طغيان داعش ضد الاثار، الجريمة المركبة
طغيان داعش ضد الاثار، الجريمة المركبة
بقلم : لويس مرقوس أيوب
نائب رئيس منظمة حمورابي لحقوق الإنسان
يظل إستهداف الحضارة في الشرق بهذه الخسة والحقد الاعمى واحدا من المخاطر الجسيمة التي تريد قتل الانسانية ، لانها حضارة شعوب أصيلة في العراق وسوريا ومن الحضارات (الأكدية ، السومرية ، البابلية ، الاشورية، العربية ).
لقد كانت مصدراً إشعاعياً في ماضيها وحاضرها، كما كان لها الأثر الكبير في نمو وتطور الحضارة البشرية جمعاء، والتي لازالت أثارها وامتدادات شعوبها شاخصة وباقية وشاهدة على عهدها في تواصلها في إغناء الحياة وزرع القيم والمفاهيم الإنسانية والفكرية التي أغنت التنوع ورسخت الاختلاف بروح التضامن وليس بنزعة التفرقة، وهي التي حافظت على بقاء هذه المجتمعات متحدة ومجتمعة معاُ وحافظت على غناها الفكري والثقافي واللغوي والاجتماعي والاقتصادي في هذا الشرق، وساهمت في بناء الحضارة الانسانية واعلاء شأنها، فقد عاشت تلك الاقوام في هذا الشرق منذ الاف السنين في أجواء إنسانية وإجتماعية وإقتصادية متكاملة رغم محاولات شق صفها على ايدي حركات سياسية فكرية وحملات عسكرية غازية هدفها ايقاف نمو هذه البلدان واعاقة تطورها ومنع نشر التعايش السلمي والاهلي فيها .
إن التطرف الداعشي لما يسمى بالدولة الاسلامية في الشام والعراق وعموم الشرق، يعلن في كل يوم عن جرائمه ضد الانسانية دون خجل أو وجل. وهو يعلن ذلك مجاهراً بها ومتفاخراُ. لا بل متحدياً، لجميع القيم الإنسانية والحضارية ولجميع الانظمة الديمقراطية المدنية ، وقيام داعش بذلك دون مواجهة لتحجيمه ودحره هو مبعث رسالة مفادها أن الحضارة الإنسانية أينما وجدت لن تكون بخير.
لقد تعود الجميع كما تعودت المعمورة برمتها أن ترى وتسمع وتشاهد أعمال داعش الإجرامية من على شاشات التلفازات في عموم العالم مستهدفة كرامة الانسان ولكن مع الاسف هناك من يتفرج على كل ذلك الحجم الهائل من الجرائم وكأن الأمر لا يعنيه بشيء .
ان ما ترتكبه داعش في هذا الميدان التراثي العظيم هو ليس سوى محطة جديدة من الطغيان القادم من دهاليز وأتون الكفر والإلحاد تحت مسميات خارجة على الدين والقانون ليضيف صفحة سوداء أخرى في تفريق أبناء هذا الشرق الجميل والمشرق على الجميع ، لتبدأ مرحلة تاريخية مظلمة في إشاعتها الحقد والكره القومي والديني والطائفي ، وما ينتج عن هذا الفكر من جرائم يند لها جبين البشرية .
إن هذا الاستهداف لرموز الحضارة في العراق وسوريا على يد طواغيت داعش ، يحمل في طياته حقداُ دفيناً قاتم السواد وحالكاً على تلك الحضارات الرائعة في نتاجها الفكري ، فنراه يعمل بكل ما أوتي من أدوات وأساليب البطش على تدمير وإزالة وجودها الحضاري، وكأن وضع السيف على رقاب أحفاد تلك الحضارات وقتلهم وتهجيرهم وسبي نسائهم واقتلاع وجودهم مما تبقى لهم من أرض آبائهم وأجدادهم ليس كافياً لإرواء عطشه الفكري الدموي وحقده الديني والقومي الطائفي البربري .
وأخيرا يبقى لنا أن نشير الى المجتمع الدولي بسكوته وصمته ونسأل لماذا ذلك ؟
ان العالم لا تنقصه القوانين والتشريعات التي تنص على حماية التراث الديني والانساني ، بل ما ينقصه الإرادة الحقيقية في استخدام هذه التشريعات ميدانيا لوقف المجزرة التي يتعرض لها التراث الديني والحضاري .
لقد نصت إحدى المعاهدات في عام 1899 على عدم تدمير النصب والمباني التاريخية والأعمال الفنية ، وفي سنة 1907 نصت معاهدة أعمال القصف البحري على وجوب الحذر عند القصف البحري تجنب قصف النصب والمباني التاريخية، وفي سنة 1954 تبنت منظمة اليونسكو معاهدة لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء الحرب وبرتوكولاتها الأول والثاني حيث أوصت على اتخاذ كافة التدابير الدولية والوطنية لحماية المواقع الأثرية والممتلكات الثقافية للدول باعتبارها تراثا ثقافيا إنسانيا"،كما جاء في هذه الاتفاقية "أن الأطراف السامية المتعاقدة تتعهد باحترام الممتلكات الثقافية بما لا يعرضها للتدمير والتلف كما تتعهد تلك الأطراف بتحريم أية سرقة أو نهب أو تبذير للممتلكات الثقافية ووقايتها من هذه الأعمال ووقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها وتحريم أي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات، وتتعهد الأطراف المتعاقدة أيضا بأن تتخذ في نطاق تشريعاتها الجنائية الإجراءات التي تكفل محاكمة الأشخاص الذين يخالفون هذه الاتفاقية أو الذين يأمرون بمخالفتها وتوقيع جزاءات جنائية أو تأديبية عليهم مهما كانت جنسيتهم.
المؤسف مجددا أن اليونسكو التي تبنت هذه الاتفاقية وأشرفت عليها وما زالت ترعاها حسب المادة (33) المتعلقة بمساعدة اليونسكو لم تتحرك بشكل سريع لانقاد أكثر من 170 ألف قطعة أثرية عندما سرقت من المتحف الوطني العراقي بل اعترفت اليونسكو على لسان مساعد عام المنظمة على استخدام مواد كيميائية لتدمير تلك المخطوطات وهو ما يدل على أن ما حصل متعمدا.