عسى الاّ تكون قرارات الـحركة الديمقراطية الآشورية حبر على ورق
الحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) حزب سياسي يعمل على الساحة العراقية ، يتبنى خطاب قومي ، ومن هذا المنطلق نستطيع ان نعتبر هذه الحركة حزب سياسي عراقي علماني ، أسوة بالأحزاب التي تتبنى طروحات قومية .رأيي الشخصي بهذا الحزب أو هذه الحركة ، يعكسه مدى تقبلها لسماع الرأي الآخر وتقبل النقد ، ولكن مع الأسف إن هذه الحركة تفضل سماع الرأي المؤيد لها فحسب ، وتتجنب ( غالباً ) سماع الرأي الناقد ، فتوصف اصحاب هذا الرأي بأنهم أبطال الأنترنيت ليس ألا .
عهدي بالخطاب الأعلامي للحركة انها تريد ابقاع الأوضاع الآسنة ولم تحاول معالجة جذور العلة ، وكانت تحاول احتكار الحقيقة والفضيلة فلجأت الى الغاء الآخرين ، وهكذا تعدم كل رأي خارج دائرة المدح والأطراء ، وتدفعه الى سلة المهملات ، وحبذا لو استفادت الحركة من حكمة القوشية تقول : ( سي كيبد او دكمبخيلوخ لا كيبد او دكمكخكاوخ ) ، وترجمته الحرفية : قابل الذي يبكيك وليس الذي يضحكك . والمغزى واضح ، بضرورة سماع الناس خارج دائرة المدّاحين .
ان الحركة الديمقراطية الاشورية رغم منهجية الأطار المبدأي القومي الذي يؤطر خطابها ، فهي في حل عن المبادئ حينما تقتضي الضرورة السياسية ذلك ، فالمبدأية في التطبيق العملي تاتي بعد المصالح والمكاسب السياسية ، وبتعبير أدق ، يمكن تجميد بعض الطروحات المبدأية الى حين ، إن اقتضت المكاسب السياسية ذلك . وهذا ما يوحي للمراقب ان الحركة تعمل في عقلية مكاسب سياسية بحتة ، والشعارت هي لخدمة السياسة وبالعربي الفصيح :
إن المبادئ باتت توظف كوسيلة ولم تعد غاية بذاتها .
لقد خرج المؤتمر الرابع للحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) والذي اختتم اعماله في الثاني من تموز الماضي ، بإطلاق دعوة للحوار مع مختلف فصائلنا القومية من أجل التوافق على ما يجمعنا ووضع آليات عمل أكثر نضجاً لخدمة قضايانا الستراتيجية و...
كلام طيب ويعني الشئ الكثير إذا ترجمت الأقوال الى أفعال . فالحركة رفضت فيما مضى الولوج بوابة الحوار الجاد مع الكيانات السياسية لشعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين ، وأنكفات الحركة على نفسها ، ربما لحساباتها المفرطة في التفاؤل ، بثقتها واعتدادها بنفسها ، وهكذا لم تشارك الحركة في حوارات جادة مع القوى السياسية الناهضة لشعبنا . ولجأت الى خوض العملية الأنتخابية بقائمة مستقلة يحدوها الأمل والثقة في النفس في كسب واستقطاب اصوات الناخبين من الكلدان والسريان والآشوريين .
كانت آمال الحركة كبيرة في تعزيز رصيدها من النواب في البرلمان العراقي ، لكي تتعامل مع القوى السياسية الفاعلة في الساحة العراقية بندية لأحراز استحقاقات انتخابية وتأمين حقائب وزارية ، لكن حسابات البيدر لم تتناسب مع حسابات الحقل .
لقد كان تقارب الحركة من القوى السياسية النافذة للشيعة بهدف مساعدة الحركة في تبوء مراكز سياسية والحصول على حصة من الكعكة . وتجسد هذا التعاون في مجلس الأقليات العراقية الذي يراسه الدكتور حنين القدّو وهو عضو في البرلمان العراقي ، لدرجة ان هذا المجلس قد تبنى خطاب الحركة الديمقراطية الآشورية في تسمية شعبنا بالكلدوآشوري ، دون الألتفات الى رؤى كل الأطياف الرافضة لهذه التسمية الهجينة .
إن اهم عناصر التطور والقوة في الفرد والمجتمع والتنظيمات السياسية هو قدرتها على معاينة وتمحيص الذات والسعي لمعالجة الخلل دون خشية او ريبة من النقد او النقد الذاتي او المساءلة .
إنني أتساءل بعد قرارات المؤتمر الرابع :
هل تسعى الحركة الى تمرير خطابها القديم بشعارات جديدة ؟ المراقب لسيرورة الحركة ، وأنا اعتبر نفسي واحداً من هؤلاء المراقبين ، لا بل صديقاً للحركة ، ولا يهمني إن كانت تعتبرني الحركة من المناوئين لها او غير ذلك من الأعتبارات .
مبدئياً ان شمول كل مكونات شعبنا بتنظيمات الحركة فقط ، وما يعرف بالمجلس الكلدوآشوري السرياني ، وهذا المجلس كما هو معروف هو من تنظيمات الحركة ، فاختصرت الحركة تمثيل شعبنا بالتنظيمات التابعة لها فقط ، دون الألتفات الى الأحزاب السياسية الأخرى ، وهذا التوجه يتوافق مع ما تنتهجه الأحزاب الأديولوجية الشمولية التي تختزل تطلعات الشعب بالتنظيمات التي تصنعها وتبقى دائرة في فلكها ، ولنا امثلة كثيرة في حزب البعث وغيره من الأحزاب الشمولية .
إن تحديث منهجية الحركة بصورة جذرية لا يتم بتطوير آلية جديدة لتحقيق شعارات قديمة .
ولنا ان نتساءل هل سعي الحركة من اجل توسيع الحوار مع الآخر هو بقصد ترويضه ( الآخر ) مع اجندة الحركة ؟ أم هو انفتاح صادق للتعاون مع الآخر بندية وشفافية لما فيه خير شعبنا ووفق الأعتراف بتعدد الرؤى واحترامها ؟
لكي تترجم الأقوال الى أفعال ولا يبقى كلامها عبارة عن حبر على ورق ، يترتب أمام الحركة الشئ الكثير لكي تقوم به ، فثمة :
(( طرحها الطفولي الساذج لمسألة التسمية الكلدانية باعتبارها مذهب كنسي مسيحي ، والكل يعلم أنه لا يوجد مذهب مسيحي كنسي بهذا الأسم ، ومن يطرح هكذا كلام فإنه يمثل الجهل والأمية في أبجدية تأطير مفهوم القومية وتمييزها عن المذاهب الكنسية )) .
الحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) ، لها ارضية جيدة بين الكلدان الذين قبلوا بالتسمية المركبة ، لكن ما يظهر من الواقع فإن هذه التسمية لا مستقبل لها بين أبناء شعبنا من الكلدان او السريان او الآشوريين ، فعلى الحركة من هذه الناحية ان تحترم مشاعر الآخرين وتعترف بكافة التسميات التاريخية القومية لشعبنا ، دون محاباة او تفضيل تسمية على اخرى وبعكسه سوف لا تختلف كثيراً عن الخطاب الآشوري الأقصائي الغارق في التعصب .
بنظري ، على الحركة الديمقراطية الاشورية الأعتراف بالوزراء المعيّنين في حكومة اقليم كردستان او في الحكومة العراقية بأنهم ممثلين لشعبنا سواء كانوا محسوبين لأطراف حزبية أخرى او كانوا مستقلين ، وإن لم ينتموا الى الحركة الديمقراطية الآشورية . مع عدم أهمال او إغفال حق الحركة في تسنم مناصب وزارية في الحكومتين .
إن التحديث في الخطاب يعني فتح صفحة جديدة يمحي أخطاء الماضي ، فهل تقوم الحركة بتغيير نمطية التفكير لديها فتتحول من فكر شمولي إقصائي الى فلسفة تعني بالأعتراف بفكر الآخر ؟ وكما يريد الآخر وليس كما ترغب الحركة ؟
اطلعنا على خبر زيارة وفد من الحزب الوطني الآشوري الى الحزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني في مقره في دهوك ، وأكد الطرفان على تعزيز العلاقات الأخوية بين الطرفين ، فهل تلجأ الحركة هي الأخرى بتوجهاتها الأخيرة بتذويب جبل الجليد القائم في علاقاتها مع القوى ( أحزاب ومنظمات ) الكلدانية والسريانية وحتى الآشورية ؟
إن الوصاية ووكالة العقول وتطوع كتّاب الحركة بمنعنا من التساؤل والنقد وطرح الأسئلة ، وتعويض عن ذلك بضرورة التعبئة المعنوية وبث الحماس وتوحيد الصفوف وفق منهجية الحركة ، وإلا فالقذف والتشهير او اسكات المقابل او توجيه تهم من قبيل تمزيق الأمة والخيانة تبقى جاهزة للتعامل مع أي صوت لا يدور في الفلك الأعلامي لفكر ومنهجية الحركة .
نحن لا نريد ان نثبط من عزيمة وإرادة الحركة الديمقراطية الاشورية ( الزوعا ) . نريد بإخلاص النجاح والتقدم لهذه الحركة على الساحة السياسية العراقية ، على ان يتسم خطابها بالشفافية والوضوح وبعيداً عن المناورات السياسية في تعاملها مع ابناء شعبنا .
طالما أرادت الأنظمة والحكومات أن تنأى بنفسها عن داء التوتاليتارية ، فينبغي عليها ان تشرع ابوابها للمساءلة والنقد مهما كان لاذعاً . كذلك المنظمات والأحزاب السياسية بضمنها الحركة الديمقراطية الآشورية فعليها الأنفتاح على تنوع شعبنا ونبذ تفكير ( الفيتو ) لكي تتعامل مع ابناء شعبنا ومنظماته وأحزابه من الكلدان والآشوريين والسريان بروح من التفاهم والشفافية بمنأى عن الفكر الشمولي المرفوض ، ونحن بانتظار ترجمة الأقوال الى أفعال من قبل الحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) التي نكنّ لها الأحترام .
حبيب تومي / اوسلو