صفحات جلية من تاريخ أبرشية سعرت الكلدانية
1_ الاسم والموقع: سعرت أو سعرد بلدة من ديار ربيعه، تقع في سهل فسيح غزير العيون كثير الخصب، ينساب في جنوبه نهر دجلة، ويروي قسمه الغربي نهر البوتان، وترتفع في شماله جبال بتليس العالية. تبدو سعرت للعيان كجنة غناء، يسيح بها الكثير من أشجار التين والرمان والبندق والبطم والكروم. دعيت سعرت قديماً " المتبددة "، وأيضاً " أرزن " باسم مدينة كانت تقع غربي سعرت ، ودعيت أيضاً " المدينة البيضاء ".جاء في معجم البلدان " أرزن مدينة مشهورة قرب خلاط، ولها قلعة حصينة، وكانت من أعمر نواحي أرمينية، وأما الآن فبلغني أن الخراب ظاهر فيها، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم " . فتحها العرب المسلمون على يد عياض بن غنم، وفي القرنين الرابع والخامس عشر كانت تابعة لمقاطعة " حصن كيبا " وتحت حكم الصفويين، حتى أضحت تحت حكم العثمانيين سنة 1553م، حيث تبعت مقاطعة " ديار بكر "، ومن ثم " بدليس ". وأصبحت مركز قضاء، وحالياً مركز ولاية. وفي نهاية القرن التاسع عشر، كانت أكبر مدينة في بلاد " البوتان "، التي عرفت قديماً باسم " زوزان ".
جاء في دائرة المعارف للمعلم بطرس البستاني: " سعرت أو اسعرد، مركز متصرفية باسمها في ولاية بتليس من أملاك الدولة العلية في كردستان. موقعها إلى الجنوب الغربي من تبليس على مسافة نحو 54 ميلاً، وهي في سهل يسقيه نهر الخابور الذي بينه وبينها مسافة ميلين، وهي في 38 درجة من العرض الشمالي، وفي 43,40 درجة من الطول الشرقي، وبالقرب منها كثير من الرمان والتين والكروم، وكله يسقى بماء المطر، سكانها نحو 15 ألفاً، وهي في موقع تيغرا نوسرت أو ديكران كرد، متصرفية سعرت فيها خمسة أقضية وهي 1_ أدوه. 2_ شروان. 3_ غرزان. 4_ برواري. 5_ رضوان " .
جاء في المنجد في الأعلام: " سعرت أو سعرد، بلدة على حدود أرمينيا وكردستان 5000 نسمة، اشتهرت سابقاً بصناعة الأسلحة والأقمشة، كانت كرسياً أسقفياً للكلدان " .
2_نشأة أبرشية سعرت وحدودها: ينسب تقليد كنيسة المشرق تبشير " أرزن " والمناطق المحيطة بها، إلى الرسول أدي ومن ثم لتلميذه ماري، وبعد أن بشر أدي أرزن، وأنار أهلها بأشعة الإيمان المسيحي " شاد كنيسة في أرزن دعيت باسمه " . أما ماري " فبعد أن بشر نصيبين انطلق إلى أرزن مستصحباً القس انسيمس الرهاوي والشمامسة فيلبس وملكيشوع وأدا وطوميس وفافا وأيوب، وأجرى الله على يده عجائب جمة، أخصها إبراؤه والي أرزن من مرضه، والذي آمن واعتمد وأبناء بيته، وابتنى كنيسة في أرزن عاصمته، وأقام لها ماري كهنة وشمامسة، وارتحل عنها إلى بيث زبدي وبيث عربايا ونصّر قسماً صالحاً من أهاليها " . وفي القرون الأولى للمسيحية كانت أرزن أسقفية تابعة لكرسي نصيبين الميطرابوليطي، ومن الأسقفيات الهامة في كنيسة المشرق، أما أبرشية سعرت فيعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، زمن انضمام البطريرك سولاقا إلى الكنيسة الكاثوليكية، وعليها لم يجد الباحثون آثاراً تذكر لهذه الأبرشية قبل هذا الزمن. لأن منطقة " البوتان " الواقعة شرق سعرت، كانت تتبع أبرشية " آثيل ". ومنطقة " أرزن " الواقعة غرب سعرت، كانت تتبع أبرشية " حصن كيبا ". وبعد انضمام سعرت والمناطق المحيطة بها " بوتان وأرزن " إلى الكنيسة الكاثوليكية، أصبحت سعرت كرسياً أسقفياً وذلك سنة 1553. وفي عهد البطريرك عبديشوع الرابع مارون سنة 1555، أضحت سعرت رئاسة أسقفية، يتبعها أسقف " اشي " الواقعة في جبل البوتان .
وقد اتخذ البطاركة الثلاثة الذين خلفوا البطريرك الشهيد سولاقا، سعرت مقراً لكرسيهم. وسكنوا في دير مار يعقوب الحبيس الذي بجوارها، وذلك من سنة 1555م وحتى سنة 1600م، وهؤلاء البطاركة هم: عبد يشوع الرابع مارون، ويبالاها الرابع، وشمعون الثامن دنحا. وبعد انفصال سلسلة البطريرك سولاقا عن الكنيسة الكاثوليكية، بقيت أبرشية سعرت خاضعة لبطريركية آمد الكاثوليكية. واستمرت حتى دمرت سنة 1915م. وحتى هذا التاريخ كانت الأبرشية تضم المراكز التالية:
1- سعرت. 2- قوطميس. 3- مار كوريا. 4- كيداونيس. 5- تل ميشار. 6- بنيكف. 7- دهوك. 8- بيركة. 9- راموران. 10- دهربان. 11- دهمزيان. 12- ارجيقانس. 13- اجنبت. 14- قوريج. 15- اوريج. 16- بوريم. 17- شويتا. 18- روما. 19- حاخ. 20- بيروز. 21- دنيتاس. 22- قيرانس. 23- ارتون عليا. 24-ارتون سفلى. 25- طال. 26- أزار. 27- كير أثل. 28- مار انش. 29- صاداخ. 30- مار خانس. 31- مار يعقوب. 32- مارت شموني. 33- حديدي. 34- بركي. 35- بيكندي. 36- دير شمش. 37- قب .
3_ المطارنة الكلدان في سعرت: تعاقب على رئاسة أبرشية سعرت منذ زمن الاتحاد سنة 1553م، وحتى سنة 1915م زمن دمار الأبرشية. ثلاثة عشر مطراناً هم:
1_ المطران يوسف (1553- 1582): رسمه البطريرك سولاقا مطراناً على سعرت سنة 1553م، أرسله البطريرك عبديشوع الرابع مارون إلى الهند سنة 1561م، لزيارة كنيسة المشرق هناك. توفي سنة 1582م.
2_ المطران إيشوعياب (1582- 1617): رسمه البطريرك إيليا الخامس مطراناً على سعرت، وجد اسمه في رسالة للبابا بولس الخامس سنة 1610م، وقد سمي فيها( إيشوع ديدي ) وهي ترجمة لاتينية لكلمة إيشوعياب.
3_ المطران إيليا (1617- 1620): رسمه البطريرك إيليا الحادي عشر مطراناً على آمد، وفي سنة 1617م نقل إلى مطرانية سعرت، وقد دون اسمه بين الأساقفة الذين حضروا مجمع آمد سنة 1616م، توفي سنة 1620م، وقد دفن أمام باب دير مار يعقوب الحبيس حسب وصيته.
4_ المطران إيشوعياب (1620-1652): ورد اسمه بين كمطران لأبرشية سعرت، في الرسالة الثالثة المرسلة للبابا بولس الخامس سنة 1620م.
5_ المطران يوحنا (1652- 1673): ذكر اسمه بين أسماء المطارنة، في الرسالة التي بعثها البطريرك إيليا الثالث عشر، للبابا كليمانت التاسع، بعدها ترك الشركة مع الكنيسة الكاثوليكية.
6_ المطران شمعون (1701-1742): رسمه البطريرك يوسف الثاني مطراناً على سعرت سنة 1701م، وعندما سافر البطريرك يوسف الثالث إلى روما سنة 1731م، كلف المطران شمعون بإدارة شؤون البطريركية خلال غيابه، وخلال وجوده في آمد، اشترى قريتين لأوقاف البطريركية.
7_ المطران حنا كيمو (1744- 1786): رسمه البطريرك يوسف الثالث مطراناً على سعرت سنة 1744، وقد دبر أبرشيته أكثر من أربعين سنة.
8_ المطران بطرس شوريز (1793- 1822): ولد في سعرت، رسمه المطران خنيشوع مطراناً على سعرت بطريقة غير شرعية، وفي سنة 1796م سافر إلى روما ليطلب المغفرة على تصرفه، وقد حله البابا بيوس السادس، وثبته مطراناً على سعرت، توفي سنة 1822م .
9_ المطران ميخائيل كتولا (1826- 1855): ولد في تلكيف سنة 1792م، ترهب في دير الربان هرمز، رسمه البطريرك يوسف الخامس مطراناً على سعرت سنة 1826م، وتمت رسامته في مدينة سعرت، رمم دير مار يعقوب الحبيس، وأحضر عشرة رهبان من دير الربان هرمز لإعادة الحياة فيه، كان خطيباً متفوهاً وخطاطاً ماهراً، توفي سنة 1855م.
10_ المطران بطرس برتتر (1858- 1884): ولد في خسرواه سنة 1809م، درس في مجمع انتشار الإيمان في روما، رسم كاهناً سنة 1836م، خدم في بغداد والموصل، حتى رسم مطراناً لسعرت سنة 1858م، بوضع يد البطريرك يوسف السادس أودو. شارك في المجمع الفاتيكاني الأول، فتح إكليركية في دير مار يعقوب الحبيس، وجاب مطبعة كلدانية من روما. شيد دار المطرانية بسعرت. استقال سنة 1884م. توفي في قرية بيروز سنة 1885م، ودفن في دير مار يعقوب الحبيس.
11_ المطران يعقوب نعمو (1885- 1888): ولد في الموصل سنة 1827م من عائلة سعرتية، رسمه البطريرك أودو كاهناً سنة 1863م. عين كأول مدير للمعهد البطريركي سنة 1867م، رسمه البطريرك إيليا الثاني عشر عبو اليونان مطراناً على سعرت سنة 1885م. عين نائباً بطريركياً في بغداد سنة 1888م. توفي سنة 1895م.
12_ المطران يوسف عمانوئيل (1892- 1900): ولد في ألقوش سنة 1852م، أكمل دروسه عند الآباء اليسوعيين في بيروت، رسم كاهناً سنة 1879م. رسمه البطريرك إيليا الثاني عشر عبو اليونان مطراناً على سعرت سنة 1892م، وخلال مطرنته شيد كاتدرائية العائلة المقدسة في سعرت. انتخب بطريركاً سنة 1900م. توفي سنة 1947م.
13_ المطران أدي شير (1902-1915): ولد في شقلاوة سنة 1867م، تلقى العلم عند الآباء الدومنيكان في الموصل. سنة 1880م رسم كاهناً، رسمه البطريرك يوسف عمانوئيل مطراناً على سعرت سنة 1902م. خدم الأبرشية بغيرة رسولية، فشيد الكنائس والمدارس في قرى أبرشيته، وعلم وهذب. وإلى جانب مسؤولياته الجسيمة أغنى كنيسة المشرق بمؤلفاته الثمينة. استشهد في قرية دير شو في حزيران 1915م، وباستشهاده انقطعت سلسلة مطارنة الكلدان في سعرت.
4_ إحصائية أبرشية سعرت الكلدانية: إن عدد أبناء الأبرشية كان بين مد وجزر، وذلك حسب الظروف السائدة في المنطقة، وبحوزتنا عدة إحصائيات لفترات مختلفة. ففي سنة 1852م أحصى الأب مارشه كلدان أبرشية سعرت، فبلغوا 1865 نسمة، منهم 375 نسمة في مدينة سعرت، والبقية موزعين على القرى التابعة للأبرشية. وفي أرشيف الآباء الدومنيكان بالموصل، تقرير وضعه الأب جاك ريتوري سنة 1881م، وفيه إحصائية مفصلة عن مسيحي سعرت، ويبلغ عدد العائلات الكلدانية في مدينة سعرت مائة عائلة. أما الأب مولير سيمونيس الذي مر بمدينة سعرت سنة 1888م، وخلال إقامته وضع إحصائية عن كلدان الأبرشية، فبلغوا بين 3500 إلى 4000 نسمة. وفي سنة 1891م وضع الأب فيتال كينه إحصائية جديدة، وفيها بلغ عددهم 2600 نسمة. والجدير بالذكر أنه في سنة 1895م اجتاحت سعرت وجوارها موجة عنف عشواء، أودت بحياة الكثير من أبناء الأبرشية، ودمر قسم كبير من دير مار يعقوب الحبيس، ونهبت مكتبته الضخمة والغنية بالمخطوطات الثمينة، وحرق وأتلف أغلبها. كذلك هدمت أضرحة البطاركة والأساقفة المدفونين في الدير. ومن شدة البطش وقساوة الظلم، اعتنق الإسلام أغلب كلدان قرية كيب . في سنة 1896م وضع خياط _ شابو، إحصائية جديدة، وفيها بلغ عدد الكلدان 5000 نسمة، يتوزعون على 22 خورنة، يخدمهم مطران مع 17 كاهناً، وللأبرشية 21 كنيسة مع 18 مدرسة .
وتعتبر إحصائية الخوري يوسف تفنكجي الأهم، لأنه وضعها سنة 1913م قبل دمار الأبرشية سنة 1915م. وفيها يبلغ عدد الكلدان 5430 نسمة، يتوزعون على 37 خورنة، يخدمهم مطران مع 21 كاهناً، وللأبرشية 31 كنيسة، مع 7 كابلات و9 مدارس .
في سنة 1928 يضع الكردينال تيسران إحصائية عن كلدان أبرشية سعرت، وفيها يبلغ عددهم 1600 نسمة مع عدم ذكر أي وجود لمطران أو كاهن أو كنيسة أو مدرسة. وفي سنة 1938 يضع الأب " المطران " اسطيفان كجو إحصائية عن كلدان أبرشية سعرت، وفيها يبلغ عددهم 3500 نسمة، مع عدم ذكر أية معلومة أخرى .
وفي سنة 1950 يضع الأب " البطريرك " روفائيل بيداويد إحصائية جديدة عن الكلدان. ولا نجد فيها ذكر عن كلدان أبرشية سعرت. وحسب اعتقادي بسبب عدم وجود كاهن يزوده بالمعلومات المطلوبة . ومن المعلوم أن الكثير من أبناء القرى المحيطة بسعرت، استمروا بالعيش في قراهم حتى أوائل الثمانينات من هذا القرن، حتى غادروا نهائياً إلى بلاد الاغتراب وخاصة فرنسا .
5_ أبرشية سعرت قبيل سنة 1915م : من المعلوم أن لغة أهل سعرت كانت العربية والكردية، أما لغة كلدان القرى فكانت السورث في منطقة البوتان، والعربية والكردية في منطقة أرزن " غرزان ". وكان للكلدان في سعرت كنيستان، واحدة قديمة على اسم مار كيوركيس تقع في الحي الأرمني، والثانية على اسم العائلة المقدسة في حي عين الصليب، شيدها المطران " البطريرك " عمانوئيل توما سنة 1895م. وكان في سعرت دير للآباء الدومنيكان، فيه ثلاثة رهبان، ولهم في المدينة عدة مدارس للفتيان والفتيات، ومدرسة مهنية لتعليم الشبان شيئاً من الصنائع. كذلك كان في سعرت ميتمان، تقوم بهما ثلاث من راهبات تقدمة العذراء، تحت يدهن أربع معلمات بلديات. وللأبرشية ديران، الأول بالقرب من قرية بيكندي على اسم مار يوحنا نحلايا، ضبطه السريان الأرثوذكس من الكلدان سنة 1825م بقوة فتاح باشا الغرزي . أما الثاني فهو دير مار يعقوب الحبيس قرب سعرت، والواقع على قمة جبل يطل على نهر البوتان، وقد قال عنه أحد المؤرخين العرب " دير أحويشا، دير عظيم فيه أربعمئة راهب يسكنون في قلالي، وحوله بساتين وكروم، وهو في نهاية العمارة وحسن الموقع وكثرة الفواكه والخمور، ويحمل منه الخمر إلى المدن المذكورة، وبقربه عين عظيمة تدير ثلاث أرحاء " . وكان هذا الدير كما ذكرنا سالفاً مقراً للبطاركة الكاثوليك، ومطارنة سعرت حتى شيد المطران برتتر داراً للمطرانية في سعرت.
وبعد المذابح حولت كنيسة مار كيوركيس الكلدانية، إلى قاعة لنشاطات مدرسية. ودار المطرانية حول إلى مدرسة حكومية. أما كاتدرائية العائلة المقدسة، فقد حولت إلى جامع الخليلي ، أما دير مار يعقوب الحبيس فتحول إلى أطلال، ويقال إن بناء الكنيسة لا زال قائماً. كذلك دمرت جميع مراكز الأبرشية من كنائس ومدارس. واليوم لم يبق في سعرت وجوارها أي شخص من أبناء هذه الأبرشية. فقد قتل من قتل، وهاجر من هاجر بشكل تدريجي، إلى العراق وسوريا ولبنان وبلاد الاغتراب.
الخاتمة: إن ذكرى أبرشية سعرت العريقة، تترك في القلب غصة، وفي العين دمعة، لما آلت إليه من دمار وخراب، بعد تاريخ مجيد ومديد، استمر تسعة عشر قرناً من العطاء والإيمان والإشعاع. وفخرها أنها أعطت كنيسة المشرق في الحقبة الأخيرة، رجالاً مشهورين خدموا الكنيسة بغيرة كبيرة أمثال: بطرس شوريز مطران سعرت، وميخائيل شوريز مطران ماردين، وشموئيل شوريز مطران أورمية، ويعقوب نعموا مطران سعرت، وجبرائيل نعموا مطران سوريا ولبنان، ويوحنا نيسان مطران سنا، وجبرائيل آدمو مطران كركوك، ويوسف كوكي مطران البصرة، وأفرام كوكي مطران كركوك، وفيلبس شوريز المدبر الرسولي على الجزيرة العليا، مع عدد كبير من الكهنة.