها:
( ا) ـ أن تنظر في التقارير التي سيقدمها الأمين العام، عن التقدم المحرز في تنفيذ هذا القرار.
(ب)ـ أن يطلب من جميع الدول، المزيد من المعلومات المتصلة بالاجراءات التي اتخذها فيما يتعلق بالتنفيذ الفعال للأحكام المنصوص
عليها في هذا القرار.
7 ـ يطلب إلى جميع الدول أن تتعاون تعاوناً تاماً مع اللجنة، فيما يتعلق بقيامها بمهمتها بما في ذلك توفير المعلومات التي قد تطلبها اللجنة تنفيذاً لهذا القرار.
8ـ يطلب من الأمين العام تزويد اللجنة بكافة المساعدات اللازمة، واتخاذ الترتيبات اللازمة في الأمانة لهذا الغرض.
9 ـ يقرر، أنه بغض النظر عن الفقرات من 4 إلى 8 أعلاه، لا يوجد في هذا القرار ما يمنع من تقديم المساعدات للحكومة الشرعية للكويت، ويطلب إلى جميع الدول ما يلي:
( أ ) ـ اتخاذ تدابير مناسبة لحماية الأصول التي تملكها حكومة الكويت الشرعية ووكالتها.
(ب) ـ عدم الاعتراف بأي نظام تقيمه سلطة الاحتلال.
10 ـ يطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى المجلس تقارير عن التقدم المحرز في تنفيذ هذا القرار على أن يقدم التقرير الأول خلال 30 يوماً.
11 ـ يقرر أن يبقى هذا البند في جدول أعماله، وأن يواصل بذل الجهود كي يتم إنهاء الغزو الذي قام به العراق في وقت مبكر. (4)
وهكذا أتمت الولايات المتحدة فرض أشد حصار عرفته الأمم المتحدة في تاريخها ضد العراق، وأصبح العراق عاجزاً عن بيع نفطه، وجمدت أمواله في الخارج، وأصبح عاجزاً عن تأمين الحاجات المادية والمعيشية للشعب.
ولم يدرْ في خلد أحد، أن الحصار المفروض سوف يدوم ثلاثة عشر سنة، قاسية، وبحجج مختلفة، ليس ضد صدام ونظامه الدكتاتوري، ولكن ضد الشعب العراقي المغلوب على أمره.
وفي الوقت الذي صدر فيه هذا القرار، أستقبل الملك فهد، وكبار رجالات الدولة السعوديين الوفد الأمريكي برئاسة وزير الدفاع [ديك تشيني]، وتحدث الملك فهد عن علاقاته القديمة بالرئيس بوش، أكد أنه معجب بمواهبه، وصدقه !!.
ثم تلاه في الحديث ديك شيني، مستعرضاً موقف الولايات المتحدة المؤيدة والمساندة للسعودية في كل الأحوال والظروف، وأبلغ الملك فهد قائلاً:
{أن الرئيس بوش يضمن تماماً الوفاء بكل مستلزمات الأمن في المنطقة، وأنه يعتبر صدام حسين يمثل أكبر خطر على المنطقة، ولابدّ من التصدي له، وهذا ما تريده الولايات المتحدة، ولقد أجرى الرئيس بوش اتصالات واسعة مع الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا والصين، من أجل حشد التأييد للإجراءات الأمريكية، وأضاف إن الرئيس بوش مصمم على الدفاع عن السعودية ضد أي هجوم محتمل من العراق، وأنه سيسعى إلى خنق العراق اقتصادياً،عن طريق الحصار الاقتصادي، الذي فرضه مجلس الأمن، بموجب قراره رقم 661}. (5)
وبعد نقاشات مطولة، أعلن الملك فهد عن موافقته على استقبال القوات الأمريكية، والحليفة على الأراضي السعودية.
وفي ختام اللقاء أعلن وزير الدفاع تشيني أنه سيغادر إلى بلاده، تاركاً فريق عمل في السعودية ليرتب الأمور لاستقبال القوات الأمريكية والحليفة، وقد طلب منه الملك أن يتم حشد القوات بكل هدوء، ودون ضجيج لئلا يقدم صدام حسين على العدوان على السعودية، قبل اكتمال الحشد.
وقبل أن يغادر تشيني جدة، أجرى اتصالاً هاتفياً مع بوش، ورئيس أركان الجيش الأمريكي، كولن باول، وأبلغهما بموافقة الملك فهد بنزول القوات الأمريكية والحليفة في السعودية، طالباً المباشرة في الحشد.
وبالفعل صدرت الأوامر بالتحرك، وبدأت طلائع القوات الأمريكية تصل إلى السعودية، حيث وصلت الفرقة 82، المحمولة جواً، يوم 8 آب، كما هبطت 48 طائرة حربية طراز (F15) في قاعدة الظهران الجوية الضخمة. (6)
وفي طريق عودته، التقي وزير الدفاع الأمريكي تشيني بالرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة، وتباحث معه حول مساهمة مصر في الحشد العسكري، وحول تقديم التسهيلات العسكرية لعبور حاملات الطائرات الأمريكية، المسيرة نووياً، لقناة السويس، ثم غادر تشيني إلى المغرب، والتقى بالملك الحسن الثاني، حيث تباحث معه حول مساهمة المغرب بالحشد العسكري ضد العراق.
وفي صباح 8 آب، وقف الرئيس بوش يوجه خطابه عبر شاشات التلفزة الأمريكية والعالمية، ويتحدث عن العدوان العراقي على الكويت، وعن تصميمه على دحره، ومما جاء في خطابه قوله:
{إننا نطلب انسحاباً كاملاً وفورياً غير مشروط، لكل القوات العراقية الموجودة في الكويت، وإن قواتنا ذهبت إلى السعودية في مهمة دفاعية، ونأمل أن لا تبقي القوات في منطقة الخليج طويلاً ، وإن هذه القوات مكلفة بالدفاع عن نفسها، وعن المملكة العربية السعودية، وعن كل أصدقائنا في الخليج}.(7)
وعلى الجانب العربي من الأزمة، راح الرئيس المصري مبارك يبذل محاولاته لإقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت، وأتصل بسفير العراق في القاهرة نبيل نجم التكريتي، وحمله رسالة إلى صدام، ووضع تحت تصرفه طائرة خاصة تنقله إلى بغداد، ليعود بجواب من صدام في اليوم التالي إلى الإسكندرية، وعاد السفير ومعه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة [عزت الدوري].
وخلال اللقاء الذي تم بين مبارك، وعزت الدوري في الإسكندرية، أصر الأخير على أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق، وأنه لا مجال للمفاوضات حول الانسحاب، وفي تلك الأثناء صدر بيان عراقي يعلن ضم الكويت إلى العراق رسمياً. (8)
وعلى اثر صدور قرار نظام صدام بضم الكويت للعراق رسمياً، سارع مجلس الأمن إلى إصدار قرار جديد ضد العراق تحت رقم 662 بتاريخ آب 1990، وهذا نصه:
قرار رقم 662- في 9 آب/أغسطس 1990
: مجلس الأمن:
إذ يشير إلى قراريه 660 في 1990، و661 في 1990
وإذ يثير بالغ جزعه إعلان العراق اندماجه التام والأبدي مع الكويت.
وإذ يطالب، مرة أخرى بان يسحب العراق فوراً، وبدون قيد أو شرط، جميع قواته إلى المواقع التي كانت تتواجد فيها في 1 آب 1990. وقد صمم على إنهاء احتلال حكام العراق للكويت، واستعادة سيادتها، واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وقد صمم أيضاً على استعادة سلطة الحكومة الشرعية للكويت يقرر:
1 ـ إن ضم العراق للكويت، بأي شكل من الأشكال، وبأية ذريعة كانت، ليست له أ ي صلاحية قانونية، ويعتبر لاغياً وباطلاً.
2 ـ يطلب إلى جميع الدول والمنظمات الدولية، والوكالات المتخصصة، عدم الاعتراف بذلك الضم، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء، أو الإقدام على أية معاملات قد تفسر على أنها اعتراف غير مباشر بالضم.
3ـ يطالب كذلك بأن يلغي العراق إجراءاته التي أدعى بها ضم الكويت.
4 ـ يقرر أن يبقى هذا البند في جدول أعماله، وأن يواصل جهوده لوضع حد مبكر للاحتلال. (9)
وفي نفس اليوم التقى حسني مبارك خطاباً موجهاً للأمة العربية، تحدث فيه عن المخاطر الجسيمة لغزو الكويت قائلاً:
{ أن الصورة تبدو سوداء قاتمة ومخيفة، وما لم نتدارك الموقف فوراً، فان الحرب حتمية، أضاف بأن هذه الحرب إن وقعت فسوف تكون مفزعة، ومدمرة، أردف قائلاً: أن لا أحد يعرف مخاطر الحرب كما يعرفها هو، وانه يستطيع أن يقول أن الحرب ستكون شيئاً رهيباً فضيعاً، واختتم حديثه بالآية الكريمة، ألا قد بلغت، اللهم فاشهد}.(10)
وكان ديك تشيني قد أطلع مبارك على خطة التدخل (1002ـ 90 )، وهاله مما سمع منه.
وفي خلال حديثه، وجه مبارك عبر موجات الأثير، دعوة للقادة العرب لعقد قمة عربية عاجلة في القاهرة، لتدارس سبل حل الأزمة.
بدأ الملوك، والرؤساء العرب يتوافدون إلى القاهرة، بعد ساعات من خطاب مبارك، وكان أول الواصلين العقيد القذافي.
لكن صدام حسين لم يحضر، بل أرسل عنه طه ياسين رمضان، نائب رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى طارق عزيز، كما أن الملك الحسن الثاني أناب عنه رئيس وزرائه.
حامد الحمداني
www.Hamid-Alhamdany.com