Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عقولاً تمطر كلامًا

 

نعرف أن السماء تمطر مطرًا على الأرض، لتُسقيّ وتُحييّ وتنبت كل ما عليها ولتدبّ الاستمرارية في كل ما موجود فيها. هكذا هي الحياة ماضية وهكذا هو خير المطر الهاطل من السماء، يُحيي كل ما تحتها. ولكن نحن في موضوع مقالنا سنتكلم عن نوع آخر من المطر، عن قطرات تتقطر من كلمات أفكار مُحلقة في سماء عقول، لتسقطت في الآذان وتحلّ في القلوب ومن ثم تترجم في الأفعال التي تصدر من إنسان وخزتهُ وخزات ربما ألمتهُ وربما قد أدمتهُ لتصل الآخر عن طريقهِ، وفي الحالتين هي قد تركت أثرها واستقرت وستنتقل إلى مكان ثاني وتُعيد الكرةّ إن سُمحَ لها بالإعادة!

أحداث ومواقف الحياة والإنسان الذي فيها يُمارسها لا حصرّ لها، هي نتيجة الإنسان نفسهُ، هو من يجدها وهو يمارسها على نفسهِ وعلى غيرهِ وهو من يدعوها في واقعهِ بغض النظر عن الأحداث التي تكون قد تماثلت بسبب الطبيعة. هذه مُجتمعة تؤدي إلى قيام حالة في داخل الإنسان تجعلهُ يفقد القدرة على تحملها ومواجهتها، مما تضطرهُ إن لم يكن بالأفعال، بالكلام الذي يُغني عن الكثير المُفتعل إلى إطلاق كلمات رنانة تهزّ الأبدان لها من قوتها وهولّ وقعها في النفوس، ليس لشذاهّا وإنما لأنها كسمّ أفعىّ الكوبرا تُقتل في لحظة تلقيها!

هكذا هو وقعّ الكلام المُرّ، وهكذا نعطيه تشبيه صغير: عندما تمسك مطرقة بيدك وتحاول أن تعمل ما تريد عملهُ من أي شيئًا كان، فأنك سترى ذلك الشيء الكامل وقد أصبح أجزاء مُتقطعة مُبعثرة، واحدة بعيدة عن الأخرى بالضرب المُستمر! كذلك الكلمات التي لا تكون في محلها حينما تصل إلى مسامع شخصًا ما سواء كانت عن قصد أو بدونهِ، فأنها ستجعل نفسهُ تشمئز وتنفرّ وتتشتت، وربما إن كان مما يردون الدينّ مع فوائدهِ سيُعيدها وفوقها البعض الآخر، أليس كذاك؟! وهنا تكون بداية النهاية ووضع فواصل لكل أمور الحياة الحاضرة والغائبة وتفريقها. أنها بصورة أوضح كوضع النقطة في نهاية كل جملة مكتوبة في ورقة ولكن الفارق بين نقطة الورقة ونقطة الحياة، هو أن الثانية ليست لإيقاف الأحداث عند ذلك الحدّ المكتوب، بلْ هي تكون مراحل الانتقال من حالة إلى أخرى؟!

صفحات الحياة مُسطرة بالكثير مما هو فيها عابرٌّ، هي كلمات كُتبت في أرجائها بعضها من أجلها وبعضها الآخر ضدها، هي كلمات تناثرت من شفاه أرهقها ما أمطرت به العقول، هي كلمات تربت في عروق شعور مؤلم، هي كلمات نبتتْ في دواخل إنسان حاقد، هي كلمات صادرة من صوت يدويّ من جرحهِ، هي كلمات حصدت من حقول إنسان سائر في ظلمات أرض مُحطمة، هي كلمات عالقة على أطراف لسان يقطن هيكل مُظلم، هي كلمات تعبرّ كل ما هو في الطرقات باقيٌّ وعابرّ، هي كلمات لا مكان لها تأوي فيهِ فتختار الفرار المُستمر، هي كلمات ينقصها الكثير من الحروف والتفسير والتعبير، هي كلمات بكل هذا الوصف الذي قيل عنها، مُؤلمة وجارحة وربما قاتلة! والكلمات الجارحة حجارة تضرب بها قاصدها يجرح هو وتموت أنتَ، لأنكَ بها قبل أن تجرح الآخر تكون قد حكمت على إنسانيتك بالموت الدائمي؟!

فالكلمة السيئة التي تخرج من الفم لا يمكن لها أن تعود أو يتم تبريرها بأي أسلوب كان، تمامًا كالسهم حين ينطلق من قوسهِ ويصيب هدفهِ! كونها أخذت طريقها ووصلت أذن سامعها واستقرت قلبهِ، وحتى الأعتذار عنها فيما بعد لا يمكن أن يُعيد ما كان أو يُصلح ما أنكسر، فتذكر دومًا أنكَ:" بكلامك تُبررّ وبكلامك تُدانُّ" ( مت 12 : 37 )، وكذلك أعلم أن:" من أراد أن يحبّ الحياة ويرى أيامًا صالحة، فليكفُفْ لسانهِ عن الشر وشفتيه أن تتكلما بالمكر، ليعرض عن الشر ويصنع الخير، ليطلب السلام ويجد في أثرهِ" ( 1 بطرس 3: 10 - 11 ).  وتذكر أن الماء  قد يغسل الجسد مما مُتراكم عليه ولكن قليل منهُ يستحيل أن يُطهر اللسان مما باحّ به عندما تشربهُ، فليست المشكلة دائمًا في التفكير فيما الذي ستقولهُ بل التفكير كيف ومتى ولمن ستقول كلامًا لا يخدش شعور أحدٍ؟! فالقليل يُضيع الكثير والعين التي تبصرك ستجدها في يومًا ما أضاعتك. انتقي كلماتك قدر المُستطاع ودعها تأخذ طريقها السليم لتبقى على استقامتها مدى بقائك، ودعك مظلتك مفتوحة بعض الوقت حين تمطر، لكي تذهب قطرات المطر بعيدًا عن رأسك وترتاح من تنشيفهُ لاحقًا. 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
حول الشراكة الحقيقية من منظور السيد بارزاني عبدالخالق حسين/ لم يخطر على بالي يوماً أن أكون ناقداً أو معارضاً للسيد مسعود بارزاني، رئيس الاقليم الكردستاني، إلا إنه وللأسف الشديد هو بين المسلمين والمسيحيين ... خناق أم عناق؟ ربما شاءت الإرادة الإلهية أنْ نُطرَد من بيوتنا وتُسرق أموالنا وتُحرق منازلنا ونلجأ إلى الغربة من أجل بقاء الحياة. وأمام هذه المأساة بل الإبادة والضياع لم يُسمَع صوت بكائنا ولا أنين آهاتنا ولا ألم معاناتنا إلا من قليل من كبار الزمن ورؤساء الدنيا والجالسين على كراسي الحكم والنظام، فكان مَن مَدّ لنا يد الرحمة والعون وكلٌّ حسب قدرته وإمكانياته، ولذلك نحن لهم شاكرون. رسالة مفتوحة إلى سماحة الفقيه العلاّمة الشيخ عبد اللطيف الهميّم ونحن نحتفل بذكرى ميلاد المسيح الحي الذي به بشّرت الملائكة في الإنجيل كما في القرآن، يسرني أن أرفع إلى مقامكم السامي أجمل التهاني وأطيب الأماني طالباً من الذي كان كلمة إلى مريم:"يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ دروس رضوية نـزار حيدر/الدرس الاول: في خطوة سياسية مدروسة، قبل الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهو الامام الثامن من ائمة اهل بيت
Side Adv2 Side Adv1