عمليات تهريب السجائر تنفذها "حيتان" تسبح بغطاء سياسي واخرى تحت اﻻرض
رغم التواجد الأمني على طول الطريق الدولي السريع المار بمحافظة الانبار، إلا أن الأوضاع لم تتغير بالنسبة لمهربي السجائر، فلا رادع لهم في ظل غض نظر الرقابة والرُخص المزورة التي جعلت مهمة فرز الشحنات الأصولية من المهربة بالغة التعقيد على السيطرات وأجهزة الأمن المختصة.
ثمة صفقات غير شرعية تجري في الخفاء، وصلت الى حد استنساخ أختام الجمارك بشكل يضع نقاط التفتيش أمام امتحان صعب وبمواجهة مهربين محترفين لا ينبغي الاستخفاف بإمكانياتهم، ويحظون بغطاء سياسي توفره تيارات دينية، وأخرى سياسية.
فهناك تسهيلات وجرأة منقطعة النظير جعلت الانبار تتحول منذ مطلع شباط الماضي إلى نقطة وصل لشاحنات البضائع المهربة إلى العراق عبر الأردن أو تلك الخارجة إلى سوريا، خاصة بعد إغلاق معبر اليعربية الحدودي في نينوى، ما جعل مدينة الرطبة الحدودية مع الأردن منطقة لتجمع البضائع بعيداً عن عين الرقيب، بحكم طبيعتها الصحراوية ومساحتها الكبيرة وقلة عدد سكانها.
فيما يعمل مهربو سجائر ووقود وأغنام آخرون وبجد "تحت الارض" بحفر أنفاق تهريب عملاقة يصل طول بعضها إلى 300 م تربط بين الأراضي العراقية من جهة الانبار ومدينة ألبو كمال السورية من جهة أخرى .
مغريات جعلت ضباطاً يتوسلون للعمل في الحدود
يقول ضابط رفيع في الشرطة العراقية بمحافظة الانبار، إن "الارباح التي يحققها تهريب السجائر تفوق ربح تجارة المخدرات في دول المنطقة، ويجري التهريب بتسهيل من جهات سياسية مهمة في بغداد وأخرى بالانبار"، موضحاً أن "مقدار الرشاوى التي تدفع في هذا الصدد ضخمة جداً، وهذا يعكس حجم أرباح التهريب، حيث بلغت كلفة دخول دفعة سجائر مهربة واحدة 53 ألف دولار ولشخص واحد فقط".
ويتابع الضابط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، نظراً لحساسية المعلومات التي أدلى بها لـ"السومرية نيوز"، أن "منطقة عكاشات غربي الانبار باتت أشبه بمغارة علي بابا للمهربين، في حين أن الجيش يعجز عن ضبط عمليات التهريب، بسبب فساد بعض الضباط وشح الآليات وانعدام الغطاء الجوي".
ويشير الضابط الى أن "بعض ضباط الجيش شعروا بالحزن والانزعاج بعد إبرام صفقة المروحيات الروسية، لأنها ستصل الى الانبار وتبدأ بالمراقبة وحينها ستحبط الكثير من عمليات التهريب التي يستفيدون منها".
ويؤكد أن "العديد من الضباط باتوا يتوسطون لنقلهم من بغداد والمحافظات إلى حرس الحدود، لما فيه ما فائدة مالية خيالية لهم، بحيث يجنون ثروات طائلة خلال فترة قصيرة"، لافتاً الى أن "أحد هؤلاء الضباط أصبح غنياً جداً بعد عام ونصف العام من العمل في الحدود، وبعدها قدم استقالة بحجة المرض".
"حيتان" تهريب تسبح بغطاء سياسي
موظف أخر يشغل منصباً مهما في محكمة الرطبة، أكد بما لايقبل الشك وجود حماية لبعض المهربين، وقال في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "سبعة من حيتان مهربي السجائر أطلق سراحهم بعد ساعات قليلة من اعتقالهم متلبسين بعملية تهريب ضخمة لسجائر مختلفة جميعها فاسدة، وذلك باتصال هاتفي واحد من مسؤول سياسي يتبع إحدى التيارات الدينية في بغداد"، رفض ذكر اسمه".
ويؤكد الموظف "إطلاق سراح مهربين آخرين اعتقلوا قبل عدة أسابيع، بوساطة من شخصية تجارية مهمة تقيم خارج البلاد ولها علاقات قوية مع عدد كبير من السياسيين".
ويشير الموظف الى أن "القانون ينص على سجن المهرب مدة لاتقل عن 10 أعوام وتغريمه ثمن خمسة أضعاف المواد المهربة التي ضبطت بحوزته، لكن اتصالاً هاتفياً واحداً كفيل بخروجهم وإطلاق سراح بضاعتهم الفاسدة لتتجه إلى العاصمة".
ويرى الموظف الذي طلب عم الكشف عن هويته، أن "استفحال التهريب وجرأة ممتهنيه وتمتعهم بالحماية، أحبط معنويات من تبقى من الضباط الشرفاء".
طرق تهريب متعددة
وحول كيفية إدارة هذه التجارة غير المشروعة، يقول مصدر أمني بشرطة مدينة عكاشات، طلب عدم ذكر اسمه أيضاً، إن "تجارة السجائر في الانبار تكون عبر طريقين، الأول عبر منفذ إبراهيم الخليل الشمالي، وتصل الانبار وتذهب 60% منها إلى سوريا وتسلم إلى الجيش الحر ليبيعها بمعرفته ويمول نفسه، فيما يهرب جزء إلى لبنان وبسعر رخيص، لتبقى 40% منها داخل العراق، وثمنها بمثابة أتعاب للمهربين".
ويبين المصدر، أن "السجائر المهربة عن طريق كردستان تمر بكركوك وتكريت وسامراء وذراع دجلة الرمادي صعوداً إلى أعالي الفرات حيث الحدود، وتمر بنقاط تفتيش رسمية، لكنها تمتلك أوراق أصولية ولا يمكن إيقافها".
ويلفت المصدر الى أن "الطريقة الثانية تكون عبر المنفذ الحدودي مع الأردن، لكن ما يهرب منه إلى العراق نسبة قليلة مقارنة بالتهريب الجاري عبر الحدود، حيث توضع صناديق السجائر داخل صناديق كارتون كبيرة تضم حلويات أو محارم بشكل لا يجلب الشك عند صعود الشاحنة إلى مقياس الوزن"، مبيناَ أن "تلك الحمولات تمر على موظفين معينين في المنفذ ولا تدخل إلا في أوقات دوامهم".
ويستطرد قائلاً، إن تهريب السجائر من الحدود، هو الأبشع، حيث يتفق تجار السجائر مع ضابط أو عدة ضباط من حرس الحدود على إدخال عدة شاحنات بعد قيام "شفل" بكسر جزء من الساتر الحدودي، وهي عملية تعرف بالفتحة لتدخل الشاحنات بسرعة ويقوم نفس الشفل بإرجاع الساتر"، مؤكداً أن "هذه العملية تكلف نحو 50 ألف دولار أو أكثر".
ويحذر من أن "قسماً كبيراً من الارباح غير المشروعة للسجائر هائل وربما يفوق في كل شهر موازنة سنة كاملة لإحدى المحافظات"، واعتبر أن "الحل يكمن في بغداد، فالرؤوس الكبيرة هناك وهي صاحبة النفوذ والكلمة في الحكومة والبرلمان والأحزاب المتنفذة".
حيتان تهريب تسبح تحت الارض
مصدر في عمليات البادية والجزيرة، يؤكد في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "قوات أمنية اعتقلت 11 مهرب سجائر ووقود متورطين بحفر أنفاق تهريب عملاقة بين محافظتي الانبار العراقية والبوكمال السورية"، مشيراً الى أن "عملية حفر الانفاق تمول من جماعات مسلحة وشبكات تهريب، فيما حذر من ضعف الغطاء الجوي في تلك المنطقة".
ويضيف المصدر أن "قوات من حرس الحدود والجيش نفذت، منذ مطلع تشرين الثاني الماضي، عمليات أمنية تمكنت خلالها من اعتقال 11 مهرب سجائر ووقود وأغنام متورطين بحفر أنفاق تهريب عملاقة يصل طول بعضها إلى 300 م"، مبينا أن "تلك الانفاق تربط بين الأراضي العراقية من جهة الانبار ومدينة ألبو كمال السورية".
ويوضح المصدر أن "القوات رصدت ثلاث محاولات حفر انفاق بين الانبار ومدينة البو كمال، من بينها نفق وصل إلى مراحل متقدمة وتم ردمه"، لافتاً الى أن "الطبيعة الصخرية لبعض مناطق الشريط الحدودي بين البلدين والتقارب الكبير سهل تنفيذ تلك المحاولات لتصبح خطرا حقيقيا يهدد أمن واقتصاد البلاد".
ويشير المصدر إلى أن "عملية حفر تلك الأنفاق تتم بتمويل من جماعات مسلحة ومهربي السجائر والوقود والأغنام الذين يشكلون مافيات جديدة على الحدود بين البلدين".
ويرى المصدر أن "القطعات العراقية المتواجدة على الحدود تعاني من ضعف الغطاء الجوي الذي يمكنه رصد مثل تلك المحاولات"، لافتاً الى أن "قوات الحدود لديها ثلاث طائرات مروحية فقط وتتعرض للعطل باستمرار".
البصرة تنأى بنفسها عن دخول السجائر المهربة
محافظة البصرة، (590 كم جنوب بغداد)، نأت بنفسها من دخول السجائر المهربة، ففيها منافذ حدودية نشطة إضافة الى جميع موانئ العراق، وبهذا الشأن يقول النائب المستقل جواد البزوني إن "السجائر وكل شيء يدخل الى العراق بسهولة، لأن المنافذ الحدودية غير مسيطر عليها بشكل دقيق، وخاصة المنافذ التي تقع في إقليم كردستان والمحافظات الغربية كونها تتساهل مع المستوردين".
ويضيف البزوني وهو نائب عن البصرة في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "قانون منع التدخين الذي أقره مجلس النواب بدورته الحالية لايسمح باستيراد السجائر إلا وفق معايير ومواصفات معينة، ويفرض القانون عقوبات مشددة على المخالفين تشمل المنع والمصادرة والإتلاف"، مبيناً أن "الحكومة ليست جادة في تطبيق القانون على الرغم من أهميته".
من جهته يؤكد مدير الإعلام في دائرة صحة البصرة قصي عبد اللطيف العيداني، أن "السجائر المتوفرة في الأسواق المحلية معظمها مخالفة للقانون العراقي وغير مستوفية للضوابط التي اشترطتها منظمة الصحة العالمية"، موضحاً أن "تلك الشروط وضعت شعارات وعبارات صحية تحذر من مخاطر التدخين على علب السجائر، وبشرط أن لا تقل مساحة العبارات والرسومات عن 30% من مساحة العلبة".
ويبين العيداني في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "السجائر المستوردة المتوفرة في العراق تخلو من التحذيرات، كما أن الكثير من علب السجائر تفتقر لذكر بلد المنشأ وتأريخ صلاحيتها، ومن غير المستبعد أن تكون تلك العلامات التجارية مزيفة"، محذراً من أن "بعض أنواع السجائر المستوردة تحتوي على إضافات كيمياوية سامة لزيادة حالة الإنتعاش، وهي ممنوعة في بعض الدول المتقدمة".
حرس الحدود الحلقة الأضعف
حلقة وصل أخرى لتهريب السجائر تجري أحداثها في الموصل، كما يقول عضو مجلس محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري، الذي عزا أسباب تفاقم عمليات التهريب عبر الشريط الحدودي لنينوى الملاصق لسوريا، الى قلة الدعم لعناصر حرس الحدود وعدم وجود اعداد تسد حاجة قوات حرس الحدود من ناحية الافراد والاسلحة".
وذكر الشمري في حديث لـ"السومرية نيوز" أن "قيادة عمليات الجزيرة والبادية اعتقلت العديد من عناصر حرس الحدود، بسبب تصاعد عمليات التهريب وعدم قدرة حرس الحدود المجهزين بأسلحة خفيفة على التصدي للمهربين المدعومين بسيارات تحمل أسلحة ثقيلة".
ويؤكد أن "العديد من منتسبي الحدود تركوا العمل بسبب الاجراءات الصارمة لقيادة عمليات الجزيرة والبادية، ما أدى الى نقص كبير في افراد حرس الحدود بتلك المناطق".
ولفت أن "اكثر البضائع التي تهرب الى سوريا هي السجائر، وتذهب ارباحها الى تنظيم دولة العراق والشام (داعش)".
وكانت النائبة عالية نصيف، قد أكدت في تقرير نشرته "السومرية نيوز" قبل أيام أن "العديد من المنافذ الحدودية غير مسيطر عليها من قبل الحكومة المنشغلة بمحاربة الارهاب"، مشيرة الى أن "المسيطرين على تلك المنافذ يستشعرون ضعفاً في الدولة، ما يسمح بحصول التهريب نتيجة الفساد المالي".
يذكر أن العراق يمتلك 14 مركزاً جمركياً تتوزع بين المنافذ الحدودية، وهناك عدة منافذ برية للبلد واحد على الحدود الأردنية هو طريبيل وثلاثة منافذ على الحدود السورية هي الوليد والقائم وربيعة، الى جانب منفذ إبراهيم الخليل على الحدود التركية، والمنذرية على الحدود الإيرانية، وعرعر على الحدود السعودية، وصفوان على الحدود الكويتية.