فـخـر الكـلـدان بماضيهم وحاضرهم والآثوريّـين بما عـنـدهم فـهـل مِن خـلل في سـلوك أيّ منهم ؟
لا يـمـرّ يوم إلاّ ونـقـرأ خـبراً أو تعـليقاً أو مقالاً يكـتبه أبناء شعـبنا من الآثوريّـين أو الرفاق الكـلدان الذين قـدّموا قـسيمتهم فـتـوظـفـوا في دوائـرهم ، يُـلـوّنون صفـحاتهم باللون الذي يـحـلو لهم ونـحـن فـرحـون لهم ومؤمنون بأن الكاتبَ حـرٌ فـيما يخـتاره ويؤمن به ويعـتـنـقه أو يقـرأه ويفـكـّر به ويكـتبه أو يأكـله ويلبسه ، وحـريته هـذه مُـصانة له طالما ( كما عـبَّـر عـنها مفـكر غـربي ) أنّ ذراعه تـمتـد إلى حـيث يشاء دون أن تلامس أنف صاحـبه الذي أمامه ، فإن تـجاوز عـنـدئـذ يتـوقع رداً قـد لا يُـسِـرّه . إنّ ذلك منـطِـقــُنا نـحـن الكـلـدان وشعـورنا وضميرنا وتـربـيتـنا ، ولا تــُستـثار حـفـيظـتـنا مِمّن يُـمَجّـد إسمَ أجـداده أو إنـتمائه أو قـوميته ، لن نـنـتـقـده ولن نـعـيـبه أو نــُعَـيِّـره ولن نستـهزىء به يوماً ، وهـذه هي ثـقافة قـبول الآخـر ، وإذا تـمَـنــّينا من الآخـر أن يـحـذو حـذونا ، فإنما ينبع ذلك من رغـبتـنا في الوصول إلى قاسم مشترك من دماثة الأخلاق ومحـبة المشـتاق بـينـنا ، وإنْ لم يـلقَ كـلامنا صدىً عـنـد إخـوانـنا ، فإنـنا ثابتون عـلى مبادئـنا وسـنبقى عـلى سـليقـتـنا وإيجابـية نـظرتـنا عـلى غـيرنا .لـقـد مَـلـَـلـْـنا من قـراءة كـتابات مبتـذلة راح وقـتها وفـقـدَتْ قـيمتها من كـثرة إعادتها وصارتْ تـتآكل ذاتياً من التمادي في صقـلها ، ولم يَـعُـد يُجـدي نفـعاً زرعُـها . فأسـطوانة الـ : ( كـُـنا نـسجـل عـرباً في إحـصاءات السنين الماضية ) تـخـدّشـتْ ، لأنـنا في حـينها وما بعـدها ، سجـّـلنا إسم قـوميّـتـنا الذي هـو فـخـر لـنا ، أما الموظـف العـدّاد فـكان يـقـولها لـنا عـلـناً أنه مـلزم بتغـيـيرها ، وقـد ذكـرتُ في مقال سابق كـيف إلتـقـيتُ في ألقـوش بـِعَـدّادين من الموصل عام 1977 تـذمّـروا أمامي من الأوامر الصادرة لهم تـقـضي بتسجـيل قـومية اليزيديّـين عـربـية في إستمارة الإحـصاء . وفي جانب آخـر نـقـرأ هـراء البعـض بــِقــَولهم أن أحـزابنا بـدأتْ بالظـهـور بعـد عام 2003 فـنقـول لهم : هـل ذلك يـلغي قـوميتـنا من عـمق التأريخ قـبل المسيح ؟ هـل يمسح إسم قـوميتـنا من كـتاب الحُـضرة للصلوات الطخـسية من كـنائـسنا منـذ القـرن الرابع بعـد ميلاد الرب المسيح ؟ هـل نـنـكر الخـتم ( محـيلا شمعـون ﭙـطرك د كـلـدايـيه ) لكـنيستـنا المشرقـية العـريقة قـبل 1552 ، وإستمرار خـتم الوثائـق به في كـنيسة الآثوريّـين إلى حـد عام 1930 ؟ ونسأل : إذا خـسر أحـدهم في صفـقة تجارية أو مباراة رياضية ، هـل ينـكـر أصله ، وما علاقة هـذا بـذاك ؟ وإذا قال واحـد من أبنائـنا أنا ياباني من جـنوب إفـريقـيا ناضلـتُ مع جـيـﭭارا في مدغـشـقـر ، فـهل ينسحـب قـوله عـلى جـميعـنا ونصطبغ بإدّعائه ؟ عـلى كـُـتــّابنا الواقـفـين عـنـد الضفة الأخـرى من النهـر أن يـعـيدوا النظر في طروحاتهم المتهـرئة تلك ويَجـِدوا بـدائـل جـديـدة لها ، وسـنـستـمر بالرد الرصين عـليها حـتى يـُغـيِّـروا ستراتيجـيتهم للأيام القادمة منها .
أيها الإخـوان : تــَعَـلــّموا بعـضاً من عِـلم المنطق من الحـياة الإجـتماعـية البسيطة ، فهـناك مَنْ بـدأ بكـتابة سيرة حـياته منـذ سنين ، فـهـل يمنع أن يـبـدأ آخـر بكـتابة سيرة حـياته اليوم أو غـداً ؟ هـل سنـقـول له أين كـنـتَ طيلة الفـترة السابقة ؟ وهـل أنّ القـلم والورق لا يملكه ، أو لا يحـق لأحـد أن يمتـلكه إلاّ أولـئـك الذين كان عـنـدهم سابقاً ؟ وإذا كان زَيـد من الناس قـد بـدأ الصلاة منـذ نـعـومة أظفاره بصورة منـتـظمة وسـيضمن كـرسيّه في الجـنة ، هـل يمنع عُـبَـيد من أن يـبـدأ الصلاة في فـترة شبابه ليرث الملكـوت السماوي ، أم أنه كـُـتِبَ عـليه نار جـهـنم مدى حـياته ؟ ومثال آخـر : لـقـد بـدأ إكـليروس كـنيستـنا الكاثوليكـية للـكـلدان بـدراسة الفـلسفة واللاهـوت في المعاهـد الإكـليريكية الوطـنية والجامعات الإيطالية والفـرنسية منـذ عـهـود طويلة ، فـهـل فات الزمن عـلى كهـنة الكـنيسة الآثورية ولا يحـق لهم أن يـدرسوا فـيها لاحـقاً ! عـلماً أن كـهـنة عـديدين آثوريّـين غـير كاثوليك ولا يتـبعـون روما ، باشـروا يدرسون اليوم في معاهـد روما الكاثوليكـية ، بالله عـليكم أليس جـديرٌ بكم أنْ تـُغـيّـروا طـريقة تـفـكيركم لـتـكـسبوا من النعَـم الكـثيـر لكم ، وإلاّ فـما هـو الخـوف من الكـلـدان ! هـل هم ذلك التـنـّين النائم الذي قال عـنه ناﭙـلـيـون : إحـذروه إذا نهض ؟ نعـم نـهـضنا ولكـن هـل لكي نصارع إخـوانـنا ؟ تـذكــَّروا أيام الشدّة عام 1933 ، ألا تــُطــَمئِـنـُكم وقـفـتـُـنا ؟ وقـبل أن أغادركم وأسـلــّم عـليكم ، دعـونا نستـمـتع سـويّة بما قاله المعـرّي في الماضي من زمانـنا :
( اّلا في سبـيل المجـد ما أنا فاعـــــــل.....عـفاف وإقـدام وحـزم ونائـــــــــــــل )
( وقـد سار ذكـري في البلاد فـمَن لهم..... بإخـفاء شمس ضـوءها متكامــــــل )
( وإني وإنْ كـنـتُ الأخـير زمـــــــــانه..... لآتٍ بما لم تستـطعْه الأوائـــــــــــــل )
( ينافـس يومي في أمسي تشــــــــرفاً..... وتـحـسد أسحاري عَـليّ الأصائــــــل )
( وأغـدو ولو كان الزمــــــان صوارم..... وأسْري ولـَو كان الظلام جَـحافِــــــل )
( وطال إعـترافي بالزمان وصرفــــــه..... فـلستُ أبالي مَن تغـول الغـوائــــــــل )
( حُـسامُـكَ للأعْـمـارِ أبْـرَى من الرّدى..... وعَـفــْوُكَ للجاني أعَــــــــزُّ المَـعاقِـل )
( وطاولتْ الأرضُ السماءَ ســــــفاهة..... وفاخـرَتْ الشهبَ الحـصى والجـنادلُ )
(وقال الســـــهى للشمس أنتِ ضئـيلة..... وقال الدجى للصبح لونــُـكِ حائــــــل )
(إذا عُـدّ خـَـلـْخالاً لها ، كـنتَ تاجَــــها ..... ولم تــَـزَلِ التـّيـجانُ فــَوْقَ الخـَلاخِـل )
( إذا قـيلَ بحْـرٌ ، فـهْـوَ مِلـْحٌ مُكـَـــــدَّرٌ ..... وأنتَ نـَميرُ الجـود ، عَـذبُ الشّمائـل )
( فــَوا عـجـباً كـَم يدّعي الفـضلَ جاهـلٌ..... وَوا أسـفاً كـَم يظـهـر الجـهـلَ فاضلُ )
( ولما رأيتُ الجهلَ في الناس فاشـــياً ..... تــَجاهـلـْـتُ حـتى ظــُـــنَّ أني جاهـل )