Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عن مؤسسة الفساد

ازعم ان الفساد في العراق نظم ذاته، وتهيكل كمؤسسة ناشطة، تتسم بالحيوية والمبادرة. مؤسسة لها نطاقها، وهياكلها، ونفوذها. وقد فاقت قدرتها الإدارية كفاءة أكثر قطاعات الدولة نشاطا. حيث خلقت دينامكيتها الخاصة، وتعايشت مع مؤسسات الدولة وتماهت معها، وغدت في نهاية المطاف قوة جامحة، لا يسهل ايقافها. رموزها يمتلكون إمكانيات متطورة في العلاقات العامة، ويبدون كما لو انهم في ورشة عمل دائمة لبناء القدرات وتأهيل القابليات وتطوير الإمكانيات، ولاستيعاب مواصفات القيادة الناجحة كالمبادرة، والمناورة، والفعالية، والسرعة، والاحتراف الفائق، والمهنية العالية. والهدف في النهاية هو المزيد من الإفساد وتأبيد الفساد، خاصة بعد توظيف "المحاصصة الطائفية" وتسخير ضعفاء النفوس للاحتماء بهم، واتخاذهم غطاءا للأفعال الشنيعة.

نفذت "مؤسسة الفساد" إلى مختلف قطاعات الدولة وتمترست في مفاصلها، واخترقت منظومة القيم والأخلاق، واتخذت التطبيع سياسة لفرض وجودها كواقع مقبول لا مفر منه! حيث أصبحت الرشوة أمرا مألوفا، وغدت واقعا بفعل كثرة ممارستها، كما يذهب إلى ذلك علم الاجتماع. وزاغت وفقا لذلك عن قوانين الدولة، وكيّفت نفسها مع تعليمات الحكومة وأوامرها، وتمكنت لغاية هذه اللحظة من إعاقة إلغاء المادة "136 ب" من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971، الى حين صوت مجلس النواب على إلغائها في جلسته يوم 18نيسان الماضي، بعد ان بدا وكأن "شرعيتها" أكثر دستورية من البرلمان.

لقد اتسع نفوذ "مؤسسة الفساد" وشمل اغلب مجالات الحياة والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعددت أوجه نشاط "المؤسسة" وتنوعت إشكاله، السياسي منها والمالي واشكال اخرى، ووجد تسميات فرعية مثل الرشوة، و"التقفيص"، والعمولات غير الشرعية، والتزوير، والتهريب، والتهرب من دفع الضرائب، والغش، والنصب والاحتيال، واستيراد الممنوعات.

يدل الكثير من الوقائع على عدم وجود قطاع اقتصادي واحد خارج نطاق هذه المؤسسة، وحتى بعض مطاعم الكباب لم تسلم منها! ونذكر هنا كمثل ان مطعما ما يرفع على واجهته يافطة تقول "لحم غنم عراقي طازج". لكنه يقدم في الواقع لحما هنديا مستوردا! وهناك ايضا "التوريق مقابل التعيين"، والتزوير الذي يبدأ من الشهادة المدرسية، ويمر عبر تغيير تاريخ صلاحية المواد الغذائية الفاسدة، وصولا الى تزوير أصواتنا في الانتخابات.

ان محاربة الفساد تبدأ، كما أتصور، عبر خطوة لا بديل عنها، هي محاكمة كبار رموز الفساد امام محكمة شبيهة بمحكمة الجنايات العليا، التي حاكمت رموز الاستبداد في النظام المباد ومجرميه، بصورة علنية وشفافة.

ان عيوننا ترنو نحو المسؤول الوطني النزيه الشجاع، الذي يمتلك جرأة اتخاذ قرار كهذا، لنقف له احتراما، كونه في هذه الحالة يعبر عن إرادة شعب، يتطلع الى مستقبل لا جوع فيه ولا ظلم، ولا فساد ومفسدين.
Opinions