صناع الحياة وشموس الحقيقة
عدنان الصالحي/رحيل مبكر وغياب ثقيل على نفوس طالما بحثت عن الحقيقة، وسعت الى الهدف الحقيقي من خلق الانسان. فهاهي الذكرى السنوية الاولى لرحيل فقيه اهل البيت اية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قد) تحل على محبيه وابنائه واخوته يحوطها الحزن الكبير والثلمة التي لاتسد بقول الامام علي عليه السلام( اذا مات العالم ثلمت في الاسلام ثلمة لايسدها شيء).
واي فاجعة هي اكبر من فقدان ذلك الاب الروحي والمربي الفاضل وصاحب النفس المطمئنة والاخلاق العالية، لقد رحل عنا في ريعان الشباب وترك لنا من الذكريات ما تملا القلوب حزنا ولوعة.
ولاعجب في ذلك فهم صناع الحياة الحقيقية وشموس الحقيقة التي لاتغيب وان ابعدها الاجل منا، عمال الله في ارضه بعد ان قل العاملون المخلصون في هذا الزمان.
لقد رحل (قد) وترك سيرة معطرة بعلم وورع واخلاق كانت رصيدا حقيقيا في خدمة الاسلام، وحياة مليئة بالعمل والمثابرة وجهاد النفس والسير على اثر الاباء والاجداد حيث مكارم الاخلاق وسموها فيقول فيه سماحة المرجع آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله): (كان املي لمستقبل الاسلام).
كان فقيدنا الراحل مصداق للاوصاف التي قيلت في المتقين والمؤمنين وترجمانا للمعاني التي تجسدت في الصالحين، فاختص بوصف القائل في ذلك بـ (... نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء، ولولا الأجل الذي كتب لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أياما قصيرة أعقبتها راحة طويلة، تجارة مربحة يسرها لهم ربهم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها..).
وفي ذكرى رحيله الاولى نقف على تلك السيرة المعطاء والثرة في خدمة الدين والمذهب والتفاني في تقديم كل مايملك لعباد الله، لقد كان فقيدنا الراحل ينبوعا للاخلاق المحمدية الاصيلة وتجسيدا واقعيا لها، وفي هذا الباب يذكر احد الاخوة في وصف سلوكياته داخل البيت حيث لا شخص اخر قربه الا ذويه، بانه كان غاية في التواضع بين عائلته ومتسامحا مع الجميع، وكان (قد) لايمد رجليه حتى في جلسته مع اطفاله واهله ولايضع راسه عند المنام الا باتجاه صورة السيد الوالد (قد) تكريما لمقامه، فاي اخلاق هذه التي يكون فيها الفقيه مثالا يحتذى به في جميع الميادين.
وبهذه المناسبة الاليمة لابد من استحضار الدروس التي كرس الفقيد الراحل حياته من اجل العمل لها وتثبيتها والتي نراها تتركز في:
1- ضرورة التزود للحياة الحقيقية بالورع والتقوى والبناء النفسي لما يستحقه الانسان في اخرته بعيدا عن زخرف الدنيا وزبرجها، وقصر حبلها مهما راى الانسان انها قد اقبلت عليه فهي قصيرة الامل كثيرة العلل تخدع من تبعها وتخيّب من أملها.
2- التحلى باخلاق النبوة واهل البيت (عليهم السلام) اساسا لكل النجاحات والتمثل بسيرتهم واقعا معاشا في نواحي الحياة العملية والبيتية ومع الجميع على اساس عباد الله سواسية ولاتمييز بينهم الا بتقواهم، حيث لم ير يوما وهو عابس، بل كان كجده علي بن أبي طالب عليه السلام، مبتسم الوجه بشوش المحيا، ولم يلفظ من القول شيء يسيء لأي أحد كان.
3- الصبر على مكاره الدنيا وملذاتها فهي مفتاح كل رحمة، وتذكر قدرة الله في كل الاوقات والتشبث بالامل به دون غيره والتوكل عليه في الصغيرة والكبيرة.
4- التأكيد على انسانية الانسان وما اودعه الله فيها من صفات ترفع عن كل مايسيء لها من شهوات وغرائز لا تتماشى والشريعة السمحاء التي جاء بها ديننا الحنيف.
5- ضرورة مواصلة التعلم في جميع الاوقات وعكس صورة الانسان العامل بعلمه، وتسخير علومه لفائدة البشرية جمعاء، اضافة الى الدور الإعلامي الذي ركز عليه سماحته، ذلك لصنع أداة موازية لما يمتلكه الآخرون من طاقات في بث فكره، وفكر أهل البيت عليهم السلام.
اننا اذ نستذكر رحيل ذلك القمر الزاهر والذي طالما كشف ظلمة الاوهام والشكوك وانار الطريق للناس للسير على نهج النبوة العطرة و الائمة الاطهار، فكان القدر بقراره قاسيا ليحرمنا فرصة الارتواء من ذلك النهر الطاهر الرقراق، ولم نبلغ بعد التزود من عذب ماءه فكانت المنية اسرع اليه منا.
اننا لم نفقد شخص بذاته او انسانا بعينه وانما المصداق الحقيقي اننا فقدنا اخلاقا عظيمة وعلوما واسعة ونفس لاتعرف التعب في عبادة الله وخدمة عباده، خسارة لانرتجي تعويضها الا بالباقي من سلفه والطيبين من طلبته واخوته وابناءه، فنكون مصداقا لقول الباري عزوجل: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) (1) .
ولعل مايهون علينا شدة المصاب والم الفراق التذكر لقوله تعالى(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157).
فالسلام عليك أيها السيد العارف والفقيه العالم يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا.. وحشرك الله مع أجدادك الطاهرين..وإنا لله وانأ إليه راجعون.
* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com