عيد الصعود
القراءات الطقسية:القراءة الأولى: أعمال الرسل 1 / 1 _ 14 ألفت كتابي الأول يا تاوفيلس في . . .
القراءة الثانية: 1 طيموتاوس 1 / 18 _ 20 أستودعك هذه الوصية يا ابني . . .
+ 1 طيموتاوس 2 / 1 _ 15 فأسأل قبل كل شيء أن يقام . . .
القراءة الثالثة: لوقا 24 / 36 _ 53 وبينما هما يتكلمان إذا به يقوم بينهم . . .
عيد الصعود: تحتفل الكنيسة بصعود يسوع إلى السماء وتمجيده. وتدعونا صلوات هذا العيد إلى التفكير الجاد في معنى حياتنا ومصيرنا. وفي هذا العيد نستمع إلى كلمة الله التي تعلن لنا من خلال ثلاث قراءات هي: الأولى من أعمال الرسل تحكي خبر صعود المسيح إلى الآب. الثانية من رسالة بولس الأولى إلى طيموتاوس تقدم إرشادات حول الصلاة. الثالثة من إنجيل لوقا تورد خبر صعود يسوع إلى السماء وانطلاق التلاميذ إلى التبشير.[1] ومن قضايا الإيمان أن المسيح القائم من بين الأموات قد دخل المجد. إلا أننا بصدد سر يفوق الاختبار الحسي، ولا يمكن حصره، مثلاً، في مشهد جبل الزيتون وحده، حيث شاهد الرسل معلمهم يتركهم ويعود إلى الله. ففي الواقع تعبر النصوص المقدسة عن معنى رفع المسيح السماوي، وعن وقته، وكيفيته، وذلك بتفاصيل متنوعة غنية بمغزاها التعليمي. فطبقاً لمفهوم تلقائي وعام يتبناه الكتاب المقدس، السماء هي مسكن الألوهية، إلى حد أن اللفظ يستخدم كناية دالة على الله. وأما الأرض موطئ قدميه فهي مسكن البشر. وإن الله ليفتقد الناس ينزل إذن من السماء، ثم يصعد إليها ثانية. وأما السحاب فهو مركبة، والروح الذي يرسله ينبغي كذلك أن ينزل. كذلك الكلمة يرجع إليه بع أن يتمم عمله. والملائكة أنفسهم الذين يسكنون السماء مع الله، ينزلون ليتمموا رسالاتهم، ويصعدون ثانية بعد ذلك. صعود ونزول بهما يقوم الرباط بين السماء والأرض. فبعض المختارين فقط كأخنوخ أو إيليا نالوا الإنعام بأن يختطفوا إلى السماء بالقدرة الإلهية.
إن يسوع طبقاً لترتيب الكون قد رفع بالقيامة إلى يمين الآب، حيث يجلس على العرش كملك. فكان لا بد وأن يصعد إلى السماء. ولذا فإن صعوده يبدو في تأكيدات الإيمان الأولي، ليس ظاهرة معتبرة لذاتها، بقدر ما هي تعبير لا بد منه عن مجد المسيح السماوي. وبينما كان وجود المسيح السابق في فجر الإيمان مضمراً، فقد أخذ ينجلي شيئاً فشيئاً. فقبل أن يعيش على الأرض، يمكن القول إنه كان عند الله كإبن، وكلمة، وحكمة. وعليه فإن إرتفاعه السماوي لم يكن نصراً لإنسان رفع إلى مرتبة إلهية، وإنما هو عودة إلى العالم السماوي الذي منه سبق ونزل. إن ارتفاع المسيح إلى السماء، الذي يتميز عن الخروج من القبر كمظهر كوني، كان ينبغي أن يكون منفصلاً عنه، بحكم ضرورة تربوية تقتضي التحدث في إطار الزمن البشري، عن حادث يفوق الزمن. ويصف سفر أعمال الرسل ارتفاع يسوع إلى السماء، في رقة تعبيره البسيط تأكيد لأنه لم يقصد به دخول المسيح الأول إلى المجد. إلا أنه تصوير في غاية الاعتدال، ليس القصد منه وصفاً لنصر قد تم فعلاً منذ لحظة القيامة، بل تعليم بأن القائم من الأموات، بعد أن قضى فترة معينة في لقاءات ودية مع تلاميذه، قد قطع حضوره الظاهر في العالم، على أن يعيده بالتالي في آخر الأزمنة. إن " يسوع هذا الذي رفع عنكم سيعود كما رأيتموه ذاهباً إلى السماء " ( أعمال 1: 11 ). وهذه العبارة الملائكية، فضلاً عن كونها تفسر ملابسات الصعود، تقيم ارتباطاً عميقاً بين ارتفاع المسيح إلى السماء، وبين عودته ثانية في آخر الأزمنة. فهو يبقى محتجباً عن البشر إلى حين ظهوره الأخير، عند التجديد الكلي الشامل. حينذاك سيأتي كما انطلق، نازلاً من السماء، على الغمام. بينما يصعد مختاروه لملاقاته، هم أيضاً على غمام. فعلينا ونحن في انتظار تلك الساعة، أن نظل متحدين بفضل الإيمان وأسرار الكنيسة، بسيد المجد. لأن حياتنا الحقيقية محتجبة مع المسيح في الله، ومدينتا كائنة في السماوات، وبيتنا السماوي الذي ينتظرنا، والذي نتطلع إلى ارتدائه ما هو إلا المسيح الممجد نفسه. من هنا تنبع روحانية الصعود متكاملة، مؤسسة على الرجاء، لأنها تجعل المسيحي يحيا منذ الآن في حقيقة العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه. على أن المسيح ليس لذلك منسلخاً عن العالم القديم الذي لا يزال يضمه، بل بالعكس له رسالة وقدرة على أن يحيا فيه بطريقة جديدة، تحرك العالم نحو تحول المجد الذي يدعوه الله إليه.[2]
وتقضي تعليمات طقس كنيسة المشرق أن يخرج المؤمنون من الكنيسة في رمش " مساء " خميس الصعود إلى فناء الكنيسة، وهم يرتلون " لاخو مارا " حاملين الصليب والإنجيل ومصابيح ومبخرة. ويُحتفل بالفروض في فناء الكنيسة، اعتباراً من هذا الخميس وحتى الأحد الأول من تقديس البيعة، بسبب شدة حرارة الصيف، وذلك في مكان يطلق عليه " بيث صلوثا " بيت الصلاة. والفروض التي تقام في فناء الكنيسة هي صلاتي الصبرا والرمشا " الصباح والمساء " والقسم الأول من القداس " ليتورجيا الكلمة " أي من بداية القداس وحتى نهاية الإنجيل. وبعد الإنجيل يدخلون إلى الكنيسة لتكملة القداس وهم يرتلون " عونيثا دأونكليون " ترتيلة الإنجيل، وهذه الترتيلة تشرح الإنجيل. علماً هذه الترتيلة نجدها في كتبنا الطقسية خلال هذه الفترة فقط، أي من خميس الصعود إلى الأحد الأول من تقديس البيعة. وتظهر غالباً عبارة " ملكا " في صلوات وفروض عيد الصعود. وهذا يعني بأنه بالنسبة لكنيسة المشرق، عيد الصعود هو عيد ملك أو ملكوت المسيح، لأنه أخضع كل عناصر الطبيعة تحت سلطته.[3]
ونذكر ترتيلة من طقس هذا العيد: " قال الرب لربي أجلس عن يميني: فوق كل الرئاسات والسلاطين والقوات السماوية العليا. صعد بالمجد إلى السماء. يسوع مخلص الكل. وأبهج بصعوده الملائكة وأجناس البشر. لأن الرب المسيح مَلَكَ إلى الأبد. ".[4]
وتحتفل الكنيسة بعيد الصعود في اليوم الأربعون بعد عيد القيامة.
--------------------------------------------------------------------------------
1_ حياتنا الليترجية الورقة الطقسية للقداس الكلداني لمدار السنة الأب ( المطران ) لويس ساكو ص 104.
2_ معجم اللاهوت الكتابي ص 473 _ 476.
3_ الفرض الإلهي لكنيسة المشرق الكلدانية الآثورية المطران جاك اسحق ص 101 _ 102.
4_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية " الجزء الثاني ص يلاذ.