عامان على حكومة السوداني... نجاحات وإخفاقات
المصدر: العربي الجديد
مرّ عامان على عُمر حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، التي مُنحت الثقة من خلال البرلمان في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعد انسحاب التيار الصدري (التيار الوطني الشيعي) بزعامة مقتدى الصدر من العمل السياسي ومنح القوى المناوئة له فرصة تشكيل الحكومة. وخلال العامين الماضيين في ظل حكومة السوداني غابت أية طفرات نوعية في البلاد، أو حتى حلول للمشكلات التي طالب العراقيون عبر الاحتجاجات لسنوات بإنهائها، ومنها سيطرة مبدأ المحاصصة الحزبية والسياسية على المناصب الهامة، بالإضافة إلى مشكلة حصر السلاح بيد الدولة، أو إشكالية الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على النفط فقط.
مراقبون وناشطون رأوا أن حكومة السوداني عجزت عن تنفيذ إجراءات حقيقية وملموسة على الأرض، خصوصاً في ملف النازحين في المناطق "منزوعة السكان" والتي تحتلها المليشيات المسلحة، مثل جرف الصخر والعوجة ويثرب وغيرها، بالإضافة إلى تعويض المنازل المدمرة، وإخراج الحشود المسلحة من مراكز المدن والأحياء السكنية، وكذلك الفساد المالي المستشري في البلاد، ناهيك عن مشكلة تراجع قيمة الدينار مقابل الدولار (الدولار يساوي نحو 1311 ديناراً عراقياً).
واكتفى رئيس الوزراء العراقي بتطبيق إصلاحات متعلقة بتعبيد وشق الطرق والجسور وتوظيف أعداد ضخمة من العاطلين من العمل في مؤسسات الدولة، مع ملء مئات آلاف الوظائف رغم تحذيرات خبراء الاقتصاد من خطورة ذلك على موازنة الدولة وحجم الترهل الوظيفي الكبير الذي أصاب القطاع الحكومي في البلاد. وقال السوداني في كلمة أعقبت التصويت على منح الثقة لحكومته في 27 أكتوبر 2022، إن "جائحة الفساد التي أصابت جميع مفاصل الحياة هي أكثر فتكاً من وباء كورونا، وكانت السبب وراء العديد من المشاكل الاقتصادية، وإضعاف هيبة الدولة وزيادة الفقر والبطالة وسوء الخدمات. وعليه يتضمن برنامجنا سياسات وإجراءات حازمة لمكافحة هذه الجائحة". وشدّد السوداني على ضرورة "بناء اقتصاد عراقي قوي قادر على تحقيق التغيير النوعي في الخدمات، وخلق فرص عمل كثيرة ويفسح أبواب الاستثمار على مصراعيها، كما يُسهم بتقوية أُسس تعاون مع دول العالم، مبنية على مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل للسيادة". وأشار إلى أن "هناك أهمية لإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم بعـد استكمال متطلبات العودة، والاهتمام أيضاً بحقوق الإنسان وتمكين المرأة، والعمل على بدء حملات حصر السلاح المنفلت بيد الدولة، ومحاسبة المتورطين بقتل العراقيين سواء في التظاهرات الشعبية أو خلال المشاكل الأمنية".
في السياق، قال القيادي في تحالف الإطار التنسيقي الحاكم، عامر الفايز، إن "العراق يحتاج إلى حكومات تستكمل الإصلاحات والعمل، لا أن تبدأ من جديد مع إهمال قرارات الحكومات التي سبقتها"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لذلك فإن حكومة السوداني عملت بهذه الطريقة، إذ استكملت النجاحات الماضية في الدولة العراقية، ورسمت خططاً خدمية جديدة، اتفقت عليها جميع الأحزاب في تحالف إدارة الدولة". ولفت إلى أن "من الصعب القول إن حكومة السوداني نجحت في كل شيء، لكنها تقدمت كثيراً في الملفات الخدمية، بالإضافة إلى النجاحات في مجال الحوار مع الأميركيين بشأن إنهاء دور التحالف الدولي في العراق". واعتبر الفايز أن "العراق بحاجة إلى نهضة في المجالات كافة، وهناك حاجة لدعم سياسي لإجراءات الحكومة وخياراتها".
تفاهمات سبقت ولادة حكومة السوداني
وتضمنت ورقة الاتفاق السياسي التي أبرمت بين الأحزاب والسوداني، 23 فقرة، معظمها لم يُطبّق بسبب الالتفاف السياسي حول بنودها بعد تشكيل الحكومة. ومن أبرز تلك التفاهمات، التي عُدت شروطاً لقاء التصويت في البرلمان لصالح منح الحكومة الثقة، إنهاء وجود الفصائل والمليشيات المسلحة في المدن والأحياء السكنية، وإطلاق برنامج حصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء ظاهرة المدن "منزوعة السكان" التي تسيطر عليها بعض الفصائل المسلحة، وتشكيل محكمة مستقلة لملفات الفساد بأثر رجعي منذ عام 2006. كما جرى التفاهم على تشريع قانون العفو العام، الذي يستهدف بالدرجة الأولى أولئك الذين انتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب أو بوشاية المخبر السري، وإتاحة محاكمات عادلة لهم مجدداً، وتعويض المتضررين من العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية، والكشف عن مصير المختطفين. وشملت التفاهمات معالجة أزمة السكن، وإطلاق استراتيجية مكافحة الفقر والبطالة، وتعهدات أخرى مرتبطة بإجراء إصلاحات في القطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية، وإلغاء هيئة "المساءلة والعدالة". ومن بين التفاهمات أيضاً إنصاف الأقليات العراقية المتضررة من سنوات العنف والإرهاب، وإلغاء التدقيق الأمني لسكان مدن شمال وغرب العراق، وإعادة النظر في التوازن داخل مؤسسات الدولة، خصوصاً الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، وإنصاف محافظة البصرة والمدن النفطية الأخرى في البلاد، وتقديم قتلة المتظاهرين والناشطين للقضاء، وتطبيق اتفاق تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار شمالي العراق (بين أربيل وبغداد عام 2020 بهدف إخراج الجماعات المسلحة غير العراقية من سنجار تمهيداً لعودة نازحيها).
من جانبه، بيَّن الناشط السياسي أيهم رشاد، أن "السوداني وحكومته لا يختلفان كثيراً عن أية حكومة تسلمت السلطة بعد الاحتلال الأميركي، لكونها مبنية على التوافق السياسي وليس على الشرعية السياسية أو المشروعية الاجتماعية". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بالتالي فإن المديح الكثير الذي يحظى به السوداني من الأحزاب لا يدل إلا على أمر واحد، هو أنه استرضى جميع هذه الكيانات السياسية بالعقود المالية والتعيينات ونشر أعضائها في المناصب الهامة، لكن خلال الشهرين الماضيين ظهر خلاف بين الحكومة والأحزاب بما يتعلق بقضية التنصت (بمكتب السوداني) وفتح باباً جديداً من الصراع". ولفت رشاد إلى أن "حملات إنشاء وفتح الطرق والجسور، عمل مهم، لكن لا يمثل كل ما يحتاجه الشعب، بل إن ملفات كثيرة مطلوبة، منها رفع الهيمنة السياسية عن القرار العراقي وإنهاء السلاح المنفلت، وتحسين الواقع الاقتصادي". وأشار إلى أن "النظام الحالي وليس الحكومة فقط، قد يتعرض إلى هزة في أعمدته مع تعاظم مشكلة تراجع قيمة الدينار، وقد يسقط النظام خلال فترة وجيزة إذا ما تراجع سعر النفط في البلاد، ما يعني أن المشكلات البنيوية في النظام العراقي لا تعالج ببناء جسور باعتباره من الإنجازات".
بدوره، قال علي البيدر، وهو محلل سياسي قريب من الحكومة، إن "التحديات في العراق كثيرة وكبيرة، وأي حكومة ستكون أمام مواجهة مع التحديات، وللأسف بعضها متجذر، لكن بكل الأحوال فإن حكومة السوداني حققت تقدماً في مجال البنى التحتية، التي كانت مهملة منذ أكثر من 40 عاماً، كما تمكن من تحقيق الهدوء السياسي". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال العامين الماضيين كان لدينا هدوء سياسي واضح، حتى المشاحنات والمشكلات كانت سرعان ما تنتهي". وأضاف البيدر، أن "ما توصلت له الحكومة خلال عامين يعد منجزاً هاماً، خصوصاً في مجال الإعمار وتوسعة الطرق وبناء الجسور، ما أسهم في تخفيف الاختناقات، بالإضافة إلى التقدم الجيد في بناء المدن السكنية على أطراف العاصمة بغداد ومناطق أخرى". واعتبر أن "حكومة السوداني تحظى بدعم سياسي كبير، ما يمثل أحد أسباب نجاحها".