عودة النبي
يا اهل اور , بالأمس كنت قد ودّعتكم بوعد أن اعود . يوم تركت لكم سلامي في كأس خمرتكمووزعت محبتي في خميرة خبزكم , وغزلنا سويا من ومضات الألوان وايقاعات الكلمات ثوب الحكمة السرمدية .
بين ذاك الوداع وهذا اللقاء . كنتم لا تفارقون ذاتي الكبرى , مثلما لا تفارق الأرض السماء .
بالأمس يا اهل اور , نصبت حديقتي على ضفاف نفوسكم النقية , وكنت قد حرثتها
بمعول حفار القبور , وزرعت فيها بذور بدائعي , كما سيجتها بأجنحتي المتكسرة
.وسقيتها بدموعي وابتساماتي وعواصفي , وتركت مواكبي تتنزه على ارصفة سواقيها
لتلتقي بعرائس المروج , حيث يستلقي المجنون تحت ظلال الأرواح المتمردة في كل
مكان . بينما يسوع ابن الانسان مثلما كان يحرث الى جانبي ويزرع بقربي ويسقي معي
, هكذا كان ايضا يبارك كل ثمرة اقتطفتموها , الى أن اقترب زمن الرحيل .,
ليخبركم السابق عن لقاء الوداع بينكم وبيني .
بالأمس يا اهل اور , كنتم سؤالا , واليوم جئتكم لأكون أنا السؤال . غير أننا ,
انتم وأنا ومن كان في البدء فينا لسنا الا الثالوث الأزلي الأبدي الذي يتكوّن
منه كل ثالوث كوني , الثالوث الذي تنبعث من خلاله اوتار الحياة والأكوان
والأزمان .
نحن ما كنّا لنكون سؤالا لو لم نكن في البدء قد تكوّنا من الجواب .
بين ذاك الوداع وهذا اللقاء , كنت مع الذي كان معي قبل الرحيل . الذي عشنا معا
في الجسد سبع مرّات , وتقدسنا بالروح كل المرّات . وتألهنا في الفكر قبل أن
تكون المرّات .
كنّا هو وأنا نتجول في رحاب الحياة , نعبر الأزمان ونتأمّل اللاازمان على
ايقاعات النجوم ودندنات الفضاء ونغمات السماء .
في غمرة نشوتنا التفت اليّ ونظر في عمق اعماق ذاتي ليشعرني أنني امتطي صهوة
الكون فتذكرت في تلك اللحظة الالهية يوم كان ينظر في وجه العذراء ويتأمل ملامح
المجدلية , ثم ابتسم لدمعتي ومسحها بنور عينيه , ونطق بلغة ارتعشت لموسيقاها كل
الكائنات السماوية والأرضية , لتنشد ترتيلة الحب ولتشارك الاله الآب سمو محبته
اللامتناهية .
لقد سحرني صوته واعادني الى تلك الليالي التي كان يتحدث فيها الى حبيب قلبه
يوحنا وصخرة كنيسته بطرس واله مناجاته ايل , الآب الذي تركه على خشبة الامه ,
ليصنع بنفسه كماله ويدخل الباب الضيق الى الآبدية بقوة الايمان وعظمة العطاء
وسمو التضحية .
قال ... ان كل ما تراه وما تسمعه وما تشعر به هنا لن يكون اكثر من الذي رأيته
وسمعته وشعرت به هناك , يوم كنت بينكم . لكنك هنا أنت امام الحقيقة المجردة من
المعوقات , والحقيقة لا تحتاج الى بصر وسمع واحساس . وان كل ما هو هنا هو هناك
. فأنتم لستم سوى مرآة للحقيقة , أنتم تحملون في داخلكم هذه الحقيقة .
وبأمكانكم معرفتها اذا استطعتم تعرية ذواتكم من بشريتكم على أن تروّضوا ثالوثكم
بالحب والعطاء والتضحية .
تأمّل تأملاتي وتابع حديثه دون أن يتكلم,الى أن امتلأت نفسي من الكل . حينها
عدت اليكم لأقول
ها أنذا يا اهل اور احمل اليكم عصارة تلك اللحظة , فخذوها لعلها تعرّفكم على
ذاتي . فلم يبق الكثير لتشهدوا نينوى تنهض من بين الأنقاض .