عـمـيـد الشمامسة يغادر الـكـنيسة إلى الحـياة الأبـدية
بقـلم : مايكل سـيـﭘـي / عـن الشمامسة في سـدنيالرياح تعـصف بقـمم الجـبال قـبل غـيرهاحُـزنٌ يُخـيّم عـلى كـنيسة مار توما الرسول الكاثوليكـية لكـلدانية في سـدني وهي تـنـتحِـب عـلى شـُعـلة رُفـعَـتْ من حـول مـذبحها وشجـرة فـريـدة مثمرة إقـتــُـلِـعَـتْ من منـتزهها ، والشمامسة يفـقـدون حادي موكـبهـم الشماس الرسائلي القـديـر لويس منصور نيسان وهـو يغادر إلى السماء ومنازلها . فـلقـد فاجأته جـلطة قـلبـية مساء الأحـد 25/5/2008 وهـو يحـضر إحـتفالاً خـيرياً مما تطلـّب نقـله إلى المستشفى فـوراً ، ولم تـنقـطع جـموع الزوّار المتقاطرة عـنده طيلة 7 أيام من رقاده فـيه ، ومن مخـتلف الملل والأعـمار والفـئات لتـفـقــّده وكأنّ حـدسهـم يدفـعـهـم لإلقاء آخـر نظرة عـليه ، حـتى وافـته المنية مساء الأحـد 1/6/2008 .
ولـدَ المرحـوم في عام 1939 ببلـدة فـيشخابور ( هوزي الاصل ) والتي أنهى دراسته الإبتـدائية فـيها . تعيّن موظفا في شركة نفط الشمال في قسم الحسابات ، وبعـد أن أثـبتَ كفاءته في عـمله أوفـدته الشركة إلى بريطانيا لحاجـتها الماسّة إلى خبرات اوسع في حـقـل إخـتصاصه ، فـدرس المحاسبة في معـهـد المحاسبـين البريطانيّـين ونال شهادة في فـترة قـياسية موازية لدراسة 7 سنوات بعـد الإعـدادية والتي تعادل شهادة الدكـتوراه فـكــُـرّم بالعـضوية فـيه ، وأهّـلتــْه تلك الأتعاب والمثابرات للتقـدير ، فــقــُـيِّـمَـتْ جـهـوده وشـُمِـل بقانون ذوي الكـفاءات وحـصل عـلى كافة الإمتيازات التي إستحَـقـها ، ثم مُـنِـحَ فـرصاً للإشترك في المؤتمرات العـلمية داخـل وخارج العـراق والعـمل كأستاذ محاضر في المعـهـد الفـني في كـركـوك ، كـما ترأسَ قـسم التكاليف والميزانية لسنوات طويلة ، ثم مستشاراً لرئيس شركة نفـط الشمال ، حـتى عام 1995 حـين غادر الوطن الأم ووصل أستراليا سنة 1997 ، وله خـمسة بنين وأربع بنات وزوجة عـلى قـيـد الحـياة .
تعـرّفـنا عـلى هـذا الرجُـل في أستراليا منـذ سنوات وصفات المسيحيّ متجـسّـدة فـيه ، رأيناه غـيوراً عـلى إيمانه ، شمّاساً متمكــّـناً في الكـنيسة وفـعّـالاًً في التـنظيمات الإجـتماعـية المحـلية لغـزارة ثـقافـته . أما عـلى الصعـيـد الكـنسي فـقـد ترك وراءه فـراغاً لن يسـدّه غـيره بسـهـولة ، لِـقابليّـته في اللغة الكـلـدانية وتـضلـَّعه بمصطلحاتها وقـواعـدها ، إلى درجة كتابة القـصائـد الشعـرية الموزونة والمقـفــّاة باللغة الفـصحى بالإضافة إلى أشعاره باللهـجة العامية ، وكـذلك معـرفـته الواسعة في فـنون صلوات وألحان طخـس كـنيستـنا الكـلـدانية. شاهَـدنا فـيه هِـمّة وقــّادة في خـدمة بـيت الرب بكافة متطلـّباته ومنـتسبـيه العاملين فـيه من أكـليروس وشمامسة ، حـيث حـضوره الدائم عـلى مـدار أيام السنة ومشاركاته في الأنشطة الكـنسية كافة وحـيثما تـدعـو الحاجة وبقـلب فـرح دون كـلل ، فـيرتــّب برامج ( طخـس ) الصلوات الموسمية وحـتى اليومية الخاصة بتسلسلها ثم يطبعـها كُلاً في حـينها ، و يستـنسخـها لتكـون جاهـزة بأيـدي الشمامسة مرتــّـليها ، كـما لم يكـن يألُ جـهـداً إذا كـُلــّـف شخـصياً بمهـمّة يقـدر عـليها فـينجـزها . لقـد كان فـعـلاً ذلك الجـنـديّ المجـهـول الذي لا يعـرفه إلاّ المقـرّبـون إليه في الخـدمة ، والمؤمنون الذين شاهـدوه عـن كـثب وكـذلك عـن بُـعْـد . ولم تمرْ إحـتفالية دينية أو تأبـينية ، أو أية ذكرى إحـتفائية لقـيادتـنا الكـنسية إلاّ وكانت له مشاركـته الأدبـية المتميّـزة ذات المعاني المؤثــّرة ، لقـد كان فـعـلاً العـمود الرئيس في خـدمة مـذبحـنا . وعـلى الصعـيـد الإجـتماعي ، كان متــّـزناً سلساً يُـهَـدّىءُ المنفـعـل بطبعه الهادىء ، وقـوراً لم يُـثـقِـلْ عـلى أحـد نفـسَه ، ولم يـبتـذل الكـلام هـباءاً يوماً إلاّ وفـيه حـكـمته ، ولم يحـبّ لنفـسه وحـده بل يشارك غـيره بما تــَوفــّرَ في ساحـته ، فـكان ذلك الأب والمربّي الفاضل ، ذلك المرشـد الذي أحـبّ الجـميع ، والجـميع أحَـبّـوه لكـياسته الخـُلـُقـية ولباقـته في الجـلـَسات الأخـوية وبشاشته الشخـصية ، أحَـبّ أبناء قـومه وكل البشرية ، كمحـبّـته للحـق الذي كان يقـوله أينما يصادف دون تـردّد أو إعـتبارات حـسابـية ، تاركاً المقابل حـرية إقـراره متجـنــّباً إحـراجات شخـصية . كان بعـيـداً عـن الإغـراءات الزمانية ولكـنه مُـفـعـم بالأحاسيس القـومية ومعـتـز بـبلـدته الخابورية ، ومشاعـرُه هـذه إسـتـنهـضـَـتــْه ليؤسس جـمعـيتها ( كـما أشار الشماس أديب ﮔـوﮔـا في معـرض كـلمة عـزاء له بهـذه المناسبة ) وليخـطــّط ويقـيم مع أبناء جـلـدته المهـرجان الثقافي الأول لجـمعـية خابور الكـلـدانية في سـدني فـكان هـو البارع المتميّـز في إدارته مع الناشطين من بلـدته ، وبمقالته وقـصيـدته .
إن شخـصية كـالشماس لويس هـو مُـلــْـكٌ للكـنيسة والشمامسة أكـثر من عائلته ، لذلك فـقـد خـسرناه جـميعـنا كـنيسة وشمامسة ومؤمنين قـبل أهـله وذويه ، ولكنها إرادة الرب ونظام الحـياة ، تـُسلــّم الأدوار لغـيرها تباعاً ، ونحـن بـدَورنا سـنسلــّمها لآخـرين من بَـعـدنا حـتى مجيء يسوع المسيح ربنا . تضرعاتـنا وصلواتـنا نرفـعـها إلى الباري عـز و جـل إلهـنا ، وإبتهالاتـنا إلى سـيدة الكون أمنا مريم العـذراء لتـترجّى إبنها يسوع عِـوَضاً عـنا ، فـيُـكـرموا شماسنا المرحـوم كـما يستحـقـه ، في ملكـوته السماوي الأبـدي مشاركاً القـديسين المنعـمين فـيه ، وليمنح أفـراد أسرته وكافة ذويه العـزاء والصبر أمام مصابهـم الأليم ، والإيمان بأنـنا جـميعَـنا في موكـب الحـياة الأرضية الفانية ، سائرون في طريق الحـق ومتجـهون نحـو ملكوت الرب في الحـياة الأبـدية ـ آمين .