صدام والفخ الأمريكي المدمر/ كتاب في حلقات/ الحلقة الرابعة
16/7/2009أولاً: فشل مؤتمر جدة وتصاعد دقات طبول الحرب
في خضم تصاعد الأزمة بين الطرفين، وفي ظل الحشود العسكرية العراقية، وتهديدات صدام حسين، وصل إلى جدة كل من الشيخ سعد العبد الله الصباح، ولي العهد الكويتي، وعزت إبراهيم الدوري، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي، في 31 تموز 1990، وكانت كل الدلائل تشير إلى أن اللقاء الذي سيتم بين الطرفين هو لقاء الساعات الأخيرة، قبل وقوع الانفجار، فقد وصل المسؤولان، العراقي والكويتي، ولدى كل منهما تعليمات قيادته، بعدم إظهار أية مرونة، أو تنازل، أو تراجع عن المواقف المعلنة، الكويت مدفوعة ومدعومة بقرار وجهد أمريكي بتحدي حاكم العراق، ورفض جميع مطالبه، لكي تدفعه الولايات المتحدة نحو الإقدام على مغامرته ضد الكويت، ولأجل إكمال بقية السيناريو الذي خططت له، لتوجيه الضربة القاضية للعراق.
والتقى الشيخ سعد وعزت الدوري في نفس اليوم الذي وصلا فيه بعد استراحة قصيرة، وكان من المقرر أن يكون اجتماعهما برعاية الملك فهد، غير أن الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة عليه حال دون ذلك، فقد عملت الولايات المتحدة بكل جهدها على إفشال ذلك اللقاء قبل أن يبدأ، وطلبت من الملك فهد عدم التدخل بين الطرفين.
وهكذا بدأ الاجتماع بمفردهما، حيث جرى نقاش حول مختلف جوانب الأزمة بين البلدين حتى ظهر ذلك اليوم، وقرر الطرفان تأجيل الاجتماع إلى ما بعد العشاء، حيث كانا مدعوين على مائدة الملك فهد.
وعلى مائدة العشاء، سأل الملك فهد عن سير المحادثات، وتمنى لهما الوصول إلى نتائج طيبة تنهي الأزمة، دون أن يتدخل في تفاصيل ما دار في الاجتماع.
عاد الطرفان بعد العشاء إلى الاجتماع مرة أخرى لمواصلة البحث حول القضايا المختلف عليها، دون أن تظهر أي علامة على اقتراب الطرفين من أي اتفاق. فالطرف الكويتي، عملاً بتوجيهات الأمير، رفض تقديم أي تنازل للعراق، والوفد العراقي أصر على جميع مطالبه، عملاً بتوجيهات صدام حسين، الذي كان قد هيأ كل شيء لغزو الكويت حال فشل مؤتمر جدة.
أنهى الطرفان محادثاتهما ليلاً، من دون أن يتوصلا إلى أي اتفاق حول أي من القضايا التي تم بحثها، وتقرر عقد لقاء آخر في بغداد، كما هو متفق عليه من قبل.
وعاد عزت الدوري في اليوم التالي، الأول من آب إلى بغداد، حيث أجتمع بصدام حسين حال وصوله، وقدم له تقريراً عن كل ما دار في مؤتمر جدة بين الطرفين.
في تلك الساعات الحرجة، كانت القوات العراقية قد صدرت لها الأوامر أن تكون على أهبة الاستعداد للتحرك، عند وصول الإشارة إليها.
لم يكن معروفاً إن كان صدام حسين ينوي احتلال الكويت كلها، أم أنه ينوي احتلال جزيرتي بوربا، وروبيان، وحقل الرميلة الجنوبي المتنازع عليه.
لكن صدام حسين كان قد أتخذ قراره بغزو الكويت واحتلالها بصورة كاملة، فقد كان في تصوره أنه باحتلاله الكامل للكويت يحقق جملة أهداف في أن واحد، والتي تتلخص بالأتي:
1ـ أن احتلال الكويت سيجعل للعـراق إطلالة واسعة على رأس الخليج، مما يمكنه من تصدير نفطه بمرونة واسعة.
2ـ أن العراق سيضيف إنتاج الكويت البالغ مليون وثلاثمائة ألف برميل يومياً إلى حصته البالغة ثلاثة ملايين ونصف برميل يومياً، وبذلك يصبح العراق ثاني دولة منتجة للنفط في الخليج، ويستحوذ على ثلث الإنتاج.
3 ـ الاستيلاء على احتياطات الكويت المالية التي تقدر ما بين 150 إلى 200 مليار دولار.
4 ـ التخلص من الديون الكويتية، البالغة 30 مليار دولار.
5- إن احتلال كامل الأراضي الكويتية، واعتقال أو تصفية العائلة الحاكمة، يمكن أن يمنع إنزال قوات أمريكية فيها، وإمكانية طلب مساعدة الولايات المتحدة، من قبل العائلة الحاكمة.
هذه هي الأهداف والأفكار التي كانت تدور في مخيلة صدام حسين وهو يعد العدة لغزو الكويت، دون أن يحسب حساباً دقيقاً للنتائج المترتبة على مغامرته، في ظل التطورات الحاصلة في العالم، بعد تفكك المعسكر الاشتراكي، وبداية انهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور الولايات المتحدة كأقوى دولة في العالم، وتسلمها قيادة العالم دون منازع، وأنها لا يمكن أن تسمح لصدام حسين أن يستحوذ على ثلث نفط الخليج.
لقد أكد الرئيس الأمريكي السابق [جيمي كارتر] ذلك، أمام الكونجرس في 23 كانون الثاني 1980، من خلال ما سمي [بمبدأ كارتر]، والذي ورد فيه ما نصه: { إن أي محاولة من جانب أي قوى، للحصول على مركز سيطرة في منطقة الخليج، سوف يعتبر في نظر الولايات المتحدة كهجوم على المصالح الحيوية بالنسبة لها، وسوف يتم رده بكل الوسائل بما فيها القوة العسكرية}. (1)
أما الرئيس[رونالد ريكان] الذي تولى الرئاسة بعد كارتر، فقد وقف يخطب بانفعال أمام الكونجرس في 29 أيار1989 موجهاً كلامه للشعب الأمريكي قائلاً:
{إنني أود أن أتحدث إليكم اليوم عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة وشعبها، وهي مصالح تتعرض للخطر في منطقة الخليج.
إن الولايات المتحدة، وهي القوة الأساسية في العالم، وكذلك الدول المتحالفة معها، قد أدركت مدى ضعفهم، عندما يصبح اقتصادهم، وشعوبهم رهينة للأنظمة المنتجة والمصدرة للنفط في الشرق الأوسط، وإن الأزمة التي عانينا منها إبان حرب تشرين 1973 قد تتكرر مرة أخرى لو تمكنت أي دولة من فرض هيمنتها على الدول العربية الصديقة في الخليج، وإنني مصمم على أن الاقتصاد الأمريكي لن يصبح مرة أخرى رهينة لتلك الأوضاع، ولن نعود لأيام الصفوف الطويلة، المنتظرة للوقود، ولا للتضخم، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والإهانة الدولية، وسجلوا جيداً هذه النقطة}.(2)
أما الرئيس [جورج بوش] فقد سارع إلى إنشاء قوة للتدخل السريع، تتمركز في الولايات المتحدة، ولكنها تبقى على أهبة الاستعداد للانتقال جواً وبحراً إلى أي منطقة في العالم في حالة حدوث أي طارئ، وزاد بوش في اندفاعه للتخطيط لدفع العراق، وتوريطه في مغامرة الكويت، لتوجيه الضربة القاضية إليه، وتحطيم قدراته العسكرية، والاقتصادية، وتصفية أسلحة الدمار الشامل، التي امتلكها خلال حربه مع إيران.
وفي تلك الساعات الحرجة من اليوم الأخير من شهر تموز، واليوم الأول من شهر آب، كانت الولايات المتحدة، وأجهزة مخابراتها العسكرية، وأقمارها التجسسية، تراقب عن كثب أدق تفاصيل التحركات العراقية، ودرجة استعداداتها، وكانت تقارير المخابرات المركزية تشير بوضوح لا لبس فيه إلى أن الخطط والتحركات العراقية تستهدف احتلال الكويت، احتلالاً كاملاً.
كما أشارت أخر صور الأقمار التجسسية الأمريكية إلى أن الدبابات العراقية قد تقدمت إلى أقرب منطقة من الحدود بأعداد كبيرة، حيث كانت قد رصدت المسافات بين كل دبابة وأخرى ما بين 50 ـ 75 متراً، على طول الحدود، وكانت تقف وراءها المدفعية، والمدرعات، وكانت وضعية القوات العراقية تشير إلى أن قرار الهجوم قد أتخذ، وكذلك ساعة الصفر.
ورغم كل ذلك، لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً، ولم ترسل أي تحذير لحاكم العراق، بل على العكس من ذلك، كانت تنتظر بفارغ الصبر إقدامه على تنفيذ مغامرته ضد الكويت، وكل ما فعلته هو ترتيب الأوضاع داخل الكويت، لحماية العائلة الحاكمة.
فقد أبلغ مسؤول المخابرات الأمريكية مدير الأمن العام الكويتي في 31 تموز بما يلي:
{ نحن لا نريد أن نثير القلق في نفس أحد بدون داعٍ، ولكننا نعتقد أن خطة الطوارئ الموضوعة سابقاً بشأن سلامة الأمير، والعائلة الحاكمة، يجب أن توضع موضع التنفيذ من باب الاحتياط}. (3)
وعاد مسؤول المخابرات الأمريكي بعد ساعتين، فأبلغ مدير الأمن العام الكويتي بأن على الأمير أن لا يتواجد في المدينة هذه الليلة، وعليه أن يخرج بأسرع ما يمكن، إلى أحد بيوته القريبة من الحدود السعودية. (3)
وفي مساء يوم الأول من آب، طلب المسؤول المخابراتي الأمريكي من جميع أفراد العائلة الحاكمة مغادرة مدينه الكويت، وبدء سريان خطة الطوارئ المعدة سلفاً، وعليه جرى تحرك أفراد العائلة الحاكمة نحو منطقة الخرجي السعودية، بطريقة لا تلفت النظر وكان يبدو على ملامحهم الذهول الشديد.(4)
ثانياً: صدام يصدر الأمر بغزو الكويت
في الساعات الأولى من فجر الثاني من آب 1990، بدأت جحافل القوات العراقية بالتحرك نحو مدينة الكويت، فيما حلقت الطائرات العراقية فوق المدينة، وأنزلت القوات المظلية في مطارها واحتلته، و بدأت الانفجارات يُسمع دويها في مختلف أنحاء المدينة، وركزت الطائرات العراقية هجماتها على المراكز الحساسة فيها، ولم تمضِ سوى ساعات قليلة حتى استطاعت القوات العراقية من الوصول إلى العاصمة، وإحكام سيطرتها عليها، دون مقاومة تذكر من الجيش الكويتي.
إلا أن العائلة الحاكمة كانت قد غادرت الكويت إلى منطقة الخرجي السعودية قبل وصول القوات العراقية إليها، تطبيقاً لخطة الطوارئ التي وضعتها المخابرات المركزية الأمريكية، وسارع أمير الكويت إلى طلب المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية لطرد القوات العراقية من الكويت، وإعادة الشرعية للبلاد.
أما النظام العراقي فقد سارع في صباح ذلك اليوم إلى الإعلان عن وقوع انقلاب عسكري في الكويت!! من قبل عدد من الضباط الشبان، على عائلة الصباح الحاكمة، وأعلن العراق، عن طريق الإذاعة والتلفزيون، أن قادة الانقلاب قد طلبوا المساعدة من العراق لمنع أي تدخل أجنبي، وقد تم تلبية الطلب، وإرسال قوات عراقية إلى الكويت، وأن هذه القوات سوف تبقى أسبوعاً أو بضعة أسابيع، ريثما يستقر الوضع، ثم تنسحب من الكويت.
كما أعلنت حكومة العراق عن طريق الإذاعة والتلفزيون غلق الأجواء العراقية أمام الطيران المدني، وإغلاق الحدود، ومنع السفر إلى خارج العراق، تحسباً لكل طارئ. (5)
وفي حقيقة الأمر كان ادعاء حكام العراق على درجة كبيرة من السخف والغباء، فالقوات العراقية كانت قد جرى حشدها على الحدود منذُ مدة، وكانت تهديدات نظام صدام تتوالى كل يوم، وإن كل ما قيل عن وقوع انقلاب هو محض هراء، ولا وجود لمثل أولئك الضباط الانقلابيين، ولم تنطلِ تلك الأكاذيب على أحد، لا في العراق، ولا في الكويت، ولا في أي مكان من العالم.
لم يصدر أي رد فعل من جانب السعودية ودول الخليج في الأيام الأولى من الغزو، فقد أصابهم الذهول، وتملكهم الخوف من أن يقدم صدام حسين على مواصلة غزوه لمنطقة الخليج بأسرها، وكانت أنظارهم في تلك الساعات العصيبة متجهة صوب الولايات المتحدة، منتظرين بتلهف وقلق رد الفعل الأمريكي على الغزو.
حاول الملك فهد الاتصال بصدام حسين عن طريق الهاتف، إلا انه أُبلغ من قبل مستشاره [احمد حسين] بان صدام غير موجود، وانه سوف يبلغه بان الملك فهد قد طلبه على الهاتف.
وعاد الملك فهد واتصل بالملك الأردني حسين، الذي أرتبط بعلاقات وثيقة بصدام حسين، أيقضه من نومه، وبدأ يحكي له بما سمع عن اجتياح القوات العراقية للكويت، وطلب منه الاتصال بصدام والاستفسار منه عما حدث.
وبالفعل اتصل الملك حسين ببغداد، ولكن صدام لم يكن على الخط، بل كان وزير الخارجية طارق عزيز، وسأله الملك عن الذي جرى، فكان جواب طارق عزيز، بأنه مع الأسف لم يكن هناك طريقاً آخر!!، ووعد طارق عزيز الملك حسين بأن الرئيس صدام حسين سوف يتصل به، ويشرح له تفاصيل ما جرى. أما الرئيس المصري حسني مبارك، فقد أوقظ من نومه في الساعة الرابعة والنصف صباحاً، بناء على إلحاح السفير الكويتي، وأٌبلغ بأن القوات العراقية قد دخلت قصر الأمير، واستولت على جميع المراكز الحساسة في العاصمة الكويتية، وجميع الوزارات.
تملكت الدهشة والقلق الرئيس المصري مبارك، وحاول الاتصال بصدام حسين، لكنه لم يكن في مقره، بل في مقر قيادة العمليات العسكرية.
ثالثاً: الفخ الأمريكي يوقع بصدام:
أما على الطرف الأمريكي فلم يكن الغزو مفاجئاً لهم، بل كان الأمريكيون ينتظرون وقوعه بفارغ الصبر. كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصراً حسب توقيت واشنطن عندما بدأ الجيش العراقي اجتياحه للكويت، وكان الرئيس بوش يتابع عن طريق الصور التي تنقلها الأقمار الصناعية كل تحركات القوات العراقية ساعة بساعة، كما سارع إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي الأمريكي، وكبار مستشاريه السياسيين والعسكريين، وضم الاجتماع كل من:
1ـ الجنرال سكوكورفت، مستشاره للأمن القومي.
2 ـ ديك تشيني ـ وزير الدفاع.
3 ـ جون سنونوـ رئيس هيئة مستشاري البت الأبيض.
4 ـ الجنرال دافيد كيرما ـ نائب سنونو.
5ـ ـ الجنرال بول وولفتزـ مدير التقديرات الإستراتيجية في وزارة الدفاع.
6 ـ رويرت كميت ـ مساعد وزير الخارجية، بالنظر لغياب الوزير في زيارة رسمية لموسكو.
7ـ وليم وبستر ـ مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
8 ـ رتشارد كير ـ نائب رئيس وكالة المخابرات المركزية.
9ـ بويدن جراي ـ المستشار القانوني للرئيس بوش، وأجرى المجتمعون. برئاسة بوش في القصر الأبيض تقيماً للوضع في منطقة الخليج، والخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة ضد العراق، وصدر في ختام الاجتماع بياناً يتضمن القرارات التالية:
1ـ إن الرئيس بوش يدين بشدة الغزو العراقي للكويت، ويطالب بسحب القوات العراقية، وبدون قيد أو شرط، ولا يقبل بديلاً عن ذلك بشيء.
2 ـ تقرر إرسال قوة من الطيران الحربي إلى السعودية فوراً،وتضم 25
طائرة من طراز F15.
3ـ تقرر تجميد كل الأموال العراقية، والكويتية في كافة البنوك.
4ـ تقرر إنشاء لجنة طوارئ دائمة لمتابعة الأزمة تضم كل من كميت، وكيرما، و ولفوتتز، وكير، وكولن باول، رئيس أركان الجيش الأمريكي
5ـ إنشاء لجنة طوارئ تعمل تحت رئاسة مستشار الأمن القومي ـ برنت سكوكرفت.
وفي ختام الاجتماع طلب الرئيس بوش استدعاء الجنرال ـ شوارتزكوف قائد قوات التدخل السريع إلى واشنطن لينضم إلى الاجتماع في صباح اليوم التالي، في مكتب الرئيس بوش، مع جلب خطط العملية المعدة للتدخل السريع {1002ـ 90 } في منطقة الخليج . (6)
رابعاً: سوريا تدعو لعقد قمة عربية لبحث الغزو
فور اجتياح القوات العراقية للكويت في 2 آب 1990، دعت الحكومة السورية إلى عقد مؤتمر قمة عربي عاجل لبحث الغزو العراقي، ودعت وزراء الخارجية العرب، الذين كانوا في القاهرة لحضور مؤتمر القمة الإسلامي، إلى عقد اجتماع عاجل للإعداد لمؤتمر القمة، لمعالجة الأزمة.
وبالفعل وجه الأمين العام لجامعة الدول العربية [الشاذلى القليبي] لوزراء الخارجية العرب، لعقد اجتماع في فندق [سمير أميس]، حيث يتواجد فيه معظم وزراء الخارجية العرب، وتم عقد الاجتماع في تمام الساعة العاشرة صباحاً، بغياب وزير الخارجية العراقي الذي ناب عنه سفير العراق في القاهرة، وجرى بحث الأزمة، والسبيل للخروج منها، وقد وجه وزراء الخارجية العرب استفساراتهم إلى ممثل العراق، لكن المندوب العراقي أجابهم بأنه غير مخول أساساً لحضور الاجتماع، وأن وفداً على مستوى عالٍ سوف يحضر إلى القاهرة، برئاسة نائب رئيس الوزراء [سعدون حمادي] ولذلك فقد تأجل الاجتماع حتى الساعة السابعة مساءً، حيث وصل سعدون حمادي والوفد المرافق له، وتم عقد الاجتماع مباشرة، ووقف سعدون حمادي يتحدث أمام المجتمعين عن حقوق العراق في الكويت، وعن تصرفات حكامه بخصوص عدم الالتزام بحصص الإنتاج، وسرقة نفط العراق من حقل الرميلة الجنوبي، وزحف الحدود الكويتية إبان الحرب مع إيران.
وفي الوقت الذي كان سعدون حمادي يتحدث أمام وزراء الخارجية العرب، وصل عزت الدوري، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة إلى جدة، بناء على اتفاق جرى بين الملك فهد وصدام حسين، إثر مكالمة هاتفية جرت صباح
يوم الثاني من آب، ليشرح للملك فهد الدوافع التي أدت إلى إقدام العراق على غزو الكويت من جهة، وليطمئن الملك بأن العراق لا يضمر للسعودية شراً.
وقد أوضح عزت الدوري للملك أن الكويت هي جزء لا يتجزأ من العراق، وقد تمت إعادة الفرع إلى الأصل، مما أثار استياء الملك فهد الذي أجابه قائلاً: {إذا كان الأمر كذلك فما الفائدة من الحديث إذا؟}.
وفي نفس اليوم اتصل الملك فهد بالسفير السعودي في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، طالباً منه الاتصال بالحكومة الأمريكية، وحثها على الوقوف بحزم تجاه العراق، وعاد الأمير إلى الاتصال بالملك فهد مبلغا إياه بأنه سمع من مصدر في البيت الأبيض بان قوة مدرعة عراقية تتجه نحو الحدود السعودية، وأن الحكومة الكويتية قد تقدمت بطلب للحكومة الأمريكية للعمل على إخراج القوات العراقية من الكويت.
وسأل الملك فهد إن كان ينوي تقديم طلب مماثل للولايات المتحدة، ومن المعتقد أن الحكومة الأمريكية قد سربت خبر تقدم مدرعات عراقية نحو الحدود السعودية، عن طريق السفير بندر، لكي ترعب الملك، وتجعله يوافق على نزول القوات الأمريكية، والقوات الحليفة في الأراضي السعودية.
وقد أبلغ الأمير بندر الملك فهد أن اجتماعاً هاماً سوف يعقد هذا اليوم برئاسة الرئيس بوش، في مكتبه بالقصر الأبيض، لدراسة الخيارات المتاحة للولايات المتحدة للتصرف إزاء الغزو العراقي للكويت، و كان الملك فهد في تلك الساعات الرهيبة في أقصى حالات القلق، وكان تفكيره يدور حول الظروف المحيطة بالغزو، وفي ذهنه عدد من الأسئلة المقلقة ينتظر الإجابة عليها وهي:
1ـ هل كان أعضاء مجلس التعاون العربي على علم بالغزو؟
2 ـ هل أجرى صدام حسين مشاورات معهم قبل الغزو؟
3ـ هل سيكتفي صدام باحتلال الكويت، أم سيحاول غزو السعودية؟
4 ـ كيف سيكون رد الفعل الأمريكي تجاه الغزو؟
5ـ ما هو موقف الدول العربية تجاه الغزو؟
6 ـ هل بإمكانها إقناع العراق بالانسحاب من الكويت؟
خامساً: ماذا دار في القصر الأبيض الأمريكي؟
كان الرئيس الأمريكي بوش على موعد مع مجلس الأمن القومي الأمريكي، في غرفة العمليات الخاصة المحصنه ضد التصنت، وكان هناك في انتظاره [ديك تشيني] وزير الدفاع، و[جيمس واكنز] وزير الطاقة، و[روبرت كميت] مساعد وزير الخارجية، و[كولن باول]، رئيس أركان الجيش، و[نورمان شوارتزكوف]، قائد قوات التدخل السريع، و[ريتشارد دارمان] وزير الخزانة، [ووليم وببستر]، مدير وكالة المخابرات المركزية، والجنرال [ برنت سكوكروفت] مستشاره للأمن القومي. كانت الأفكار التي تدور في ذهن بوش، والتي طرحها على الحاضرين تتلخص بما يلي:
1 ـ أن الولايات المتحدة يجب أن تلعب الدور الرئيسي في الأزمة.
2 ـ أن لا تفاوض، ولا أنصاف الحلول مع النظام العراقي.
3 ـ أن تسعى الولايات المتحدة لتعبئة الرأي العام الدولي ضد العراق.
وبعد أن فرغ الرئيس جورج بوش من حديثه مع الحاضرين، تحدث وزير الطاقة عن آثار عملية الغزو على سوق النفط، والمخاطر الناجمة عنه، ثم تلاه وزير الخزانة، الذي أقترح فرض الحصارالاقتصادي الشامل على العراق. (7)
ثم جاء دور العسكريين، وهو بيت القصيد في ذلك الاجتماع، حيث أقترح كولن باول توجيه ضربة جوية فعالة وحاسمة للعراق، وتطبيق خطة التدخل السريع والمسماة [1002 ـ 90] وضرورة تحشيد الولايات المتحدة، وحلفائها قوة كبيرة قادرة على دحر القوات العراقية، وتدمير آلته الحربية، والبنى التحتية للاقتصاد العراقي.
كما جرى النقاش حول ضرورة الحصول على موافقة السعودية على الحشد العسكري الأمريكي على أراضيها، وانتهى النقاش بالمقررات التالية:
1 ـ الاتصال بالملك فهد، والحصول على موافقته على حشد القوات في السعودية.
2 ـ العمل على إغلاق أنابيب النفط العراقي المارة عبر السعودية، ووعبر تركيا.
3ـ الطلب من السعودية، ودول الخليج تقديم الأموال اللازمة لهذا الحشد، وتكاليف الحرب.
ثم تحدث وزير الدفاع [ديك تشيني] عن الخطة المعدة للتدخل السريع، [1002ـ90] موضحاً مراحل تنفيذ هذه الخطة، والتي تتلخص بما يلي:
1 ـ المرحلة الأولى:
وتقضي بالعمل بأسرع وقت على ردع القوات العراقية من محاولة غزو السعودية، وذلك بإرسال فرقة مدرعة، وعدد من حاملات الطائرات المزودة بصواريخ كروز، وتوماهوك، مع عشرة أسراب من الطائرات الحربية، وبالإمكان تأمين ذلك خلال شهر.
2 ـالمرحلة الثانية:
وتقضي بإكمال التحشيد في السعودية، لكي يكون للولايات المتحدة وحلفائها قوة ضاربة، لا تقل عن 250 ألف عسكري مجهزين بأحدث الأسلحة والمعدات، قبل المباشرة في تحرير الكويت.
3 ـ المرحلة الثالثة:
توجيه ضربات جوية لكافة المرافق الحيوية للعراق، بدء من المطارات العسكرية، والاتصالات، والرادارات، ومراكز تجمع القوات العراقية، وآلياته العسكرية، وانتهاءً بكل المرافق الحيوية، ومنشاته الاقتصادية، وطرق مواصلاته، وجسوره.
4 ـ المرحلة الرابعة:
الهجوم العسكري البري لتمزيق القوات العسكرية العراقية، وإخراجها من الكويت، عن طريق القيام بالتفاف خلف القوات العراقية، من الأراضي السعودية، والدخول نحو الأراضي العراقية، لقطع الاتصال مع القوات العراقية في الكويت.(8)
أسرع الرئيس بوش، بعد الانتهاء من الاجتماع، إلى طلب الملك فهد على الهاتف، لأخذ موافقته على نزول القوات الأمريكية والحليفة في السعودية.
كان الملك فهد متردداً في جوابه، وقد تملكه الخوف من ردة فعل صدام حسين، وما يمكن أن يسبب نزول قوات أجنبية في الأراضي السعودية من مشاكل خطيرة مع العالم الإسلامي، وقد عرض عليه الرئيس بوش أن تكون القوات الأمريكية والحليفة بغطاء عربي، وذلك بدعوة الدول العربية للمساهمة بقواتها في الحشد، بحجة تحرير الكويت.
وفي تلك الأثناء كانت المحاولات تجري على قدم وساق، من قبل الملك حسين، والرئيس المصري حسني مبارك، المجتمعان في الإسكندرية، لعقد مؤتمر القمة العربية، والعمل على إقناع العراق بالانسحاب من الكويت، وحل المشاكل العالقة بين البلدين بالطرق السلمية.
لكن الرئيس الأمريكي بوش، سارع للاتصال بالرئيس المصري حسني مبارك وأبلغه أن الخيار الوحيد لإخراج العراق من الكويت، هو الخيار العسكري، وأن وقت القمم قد فات، أضاف بوش أن غزو الكويت عمل عدواني لا يمكن قبوله من قبل الولايات المتحدة، ونعتبره تهديد مباشراً لأمن الولايات المتحدة.
وأضاف الرئيس بوش قائلاً:
{ أن الكونجرس، والرأي العام الأمريكي، ووسائل الإعلام يطالبوننا بالتصرف عسكرياً، وليس بقرارات الإدانة، وقد أعلنا موقفنا من العدوان رسمياً، ونحن ثابتون على موقفنا من صدام حسين الذي تحدى الولايات المتحدة، ونحن بدورنا قبلنا التحدي، وأن الولايات المتحدة سوف تتصرف وحدها، بصرف النظر عن قبول أو رفض غيرها التنسيق معها}.
كما اتصل الرئيس بوش بالملك حسين، وأبلغه بقرار الولايات المتحدة، بالتدخل العسكري، وكان بوش يفتعل أقصى حالات الغضب، وقد حاول الملك حسين تهدئته، وطلب منه إعطاء فرصة للجهد العربي، ولو لمدة 48 ساعة، لكن بوش كان مصراً على دفع الأمور نحو المواجهة بكل تأكيد.
لقد وقع صدام في الفخ الذي نصبته له إدارة بوش في الكويت، وحلت الفرصة الذهبية لتدمير القوة العسكرية للعراق، وتهديم بنيته الاقتصادية، تدميراً شاملاً.
وفي لقاء الملك حسين والرئيس مبارك في الإسكندرية، سأل الملك حسين الرئيس مبارك إن كان قد استطاع التحدث مع صدام حسين، فكان جواب مبارك أنه لا يود التحدث معه لأنه خدعه حين قال له إنه لن يهاجم الكويت، مما سبب له إحراجاً كبيراً وصل إلى حد الاتهام بخدع حكام الكويت.
وفي النهاية أقترح الملك حسين على الرئيس مبارك أن يتوجه بنفسه إلى بغداد، ويتحادث مع صدام حسين، بينما كان رأي مبارك عقد قمة مصغرة في جدة، شرط موافقة صدام حسين على الانسحاب، وعودة الشرعية.
وفي المساء اتصل مبارك بصدام حسين، وابلغه أنه اتفق والملك حسين، على عقد قمة مصغرة في جدة، وأن الملك حسين سيتوجه إلى بغداد ليشرح لكم أهداف وشروط هذه القمة.
لكن مبارك عاد وأبلغ الملك حسين، بعد المكالمة، بان الحكومة المصرية سوف تصدر بياناً تطالب فيه العراق بالانسحاب من الكويت، وعودة الشرعية، وقد رجاه الملك حسين تأجيل ذلك إلى ما بعد القمة المنوي عقدها في جدة، لئلا تؤدي إلى مضاعفات تفشل المساعي المبذولة لحل الأزمة، وكان من الواضح أن الرئيس مبارك لا يستطيع مخالفة رأي الولايات المتحدة، التي كانت تملي على حلفائها الحكام العرب ما تريد.
حامد الحمداني
www.Hamid-Alhamdany.com