غرق بغداد يكشف المستور عن المليارات المنهوبة
ابتلينا منذ سقوط النظام عام 2003 وحتى اليوم بخطاب جديد يمارسه الكل .. العالم والجاهل المسؤول والمخذول الغني والفقير ، فالكل يتحدثون وعبر هذا الكم الهائل من الفضائيات والإذاعات والصحف ومواقع الانترنت عن الخطط الإستراتيجية والحكومة الالكترونية والتجربة الديمقراطية والصحافة التعددية ولكن كل ذلك وكما يقول المثل (بالمشمش).
لعل أكثر الناس كان حديثا عن هذه الخطط ومنذ عدة سنوات هو صابر العيساوي أمين العاصمة السابق وهو صابر دائما وهادئ وبعيد عن الانفعالات ، ويتنافس مع الجميع بالتصريحات والتنظيرات في رسم صورة مشرقة ومزدهرة للعراق الجديد .
فصابر حول بغداد بعصا العيساوي السحرية إلى واحة مثل دبي ومونت كارلو وباريس ينطلق فيها قطار المترو على مدى 24 ساعة وتتزاحم أسراب البلابل والعصافير على حدائق العاصمة الغناء الممتدة من حي التنك إلى مدينة الصدر إلى إطراف أم المعالف ، وتبتلع المعامل الالكترونية ملايين الأطنان من النفايات في الحبيبية والعبيدي وحي طارق فتحولها إلى منتوجات تصدر ليس للهند وباكستان فقط وإنما إلى اليابان وإمارة طيطان وجميعها من الصناعات التكنولوجية الحديثة .
وقد تمكن من خلال تطبيق بعض فقرات الخطط الإستراتيجية من تحطيم الحدود الجغرافية وجعل الكلاب السلوكية تسرح وتمرح ليس في مدينة الصدر والحبيبية وحي الكمالية وإنما في الجادرية والمنصور واليرموك وزيونة والسعدون وأصبحت ونتيجة التغيير الديمقراطي وزوال النظام الدكتاتوري إن تدخل فندق الشيراتون وتتسلق سلالمه وتدخل في أورقته بعد إن حرمت منه أيام النظام السابق ، وكذلك فقد دخلت هذه الكلاب إلى المنطقة الخضراء في أيام ولايته على بغداد لتتعرف على الكلاب الأمريكية والنوم معها وممارسة الحب سوية تحت ظلال أشجارها والتنقل بين حدائقها ، لقد تكاثرت هذه الكلاب بشكل كبير مسجلة رقما قياسيا بإعدادها في ظل العصر العيساوي ومحطمة سقف الاعتداءات على البشر حتى دخل العراقيين موسوعة غينس في عدد المصابين بداء الكلب وداء المسعورين من الفاسدين والمفسدين .
وفي الخطط الإستراتيجية التي أنجزها العيساوي المجاري الأفلاطونية التي تستطيع إن تبتلع بحيرات المياه الآسنة التي تغطي سطح بغداد وأزقتها والتي شاهدناها عندما هطلت الامطار مؤخرا حيث لم نرى قطرة واحدة في ارصفة الشوارع ، وقد صممت هذه المجاري وفق تصاميم مجاري أمريكا وألمانيا وفرنسا التي رأينا شبيهتها في مسلسل ( فنسنت ) الذي عرضه تلفزيون بغداد سابقا ، ولا بأس إن تكون مأوى للفقراء والمشردين الذين لا يملكون سكننا ينامون فيه ، ومن المنجزات الأخرى شبكات المياه الصافية للشرب التي تعوضنا عن المياه المعدنية المعبأة بالأوزون وتمتاز برائحتها الهادئة وطعمها المثير ولونها الأخضر العجاجي .
وكذلك ان الأمانة ساهمت بتشجيع سياسة التجاوز على القانون بسبب إرهاب رموز حكومية وبرلمانية وحزبية وحتى السكوت عن ( الحوسمجية ) الصغار اندرج في إطار اللعبة الانتخابية الماضية وإرضاء أصحاب الشأن الذين يستخدمون الفقراء وقودا لحروبهم اليومية ولعل لسان حال الفاسدين يقول ليذهب الجميع إلى الجحيم ما دمنا نقدر على إن نخرج من هذا المولد ليس بالحمص بل العشرات من المليارات والدولارات وكل ذلك من اجل بغداد أجمل وأنظف ، ومن لم يصدق ليطلع على حجم الميزانية التي أنفقت على هذه المدينة ومازالت خربة وبدون خدمات ولا شوارع ولا أرصفة ولا شبكة مجاري معتبرة أو ماء صالح للشرب ولا منهول واحد يجلس في مكانه الصحيح من شرق المدينة إلى غربها وان وجدتموه سجلوه وابعثوا صورته إلى مجموعة غينس للأرقام الخيالية ، وأصبحت بغداد اليوم مدينة المتجاوزين على أملاك الدولة وأصبحت قطع الأراضي المتروكة أو الملاصقة للبيوت تباع بالملايين وانشات على هذه الأراضي قطاعات كاملة وكأننا في كوكب آخر لم يعرف القوانين ، والعجيب في الأمر لو إن ربع هذه المبالغ التي دفعت لأمانة بغداد لأي بلد في العالم يتمتع 1% من النزاهة لاستطاعوا إن يبنوا مدنا تشابه مدن الأحلام والأساطير .
وأخيرا يا سيد صابر هذا الزمان الجميل نقول لكم بعد إن شفتطم المليارات من بطون الفقراء والأيتام والأرامل والمشردين لتتفرغوا لإدارة استثماراتكم وشركاتكم وعقاراتكم وقد حان وقتكم للسفر والسياحة والأيام الحمر الملاح لا نقول لكم سوى خذوا تنظيراتكم الخيالية وخططكم الإستراتيجية الوهمية وصفقاتكم الشبحية وتذكروا انكم ستواجهون ربا عادلا شديد العقاب , ولم نطلب من الوكيل الجديد سوى جزا بسيطا من حقوقنا من ماء نظيف وشارع نحيف ومجاري سريعة وبيئة شبه لطيفة تهدئ من روع الإنسان وتخفف عليه وطأة الصراعات الطائفية والشخصية ونتائجها من المتغيرات والمفخخات السياسية .
firashamdani@yahoo.com