Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

فاقد الشيء لا يعطيه!

22/1/2011
واهم من يعتقد أن أحزاب الإسلام السياسي يمكن أن تؤسس لنظام ديمقراطي في العراق، وأكثر وهماً من صدق شعارات دولة القانون، بزعامة المالكي، بتوجهها نحن الديمقراطية، ولقد نبهنا مراراً وتكراراً في العديد من المقالات منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وتشكليه مجلس الحكم باغلبية قيادات احزاب الإسلام السياسي الشيعية، بعد مقاطعة قيادات احزاب الإسلام السياسي السنية، لما دعي بالعملية السياسية التي قادها الحاكم الأمريكي بول بريمر، علماً أن شقي أحزاب السلام السياسي الشيعية والسنية يمثلان وجهان لعملة واحدة.

لكن المؤسف أن تنخدع قوى يسارية كان لها دور بارز في قيادة الحركة الوطنية العراقية لعقود عديدة، بتلك العملية السياسية البائسة، وبقادتها زعماء احزاب الإسلام السياسي الشيعية المتحالفة مع قادة الحركة القومية الكردية الذين اتفقت أهدافهم على تمزيق العراق، وتأسيس كيانات مشبوهة بدعوى العراق الفيدرالي!!، والإدارة اللامركزية للمحافظات، والتي نتج عنها قيام حكومات المحافظات السيئة الصيت، التي باتت تتصرف كحكومات مستقلة، تتجاوز حكومة المركز، على الرغم من أن قيادات هذه الحكومات المحلية من بين صفوف أحزاب الاسلام السياسي الحاكمة.

فقد تمثلت تصرفاتها الفاشية بمعاداة كل توجه ديمقراطي، ومعاداة كل المنظمات الديمقراطية والتقدمية، كما هو الحال مع اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، وتطاول حكومة محافظة بغداد على خيرة أبناء الشعب العراقي من الكتاب والشعراء والفنانين والأدباء، والقيام بهجمات مسعورة على مبنى الاتحاد، بما لم يسبق له مثيل حتى على عهد الدكتاتور الأرعن صدام حسين.

إن قيادة حكومة بغداد بعملها هذا تريد أن تبرهن للشعب أنها أشد رعونة وأقسى من نظام صدام الفاشي، وهذا ما كنت قد حذرت منه في مقالي المعنون{ العراق من الفاشية القومية إلى الفاشية الدينية}، وأوضحت فيه أن الفاشية الدينية أشد خطراً على مستقبل الديمقراطية في العراق، بسبب استخدامها للدين كوسيلة في العمل السياسي، وبسبب تخلف المجتمع العراقي، والتأثيرات الدينية التي تمارسها أحزاب الاسلام السياسي عليه.

إن ما نشهده من المراسيم الدينية التي تقودها أحزاب الإسلام السياسي الشيعية، والتي يقوم على حراستها أكثر من 45 ألف من عناصر الجيش والشرطة بالإضافة إلى ميليشياتهم المسلحة، بالإضافة إلى الأموال الخيالية التي تخصصها حكومة المالكي الإسلامية لهذه المراسيم والشعائر التي لا تجدي نفعاً للشعب، بل تصب فقط في خانة هذه الأحزاب الإسلامية، لإدامة هيمنتها على السلطة والثروة، في حين لا يجد أبناء الشعب، وعلى وجه الخصوص أبناء الطوائف المسيحية والصابئية والأيزيدية من يحميهم من بطش عصابات الاغتيالات بمسدسات الكاتمة للصوت، والتفجيرات لبيوت غير المسلمين، كما هو حال الطائفتين المسيحية والأيزيدية، من دون أن يشعر المواطنون المغلوبون على أمرهم بأي إجراءات لحكومة المالكي للحفاظ على حياتهم، وأدى ذلك إلى تصاعدت موجات الرحيل لأبناء هذه الطائفة البررة عن وطنهم، ووطن أجدادهم، هرباً من طغيان ميليشيات الاسلام السياسي المجرمة.

إن أحزاب الإسلام السياسي في عرفها ترى أن الديمقراطية لا تعني سوى الانتخابات البرلمانية، والوصول إلى السلطة، مستخدمة الدين والطائفة، بالإضافة إلى الأموال التي تجنيها عن طريق الفساد المالي والإداري المستشري في أجهزة الدولة من القمة إلى القاعدة للوصول إلى هذا الهدف، والحفاظ على سلطتها بكل الوسائل والسبل.

وبمجرد وصولها إلى السلطة تنكرت لكل شعاراتها التي خاضت الانتخابات بموجبها، وكأنها قد باتت تمتلك تفويضاً إلهياً للتصرف بشؤون المواطنين وحقوقهم وحرياتهم التي كفلها الدستور، وشرعة حقوق الإنسان التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة منذ عام 1948، والتي تناولت بالتفصيل الحقوق والحريات التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان بصرف النظر عن الجنس والقومية والدين والطائفة، وقد أكد الإعلان العالمي على حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، كما أكد على حقوق الطفل بكل تفاصيلها.
لكن أحزاب الإسلام السياسي، بشقيه الشيعي والسني، ما أن استلمت الحكم حتى باشرت بفرض أجندنها المتخلفة التي عفا عليها الزمن على المجتمع، وحقوقه وحرياته الديمقراطية، العامة منها، والشخصية، مستخدمة سلاح الدين والشريعة، بالإضافة إلى سلاح السلطة من جهة، وميليشياتها المسلحة لفرض إرادتها على المجتمع بالقوة، مستغلة حالة التخلف السائدة في البلاد.

وتباشر المدارس الدينية التي يشرف عليها عناصر سلفية و شيعية متخلفة، تتخذ من الدين وسيلة لتحقيق غايات سياسية بأساليب قسرية، وتمارس هذه المدارس نشر الفكر التكفيري والعنفي، وتفسر الدين بالطريقة التي تحقق لها أهدافها وغاياتها الشريرة، وتستخدمه لغسل أدمغة الناس البسطاء، وحثهم على القيام بأعمال إرهابية من قتل وتخريب وخطف واغتصاب، وتكفير المواطنين الذين يعارضون هذا التوجه، وتتدخل في كل صغير وكبيرة في حياة المواطنين الخاصة وتحاول فرض القيود في أسلوب حياتهم ومظهرهم وملبسهم وغير ذلك من الأمور بحجة مخالفة الشريعة !!.
أن التعويل على حكم احزاب الاسلام السياسي في إقامة الديمقراطية ودولة القانون هو الركض وراء السراب بعينه، ففاقد الشئ لا يمكن أن يعطيه، وهذه الأحزاب لا تؤمن بالديمقراطية، والشريعة الإسلامية لا يمكن أن تتفق مع الديمقراطية، بل هي والديمقراطية على طرفي نقيض، ومن ينتظر منها بناء عراق ديمقراطي فهو كمن يبدو له السراب ماءاً، ولكن هيهات...

أن الأنظمة الدكتاتورية، والأحزاب والمنظمات الفاشية، والأنظمة المتخلفة التي تتخذ من الدين ستاراً لإدامة حكمها هي المرتع الخصب لتوليد وانتشار الإرهاب، ولا سبيل للحد من النشاط الإرهابي، وإعادة الأمن والسلام في ربوع العراق،وفي سائر البلدان الإسلامية، وبناء نظام ديمقراطي مكين لا يمكن أن يتم إلا بفصل الدين عن الدولة، ومنع استخدام الدين كوسيلة للعمل السياسي، وقيام حكم ديمقراطي حقيقي، وسن دستور علماني يحترم الإنسان، ويرعى حقوقه وحرياته العامة والشخصية، ويؤمن العدالة الاجتماعية، ويوفر للشعب حياة كريمة تليق بالإنسان العراقي بمختلف أطيافه دون تمييز بسبب الدين والقومية والطائفة والجنس.

كما ينبغي تأمين حقوق المرأة التي نصت عليها شرعة حقوق الإنسان، ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات، وإن الشريعة التي تنتقص من قيمة المرأة، وتسلب حقوقها الإنسانية، لم تعد تناسب المجتمع الإنساني في القرن الحادي والعشرين، فإن كل شئ في الدنيا في حالة تغيّر وتطور مستمر، ولا يمكن أن يبقَ ثابتاً، وإن عدم تطور الشريعة يجعلها حجر عثرة لا بد من تجاوزها أمام تقدم المرأة، ونيل حقوقها المهضومة، باسم الشريعة!!

إن المرأة التي تمثل نصف المجتمع الإنساني هي في واقع الحال أكثر جدارة من الرجل، وما تقوم به من أعمال وأدوار يقف عندها الرجل عاجزاً، أنها الأم التي تولّدُ المجتمع، وتحافظ على ديمومته، أنها تحمل، وتعاني آلام الولادة القاسية، وتربي وتتحمل مصاعب التربية، وتؤدي واجباتها البيتية، وتمارس العمل في مختلف مؤسسات الدولة، وفي العمل الحر، وتمارس العمل السياسي بكل جدارة وتضحية، فهي والحال هذه لا بد أن تتحرر من القيود الجائرة التي فُرضت عليها باسم الشريعة والدين، ولا بد أن تأخذ دورها في الدولة والمجتمع.

كما ينبغي سن قانون لتنظيم الحياة الحزبية في البلاد تقوم على أسس ديمقراطية، ومنع استخدام الدين أو الطائفة أو الشعارات القومية الشوفينية في العمل السياسي،
إذا شئنا إقامة نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد.
كما ينبغي إعادة النظر الجذرية بالأساليب التربوية السائدة في مدارسنا حالياً، والمناهج الدراسية المتخلفة التي فرضتها احزاب الاسلام السياسي الحاكمة، وهذا التحول يتطلب أن يكون على رأس وزارة التربية شخصية تنكوقراطية متخصصة، وذات أفق ديمقراطي حقيقي، لانتشال مدارسنا من حالتها المزرية التي باتت تعلم أطفالنا في مدارسنا، وحتى رياض الأطفال اللطم والتطبير، كما عرض أحد أفلام اليوتيوب في إحدى رياض الأطفال في الحلة، بدل تعليمهم حب الحياة، وترسيخ القيم الإنسانية والعلمية الضرورية لبناء شخصيتهم.
أن هذه الأساليب لا تهدف إلا إلى خدمة احزاب الاسلام السياسي التي تهدف إلى بقاء المجتمع على تخلفه، كي تستمر في قيادته كقطيع أنعام!، تماماً كما فعل الدكتاتور صدام في حملته الإيمانية المزيفة، ولا تريد أن تتفتح أذهان أطفالنا وشبابنا على الحقائق العلمية والإنسانية.
إن العراق ينتظره مستقبل مظلم إذا ما استمرت الحال كما هي عليه اليوم، وعلى سائر قوى اليسار والديمقراطية والعلمانية أن تعي دورها الهام، وواجبها في الظروف الحالية التي يمر بها العراق، وهي مدعوة إلى أخذ زمام المبادرة، والعمل على توعية أبناء وبنات الشعب، وحثهم على المطالبة بحقوقهم الديمقراطية، وعدم إتاحة المزيد من الوقت لقوى الظلام والتخلف لتثبيت هيمنتها على مقدرات البلاد التي يمكن أن تمتد لعقود طويلة، وهذا يتطلب أولاً وقبل كل شئ توحيد سائر هذه القوى في جبهة وطنية عريضة، وميثاق عمل تتفق عليه، وتلتزم بتنفيذه، والعمل بكل جدٍ وتفانٍ وإنكار ذات، بعيداً عن المصالح الأنانية والحزبية الضيقة، وهذا هو السبيل، ولا سبيل غيره لبناء عراق ديمقراطي حقيقي، وقيادة العراق إلى شاطئ الأمان والسلام، والعيش الرغيد لشعبه.



Opinions