عاشوراء..سلطة الاصلاح
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COMلو قدر الله تعالى لسبط نبيه الكريم (ص) سيد شباب اهل الجنة عليه السلام الامام الحسين بن علي بن ابي طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) ان ينتصر على الطاغية يزيد بن معاوية بن ابي سفيان بن هند آكلة الاكباد، في عاشوراء عام 61 للهجرة، فبماذا كانت ستتميز سلطته عن سلطة الطاغية؟ وما الذي كان سيقوله عند اول خطاب عام يلقيه في مسجد الكوفة بعد ان يدخلها منتصرا؟.
ربما، اذا عدنا لوصيته عليه السلام التي تركها في المدينة المنورة عند اخيه محمد بن الحنفية عليه السلام فسنقرا بعض ملامح مشروعه الذي خرج من اجله.
يقول عليه السلام في تلك الوصية:
واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (ص) اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين.
ان اول ما يلفت الانتباه في الوصية هو انه عليه السلام تجاوز فترة من الزمن تمتد قرابة ربع قرن وهي الفترة الزمنية الممتدة بين وفاة الرسول الكريم (ص) حتى انتخاب امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام خليفة وحاكما للمسلمين، وهو، عليه السلام، لم يقفز على هذه الفترة جهلا او سهوا ابدا، وانما كان يقصد ذلك بكامل الوعي والادراك والمعرفة.
انه انتقل بوصيته من سيرة رسول الله (ص) مباشرة الى سيرة علي بن ابي طالب، من دون ان تتحكم في عملية الانتقال هذه اية عواطف او قرابات او انتماءات قبلية او عائلية او ما اشبه، ابدا، فالحسين السبط عليه السلام امام، كما قال عنه وعن اخيه الحسن السبط عليه السلام، جدهما رسول الله (ص) بقوله {الحسن والحسين امامان قاما او قعدا} فكيف تتحكم الاهواء والعواطف والانتماءات غير الرسالية من قبيل الانتماء للقبيلة او العائلة او المنطقة او الاثنية او اي شئ آخر برؤيته عند تحديد الموقف والهدف؟.
لقد كرر الامام الحسين السبط عليه السلام في وصيته تلك جوهر الرؤية التي كان قد قالها من قبل ابيه الامام امير المؤمنين عليه السلام، عندما قال له عبد الرحمن بن عوف في اجتماع الشورى الستة (امدد يدك لابايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين) رفض الامام ذلك، قائلا: اما القرآن فنعم، واما سنة رسول الله فنعم، واما سيرة الشيخين فلا، لماذا؟ لانه، ربما، لم يشأ الاقرار بمنهج (خلافة) لم ير فيه شيئا من سيرة رسول الله (ص) وما قرره الشرع في كتابه المقدس، القرآن الكريم.
الحسين السبط، اذن، كان دقيقا في تحديد النموذج الذي سيسير عليه، وليس اعتباطا باي شكل من الاشكال.
وهذا يعني انه عليه السلام:
الف: يرى في الامام علي الاستمرار الحقيقي والطبيعي لرسول الله (ص) في كل شئ، خاصة على صعيد الحكم والادارة والسياسة، وما دون ذلك خروج عن المنهج السليم الذي شرعه الله تعالى للبشرية.
بمعنى آخر فان منهج رسول الله (ص) يستمر بمدرسة اهل البيت عليهم السلام دون سواها من المدارس والمشارب التي مالت بالامة يمينا وشمالا منذ لحظة التحاق الرسول الكريم بالرفيق الاعلى.
باء: سيستمر على ذات المنهج، فهو لم يات بجديد او ببدعة في الحكم والسياسة والادارة، كما ان قوله وفعله هو قول رسول الله (ص) وفعله، وهو قول الاسلام وفعله، ويستمر هذا النهج الى آخر ائمة اهل البيت عليهم السلام، فقولهم وفعلهم هو قول وفعل جدهم رسول الله (ص).
بعبارة اخرى، انه، عليه السلام، يمثل الامتداد المتجدد لمنهجية الرسول الكريم (ص) والامام علي عليه السلام، المستنبطة من القران الكريم.
قد تتغير الادوار والادوات، وقد يتغير الزمان والمكان، الا ان النهج والفعل والنتيجة واحدة، هو العدل والحق والحرية والكرامة والامانة والمساواة بين الرعية في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص ودولة المواطن.
جيم: لم يعترف بشرعية الفترة الزمنية الممتدة بين زمني حكومة الرسول الكريم وحكومة امير المؤمنين، والتي انتجت منهجية توريث السلطة بعد ان الغت مبدا الشورى.
اي انه عليه السلام اعتبر ان مدة الـ (25) عاما من السلطة التي اعقبت وفاة رسول الله (ص) وقبل انتخاب امير المؤمنين عليه السلام حاكما على بلاد المسلمين، هي الارضية التي نمت فيها سلطة الفرد ثم تضخمت لتنتج سلطة الديكتاتور المستبد الذي حول الشورى الى ملك عضوض، واقصد به معاوية بن ابي سفيان.
ان قوله في وصيته {ومن رد علي هذا اصبر} دليل من طرف خفي على طعنه عليه السلام باية سلطة تتحكم في رقاب الناس بالفرض والاكراه، وهي طبيعة سلطة ربع القرن التي تجاوزها وتجاهلها الامام عند تحديد منهجيته في خروجه للسلطة، والتي انتجت فيما بعد، ابتداءا من معاوية، سلطة الفرد الذي يعتمد العصبية بعيدا عن الدين الذي حافظ عليه الحاكم كورقة التوت التي يحتاجها ليستر بها سوءاته فقط، هذه السلطة التي يقول عنها ابن خلدون في مقدمته المعروفة (فقد رايت كيف صار الامر الى الملك وبقيت معاني الخلافة من تحري الدين ومذاهبه والجري على منهاج الحق ولم يظهر التغير الا في الوازع الذي كان دينيا ثم انقلب عصبية وسيفا.
وهكذا كان الامر لعهد معاوية ومروان وابنه عبد الملك والصدر الاول من خلفاء بني العباس الى الرشيد وبعض ولده.
ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق الا رسمها، وصار الامر ملكا بحتا وجرت طبيعة التغلب الى غايتها واستعملت في اعراضها من القهر والتغلب في الشهوات والملاذ).
تاسيسا على كل ذلك، نستنتج بان الحسين السبط عليه السلام حدد معيار (الاصلاح) الذي تحدث عنه في وصيته الانفة الذكر في ثلاث قضايا:
القضية الاولى: اصلاح المنهج والنظرية السياسية.
القضية الثانية: اصلاح السلطة الفاسدة واعادة تحديد ملامح الحاكم العادل.
القضية الثالثة: اصلاح ادوات الحاكم، سواء تلك التي يستخدمها للوصول الى السلطة او التي يستخدمها لتكريس سلطته واستمرارها، بما فيها المؤسسة الدينية التي تشرعن فساد السلطة، والمؤسسة الاعلامية التي تروج لشرعية فساد السلطة.
ان اية سلطة في العالم، سواء القديم منه او الحديث، تستند الى فلسفة ما، والا فستكون عبثا لا تقوى على الصمود والاستدامة، ولذلك فعندما نريد ان نناقش الاراء السياسية والدينية لاية سلطة، يلزمنا اولا ان نناقش الفلسفة التي تستند عليها تلك السلطة، فاذا اردنا تفنيد آراءها السياسية والدينية علينا اولا ان نفند او نبطل الفلسفة التي تعتمدها، والعكس هو الصحيح.
ولقد حدد الاسلام معالم سلطة الحق بعدد من المبادئ التي تشاد عليها، تقف على راسها مبدا (الشورى) الذي يعني:
اولا: ان الناس هم الذين يختارون الحاكم وليس لاحد ان يفرض نفسه عليهم بالقوة او الاكراه تحت اي مسمى او ذريعة، وذلك لقوله تعالى {وامرهم شورى بينهم}.
يقول المرجع الراحل، فقيه اهل البيت عليهم السلام، الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه (الشورى في الاسلام):
اما وجوب المشورة في مجئ الحاكم الى الحكم، فلانه نوع تسلط على الناس، والناس لا يصح التسلط عليهم الا برضاهم.
ثانيا: للامة الحق في عزل الحاكم اذا لم يلتزم بما تعاقد عليه معها، فحنث بيمينه او مارس الظلم او تجاوز على حقوق الناس او مد يده الى بيت المال بالحرام او حتى اذا فشل في انجاز ما تعاقد عليه معها.
ولقد شرعن الامام امير المؤمنين عليه السلام هذا الحق بقوله معلقا على مقتل الخليفة الثالث:
انه قد كان على الامة وال احد احداثا، واوجد الناس مقالا، فقالوا، ثم نقموا فغيروا.
ثالثا: ان اختيار الامة للحاكم يكون لشخصه كونه يتميز بمواصفات معينة تؤهله للسلطة اكثر من غيره، وليس لاسرته او عشيرته، ولذلك فليس من حق الحاكم ان يورث السلطة لكائن من كان، فالتوريث ضد الشورى لانه مبدا يقوم على اساس نقل السلطة داخل الاسرة الواحدة بالاكراه وليس بارادة الناس وقبول الامة، وهي عملية استئثار بالسلطة يرفضها الدين والمنطق والعقل.
ان الشورى التي تعني مبدا تداول السلطة بشكل سلمي وعبر (بيعة) الامة للمرشح، الانتخابات العامة، بعد اختياره من بين عدد من المرشحين، يفسح المجال لكل مواطن في ان يتبوأ مقعد الخلافة اذا رات الامة فيه الاهلية لذلك، فلا استحواذ على السلطة ولا احتكار للسلطة ولا توريث، وهذا هو جوهر مبدا المساواة في الحقوق والواجبات الذي يعتمده الاسلام في السلطة.
يقول العلامة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه (نظام الحكم والادارة في الاسلام) معلقا على الحديث الشريف عن رسول الله (ص) {الناس كلهم كاسنان المشط} ما يلي:
في هذا التشبيه الفذ يلمح النبي الى معنى سام شريف، فكما ان المشط يفقد فائدته اذا لم تستو اسنانه جميعا، كذلك المجتمع لا يؤتي فائدته الاجتماعية، وهي التكامل، اذا لم يستو افراده جميعا في الحقوق والواجبات، ولذلك لا يجوز ان تقوم العلاقات الاجتماعية على سيادة فريق، واستئثاره بالخيرات، واستخدام فريق يعمر لغيره الموائد ليحرز لنفسه الفتات.
رابعا: ان الامة التي تمارس حقها في اختيار الحاكم، مسؤولة عن اختيارها ان خيرا فخير وان شرا فشر، ولذلك فلا يجوز لها ان تتهرب من مسؤولية الاختيار باي شكل من الاشكال، ومن اجل ان تتنعم باختيارها عليها ان تحسن الاختيار فلا تتسرع في الحكم على المرشحين، كما ان عليها ان تدقق في المرشحين قبل ان تختار واحدا من بينهم، والا فسيكون اختيارها وبال عليها تحصد الظلم والتخلف بسببه.
ان قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم {وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون} اشارة واضحة جدا الى حقيقة ان الانسان مسؤول عن اختياره، فعندما يستعجل الاختيار او لا يهتم به فيدلي بصوته الى كائن من كان من المرشحين من دون تمحيص او تدقيق، فانه سيحصد فشلا وظلما ليس الا نفسه هو المسؤول عنه، ومثله كمثل التلميذ الذي يختار الاهمال والتهرب والكسل واللاابالية طوال العام الدراسي ثم تكون النتيجة الحتمية لتلك المقدمات هي الرسوب في صفه، فمن الذي يتحمل فشله يا ترى سوى نفسه وخياراته؟.
لقد كرر القران الكريم هذا المعنى في اكثر من آية كقوله تعالى {ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا} وقوله تعالى {وقفوهم انهم مسؤولون} من اجل ان لا يتحجج الانسان اذا اخطا في اختياره، فيتعب نفسه بالبحث عمن يرمي المسؤولية برقبته ليتخلص منها.
ان الامة ليست مجبرة على (الاختيار) ابدا، واذا تمكن احد من ان ينزو على السلطة فهذا لا يعني ان الله تعالى هو الذي مكنه من ذلك، فيكون على الامة ان تطيعه مرغمة لانها مجبرة على القبول به، ابدا، فلو كان الامر كذلك لسقط مبدا الاختيار بالضربة القاضية، وبالتالي لسقط مبدا المحاسبة والمساءلة للعباد من قبل الله تعالى، ومن ثم سيسقط مبدا المفاضلة في حسن الاختيار، فما الذي بقي من آدمية الانسان اذن؟.
ان الانسان، كما نعرف، يتميز عن الحيوان بقدرته على الاختيار، فاذا سقط هذا المبدا او سلبه احد هذا الحق فستنتهي آدميته فكان كالحيوان بل هو اضل سبيلا، لانه اسقط حق، بتنوين القاف، الله تعالى منحه اياه، اما الحيوان فلم يمنحه خالقه هذا الحق، فهو منتفي بانتفاء الموضوع كما يقول المناطقة.
تاسيسا على هذه الحقائق، فان الحسين السبط عليه السلام اعلن في وصيته بانه سيعيد جوهر كل هذه المعاني والحقوق الى العملية السياسية بعد ان اصابها التغيير والتشويه بدرجة كبيرة.
لقد رسم الاسلام خارطة طريق للوصول الى السلطة وبطريقة شرعية، تحول دون حصول (البيعة) بطريقة (الفلتة) والتي تعني لغويا (الامر يقع عن غير روية ولا تدبر) كما حصل مع (بيعة) الخليفة الاول على حد قول الخليفة الثاني، لان مثل هذه السلطة تجر الويلات على الامة وقد تقودها الى الفرقة والتهلكة، اما امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، فقد رفض ان يتبوأ موقع الحاكم في الامة بهذه الطريقة، انه ارادها ان تكون بيعة واعية، ولذلك قال يصف بيعته {لم تكن بيعتكم اياي فلتة} وهو الامر الذي اراد ان يكرسه الامام الحسين عليه السلام في الامة من خلال خروجه الى السلطة ساعيا الى تغيير الخطا الذي حصل في مسار الخلافة، وعلى وجه الخصوص بعد ان ورث يزيد السلطة عن ابيه لتتحول الخلافة بذلك الى ملك عضوض، وهو الامر الذي يتناقض ومبدا الشورى جملة وتفصيلا، على الرغم من كل المحاولات التي بذلها الامويون لشرعنة هذا النوع من السلطة، والذي لا زال احفادهم من الوهابيين وامثالهم يسعون لاقناع الامة بشرعيته بلا طائل، كما هو الحال مثلا مع سلطة اسرة آل سعود الفاسدة في الجزيرة العربية.
وان اسوأ تشويه واخطر تغيير حصل عليها هو ما اعتبره الامويون بان وصولهم الى السلطة انما بقضاء من الله تعالى وقدر منه، فلماذا ينازعهم البعض هذا الامر؟ ولماذا يخرج عليهم الناقمون؟ ولماذا يسعى البعض من الامة الى اسقاطهم عن عرش الخلافة؟.
انهم روجوا في الامة، لحظة اعتلاء الخليفة الثالث سدة الحكم، مقولة ان الخلافة قميص يقمصه الله تعالى من يشاء من عباده، ولذلك لا يحق لاحد ان ينزع عنه هذا القميص مهما فجر او فسق او ظلم او خرج على ارادة الناس او تمرد على الدين وقيمه، في محاولة منهم لتخدير الامة والقبول بالامر الواقع والاستسلام له.
انهم مارسوا، بالترغيب والترهيب والخداع والتضليل، عملية غسيل دماغ ضخمة لاقناع الناس بهذا المبدا غير السليم، والذي نسفه امير المؤمنين عليه السلام لما اراده الناس على البيعة بعد مقتل الخليفة الثالث، بقوله {دعوني والتمسوا غيري} فرفضه السلطة، وهي غير الامامة بلا شك، بادئ الامر دليل على انها ليست قميص يقمصه الله تعالى من يشاء من عباده، ابدا، والا لما رفضها الامام، وانما لسعى اليها سعيا حثيثا كما فعل غيره، وانما هي من فعل الانسان وبارادته.
يقول المفكر محمد عابد الجابري بهذا الصدد:
فالامويون الذين استولوا على السلطة بالقوة لم يجدوا ما يبررون به سلطتهم واعمالهم التي كانت موسومة بالعسف والعنف الا ان قالوا ان ما حدث كان قضاء وقدرا من الله، فهو الذي ساق الينا الخلافة وقدر علينا بسابق علمه ان ناتي ما نفعل، وقد رتبوا على هذا نتيجة اخرى فقالوا ان الله لا يحاسب الخلفاء لانه هو الذي جعلهم امراء على الناس، وقد وضعوا لذلك حديثا روجوا له يقول: ان الله تعالى اذا استرعى عبدا رعية كتب له الحسنات ولم يكتب عليه السيئات.
وتواصل قول وتدوين الاحاديث المكذوبة لتكريس هذا النهج، منها على سبيل المثال لا الحصر:
انكم سترون بعدي اثرة وامورا تكرهونها، قالوا: فماذا تامرنا يا رسول الله؟ قال: ادوا اليهم حقهم، وسلوا الله حقكم.
من راى من اميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فان من فارق الجماعة شبرا فمات الا ميتة جاهلية.
ستكون هنات وهنات، فمن اراد ان يفرق امر هذه الامة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائنا من كان.
ولقد نجح الامويون، وللاسف الشديد، في تكريس هذه الفلسفة في الامة قرونا طويلة من الزمن، لتستمر الى يومنا هذا، فعندما يعتبر احد فقهاء التكفير من فقهاء بلاط آل سعود بان اخذ البيعة للطاغية يزيد من قبل ابيه معاوية كانت شرعية، على الرغم من انه يرفض ان يكون رسول الله (ص) قد اخذ البيعة للامام امير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير الاغر لانها تنسف فلسفة الشورى على حد زعمه، فهذا يعني ان النهج الاموي لازال حيا في عقول ومنهجية مثل هؤلاء، الامر الذي يوظفونه لشرعنة النظام السياسي العربي الفاسد، فالحاكم عندنا اليوم هو امير المؤمنين وخادم الحرمين الشريفين وعبد الله المؤمن والمجاهد الاكبر وحفيد رسول الله (ص) المنحدر من سلالة ابنته الطاهرة فاطمة الزهراء وصهره الامام علي، وهو الخليفة وهو ظل الله في الارض.
انهم يشرعنون بيعة الفاسق يزيد، ويشرعنون توريث السلطة الذي بداه معاوية، ومن ثم سار عليه الامويون والعباسيون ومن جاء بعدهم، ليس من اجل ذاته، وانما من اجل تشريع السلطة الفاسدة التي يستظلون اليوم بظلها، وينعمون بخيراتها على حساب معاناة الناس، ما يمنحهم القدرة الى ان ياخذوا دينهم من اي (خليفة) كان وان كان فاسقا كيزيد، ولهذا السبب فعندما تسال احدهم عن صحة راي من الاراء السياسية المتعلقة بالسلطة التي يستظلون تحتها يجيبك بالقول: ان معاوية مثلا فعل ذلك ما يعني شرعية الممارسة، او ان يزيد فعل ذلك، افهل نستغرب، بعد كل هذا، اذا سمعنا احدهم يتمنى ان يكون هو من قتل الحسين السبط عليه السلام لانه بذلك سيحيي سنة بقتل من يخرج على امام زمانه كما فعل الطاغية يزيد على حد قوله؟.
ولذلك فعندما نسمع ان شيخا من شيوخ البلاط او فقيها من وعاظ السلاطين يفتي بحرمة الخروج على ولي الامر او لا يجيز التظاهر او الاعتصام ضده، كونه ظل الله في الارض وانه العبد الذي قمصه الله تعالى قميص الخلافة، فان علينا ان نتذكر بانه ينتهج سياسة بني امية الذين لفقوا من اجل تثبيتها في الامة كحقائق لا يرقى اليها الشك الكثير من الاحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) عبر ما بذلوه من اموال طائلة اشتروا بها ضمائر الناس كابي هريرة الذي دفع له معاوية الكثير من الاموال لينقل احاديث موضوعة تمجد بسلطة بني امية، وتنتقص من مكانة امير المؤمنين عليه السلام، الى جانب الماكينة الاعلامية التي تحركت وقتها لنشر مثل هذه الاكاذيب والاحاديث الموضوعة، في عملية غسيل دماغ يندر حصولها في امة من الامم.
انه ذات النهج الاموي الذي كان ياخذ على الظنة ويقتل على الشبهة، بعد ان شرعن الظلم والطغيان وحرم على الامة التمرد عليه.
لقد اراد الامام الحسين عليه السلام بخروجه واستشهاده في كربلاء في عاشوراء عام 61 للهجرة ان يحطم هذه الاصنام (الفكرية) و (الفقهية) التي ما انزل الله تعالى بها من سلطان، واراد ان يبين للامة بان ما يفعله الامويون ليس بقضاء الله تعالى وقدره، فهو ليس فعلا محتوما وقضاءا مبرما، عليها ان تنصاع وتستسلم له، ابدا، بل انه عمل يخالف الاسلام وسنن الكون وكل القيم الانسانية، انه عمل من صنع الانسان وليس من صنع الله تعالى، ولذلك فان من حق الامة ان تغير وتبدل، كما ان من حقها ان ترفض الظلم اذا صدر عن الحاكم، فهو ليس ظل الله في الارض كما انه ليس معينا من قبله تعالى، انه وصل الى السلطة بطرق الارض وليس بطرق السماء، وهو نزا على السلطة بسبب خطا حصل في الامة، كأن تكون غفلت عنه او كانت في سبات فاستغل الظالم الظروف المؤاتية لينزو على السلطة، او ان رقاب الناس دانت له بالسيف او بالمال او بالسلطان يوزعه على من يستعصي امره عليه، كما فعل معاوية مع عمرو بن العاص الذي اشتراه بملك مصر، او ما فعله يزيد مع عمر بن سعد بملك الري.
والحمد لله فلقد استوعبت الشعوب العربية اليوم رسالة عاشوراء الحسين السبط عليه السلام، فلم تعد تصدق وعاظ السلاطين الذين يحرمون الخروج على ولي الامر، كما انها لم تعد تنظر الى الحاكم كانه ظل الله في الارض الذي يجب عليها طاعته مهما غير او بدل او سرق او سحق حقوقها او قتل او اعتدى على اعراض الناس او استولى وعشيرته وعائلته على كل فرص الخير.
لم يعد للتضليل (الديني) المزيف سلطة على عقول الناس، ولم تعد لدعاية الحاكم الظالم سلطة على ارادة الناس ووعيها واختياراتها.
ولذلك يشهد العالم العربي اليوم ربيعا منعشا سيسقط كل الاصنام التي نزت على السلطة بقوة الحديد والنار، وبشرعية فتاوى فقهاء البلاط الذين يقدمون مصالح البلاط على مصالح العباد.
وعلى الرغم من هذا الربيع، الا اننا لازلنا نسمع او نقرا بعض الفتاوى التضليلية التي لازال يتوسل بها ويلجا اليها بعض الحكام المستبدين من امثال آل سعود وآل خليفة وطاغوت اليمن ومن لف لفهم، وكانهم ما سمعوا بان الشعوب الحرة التي نور الله تعالى قلبها بالوعي والادراك فراحت تحسن اختيارها، ان هذه الشعوب قد سحقت فتاواهم (الدينية) المزيفة باقدامها؟ واحرقت الاوراق والقراطيس التي كتبت عليها، او كانهم لم ينتبهوا الى السقوط المدوي الذي تهاوت بسببه المؤسسة الدينية الفاسدة الى الحضيض بعد ان لم تعد الشعوب تعير اية اهمية لفتاواها المضللة والفاسدة؟.
ان وراء كل سلطة فاسدة سلطتان فاسدتان، الاولى هي سلطة المؤسسة الدينية الفاسدة التي تسخر فتاواها (الدينية) في خدمة اهداف الحاكم الظالم، فهي تشرعن توريث السلطة والفساد المالي والاداري والقتل وحصد الارواح وكل شئ يريده او يطلبه منها النظام السياسي الفاسد.
اما السلطة الثانية فهي سلطة الاعلام الفاسد الذي يروج للفتاوى الفاسدة التي تشرعن فساد السلطة السياسية.
انها منظومة متكاملة يبرر احدها للاخر، ويروج احدها للاخر، والقاسم المشترك والهدف الواحد لها هو تضليل الراي العام وارهابه من اجل ان لا يخرج على (ولي الامر) الذي (عينه الله تعالى) حاكما على رقاب الناس والذي سيكتب له الله تعالى حسنات غيره ويمحو سيئاته ويسجلها في حساب الناس.
ان المؤسسة الدينية الفاسدة لا تاخذ بنظر الاعتبار مصالح الناس ابدا، فهي مثلا لم تشكك بشرعية الحاكم الذي يستولي على السلطة بالتوريث بعد ان يقتل الابن اباه او يزيحه عن السلطة ويبعده الى المنفى، كما حصل لامير قطر الحالي مثلا، ولكنها تحرم على المواطن احتجاجه وتظاهره ضده، كما انها لم تعر اهتماما باللصوصية التي يمارسها الحاكم الظالم والتي ازكمت رائحتها الانوف، الا انها تحرم الجهر بالقول على من ظلم، بضم الظاء، وهي لم تسال يوما عن ملايين الابرياء الذين يقبعون خلف القضبان في سجون مظلمة لا يميزون فيها الليل من النهار، يتعرضون فيها الى اشد انواع العذاب النفسي والجسدي، وفي احيان كثيرة الى الاغتصاب، الا انها تحتج بفتاوى (دينية) رنانة اذا ما طالب الشعب بمحاكمة زعيم طاغ مجرم اكل حقوق الناس وسرق خيرات البلد لصالح حفنة من ابنائه وزبانيته.
ثم تاتي المؤسسة الاعلامية الفاسدة لتروج لكل ذلك، اذا بنا نقرا مقالات من يدعون الثقافة والفكر المتنور والعقل المنفتح، وفي القرن الواحد والعشرين، تبرر لواحدة من افسد الاسر الحاكمة في العالم، واكثرها دموية، قتلت حتى الان بفتاوى التكفير التي تصدر عن فقهاء بلاطها، اكثر من (4) ملايين انسان، من اجل اقامة وديمومة سلطتها، واقصد بها اسرة آل سعود الفاسدة، التي وظفت (الدين المزيف) لخداع الناس ولشرعنة سلطة التوريث الجاهلية المنشا والاموية النهج، فاي جهل هذا واي تخلف واي تضليل؟.
كيف يجيز (مثقفو السلاطين) لانفسهم بنشر مثل هذه الخزعبلات التي تبرر الظلم والفسق لاسرة نزت على السلطة بالقهر والقتل والتدمير؟ سلطة تحتضن الارهاب ومؤسساته بمختلف اشكالها؟ سلطة تمارس السحق المنظم لحقوق الانسان وخاصة المرأة التي لازالت مغيبة بفتاوى المؤسسة الدينية الفاسدة، ومقتولة بدينهم المزيف؟.
وهل يظنون ان بامكانهم خداع الناس بمثل هذه المقالات الفاسدة، بعد ان نفض الشارع العربي عن نفسه غبار الذل والسكينة؟ وبعد ان ازاح عن عينيه وعن قلبه غشاوة فتاوى (الدين المزيف)؟ فلم يعد للحاكم قدسية دينية من النوع الذي ظلت المؤسسة الدينية الفاسدة تلبسه اياه لخداع الراي العام؟ ولم يعد للفتاوى التي تحرم الخروج عليه مهما فعل قيمة تذكر؟.
19 تشرين الثاني 2011