Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

فلم إرهابيي الخط السريع - مزيف!

كانت مقالتي السابقة " إن كان هؤلاء يمثلون السنة، فإني أتبرأ من سنيتي!"(1)  تتمحور حول فلم لعملية إرهابية يفترض أنها في طريق خارجي سريع في المنطقة الغربية في العراق. والذي قرأ المقالة بتمعن اكتشف أنني انطلقت من افتراض أن الفلم حقيقي، رغم أني أشرت إشارة عابرة إلى التشكيك بصحته. والسبب هو اني رأيت، وما أزال عند رأيي، أن الفلم بذاته، والجريمة بذاتها، ليست موضوعاً مهماً بالنسبة للحالة الطائفية في العراق. فيمكننا أن نؤسس على فلم روائي خيالي، إن كان يصور الواقع تصويراً معقولاً. 

وقد كان هذا الفلم، الذي أكشف هنا أنه مزيف، يصور الواقع تصويراً معقولاً, وإن كان متطرفاً في وحشيته. فليس عجيباً أن نرى إرهابياً يتقمص الدفاع عن أهل السنة و "الإنتقام لهم"، ويقتل الأبرياء بالفعل، دون أن يلقى استنكاراً من السنة، بل ربما يتحمس له المشتطون منهم، وهذا أمر فضيع. هذا هو ما أردت مناقشته في مقالي السابق، ومناقشة موقف السنة منه، سواء كان قد حدث بالفعل أم لم يحدث. وأعتبرت كذلك دعوتي التالية لجمع التواقيع من أهل السنة لاستنكار الأعمال الإرهابية ضد الشيعة (2) أو غيرهم، (وما زلت أدعو من لم يوقع معنا أن يفعل ذلك ويرسل لمعارفه ليفعلوا) كامتداد لطرح نفس الموضوع على طاولة النقاش. 

الآن وقد طرح الموضوع، وتخلصنا من احتمال إتهامنا بمحاولة إنكار الحقائق محاباة للسنة (كما أفترض)، يمكننا أن نطرح حقيقة الفلم كما أراها والمؤشرات أو البراهين التي وجدتها على زيفه، مثل العديد من الأفلام والمسرحيات المتعلقة بالإرهاب التي كتبت عنها سابقاً موضحاً نقاط الضعف في مصداقيتها... ففي معظمها تجد علامات لا تخطأ، عن سعي لإخفاء القصد منها وتلبس قصدي طائفي، وإخفاء من يقف وراءها وتأكيد كونه عراقي طائفي ايضاً، وقد تمضي الكثير من الأكاذيب بنجاح، ولكن "مو كل مرة تسلم الجرة" كما يقولون، ولحسن الحظ! 

أرجو أن تعيدوا معي مشاهدة الفلم أدناه (3) والذي كررت أجزاء منه بشكل مكبر ومبطأ العرض للوضوح، ولنناقشه معاً:

كنت قد لاحظت منذ البداية في عملية إطلاق النار على "الضحايا" في نهاية الفلم الدرامية، بضعة نقاط، الأولى أن الذي كان يطلق النار، كان يبدو أنه يصيب الأرض قرب "الضحية"!

وذكرني ذلك بمشهد رايته في التلفزيون يوماً، يشرح كيف تصور مشاهد إطلاق النار في افلام الكاوبوي في السينما، حيث توضع متفجرات صغيرة تحت التراب قرب الضحية، وتفجر عن بعد بشكل متتالي (بسلك مدفون تحت التراب). أما الدم فيقوم الممثل الضحية بعصر كيس مطاطي يحتوي صبغة حمراء، كان قد وضع تحت ملابسه عند بطنه أو صدره. هذه طريقة الأفلام، فهل استخدمت هنا أم أن هذه الرصاصات كانت حقيقية؟ هل وضع جميع الضحايا الثلاثة أيديهم تحت أجسامهم صدفة، ام من اجل ضغط تلك الأكياس؟

لقد لاحظ نفس الملاحظة عن الرصاصات التي تصيب الأرض، الزميل سعد السعيدي في تعليق له على المقالة في "المثقف". واضاف إليها ملاحظة أن أحد "الضحايا" وضع يده ليخفف من سقطته ويهبط على الارض بهدوء، بعد أن أصيب بطلق ناري، وهو ما لا يستطيعه من يصاب برصاصة في مكان قاتل في العادة، فصدمة الرصاصة، خاصة من هذا القرب ولها تلك الطاقة، أقوى من ان تترك له مثل ذلك الخيار عادة. لاحظت أيضاً أن  اية رصاصة لم تصب رأس أي من الضحايا، رغم ان أثر الرصاصات على الأرض كان أقرب إلى الرؤوس من الجسد، فكيف أصابت الجسد ثم سقطت قرب الرأس.

أن اصطدام الرصاصات بالتراب وإثارته قرب رؤوس الضحايا، حتى بعد سقوط الضحايا على الأرض صعب التفسير!  فإن كان بالإمكان تفسير ذلك الأثر عندما كانت الضحايا جالسة أو تنحني فوق الأرض، باعتبار الرصاص قد اخترق جسدها ثم وصل الأرض، فانه يستحيل ان يحدث عندما تلتصق الضحية بالأرض! فما سيخترق جسد الضحية في هذه الحالة سوف يسقط تحتها ولا يمكن أن يثير التراب قربها!

الجزء الوحيد الذي بقي احياناً مرتفعاً قليلاً لبعض الوقت من أجساد الضحايا هو الرأس، وبالتالي فهو الجزء الوحيد الذي يمكن لرصاصة أن تخترقه ثم تثير التراب خلفه، لكن اية رصاصة لم تخترق رأس أي من الضحايا، ولو فعلت لرأيناها تهشم الرأس من هذا القرب، وهذا ما لم يحدث في الفلم.

كذلك نلاحظ على قمصان الضحايا، أثر العصف الهوائي بعد كل إطلاقة نار على تلك الضحية (لاحظ طويات القميص على الظهر، عند كل إطلاقة، خاصة في الجزء المبطء من الفلم)، والتي تبرهن أن البندقية كانت موجهة إلى تلك النقطة من جسد الضحية عند إطلاق النار، لكننا لا نجد أثراً لرصاصة، بل العصف الهوائي فقط! 

الدليل الأخير الحاسم في رأيي على تزييف ذلك الفلم، هو أن جميع الإطلاقات قد أطلقت كما هو واضح، من الخلف، وعلى ظهور الضحايا، (الجانب الأيسر من ظهر الضحية الأولى أو كتفه الأيسر، بالنسبة للطلقات الأولى) لكن اية دماء لم تظهر على تلك القمصان من منطقة الظهر أو كتف ذو القميص الأصفر، رغم انه يسهل رؤية أي أثر للدم على هذا القميص مهما كان بسيطاً! (سيتعلمون من هذه الملاحظة، وفي الفلم القادم سيلبس ممثلوا أدوار الضحايا جميعاً قمصان غامقة  ). ورغم أن الدم، خاصة في الشرايين الداخلية الكبيرة، يفترض أن يندفع بضغط القلب، في جميع الإتجاهات المفتوحة، وليس إلى الأسفل فقط! 

كل هذه الأدلة برأيي لا تبقي مجالاً للشك بأنه "فلم" ليس إلا.. فماذا نستنتج من هذا؟ 

هل نستنتج أن منظمي الإرهاب لم يجدوا سنياً ينفذ عملية إرهابية حقيقية، لأن السنة جميعاً ارقى من ان يتم تجنيدهم للإرهاب؟ كلا بالتأكيد.. تجربة صدام وحدها تؤكد أن هذا غير صحيح، وأن الشر قادر أن يجد من يجنده من أية طائفة كانت ومن أية قومية كانت وأنه لا توجد طائفة أو قومية في العراق (أو غيره) منيعة على الإغراء والإبتزاز بهذا الشكل. 

الوضع الطائفي الذي تكون في البلاد، يجعل من غير المستحيل إيجاد متطوعين سنة للقيام بعملية إرهابية حقيقية ، وقد فعلوا مراراً وتكراراً، وتصويرها وتقديمها كدليل على إرهابية السنة، فلماذا إذن يتم تصوير فلم مزيف يهدد بالخطأ والإفتضاح ، كما هو حال هذا الفلم؟ 

هناك أسباب عديدة ممكنة، أحدها أن القيام بعملية إرهابية حقيقية ليس سهلاً تماماً، ولا يخلو من المخاطرة،.. التمثيلية بالمقابل يمكن إجراؤها في اي مكان آمن، ربما داخل سوريا حيث يسيطر الإرهابيون مثلاً. 

ويؤيد هذا الرأي ما قاله أحد الإرهابيين (الممثلين) من تحدي للمالكي حول سيطرته على الخط السريع، فيبدو من إدعاءهم، أن التواجد على ذلك الخط لم يكن سهلاً بالنسبة لهم، لأنه يحتاج وقت طويل وترتيب وإطلاق رصاص الخ..وإذا كانت القوات العراقية بافعل مسيطرة على الخط السريع، فهذا دافع آخر للفلم. 

وقبل نشر هذه المقالة في المواقع، جاءني من صديق خبر آخر يؤكد الشكوك في أن الفلم، غير حقيقي. فقد أعلنت وزارة الداخلية العراقية أن الطريق من الفلوجة ولغاية سوريا مؤمنة (4) لكنها لم تقل أن العملية مزيفة، وإنما "قديمة تمت قبل ثلاثة أشهر". وربما القصد أنها لم تكن تسيطر على الطريق قبل ثلاثة أشهر. 

وأتصور أن الصحيح هو أنه قد يكون حديثاً، وتم تمثيله في مكان آخر آمن للإرهاب، مثل منطقة في سوريا ربما. أيضاً التراب الأحمر في المنطقة في الفلم ليس هو المعتاد في مناطقنا الغربية. 

سبب آخر لتفضيل الفلم المفبرك هو السيطرة على أجواء الحدث. أما عندما تكون العملية حقيقية، فربما لا يتصرف الضحايا بأفضل طريقة درامية يريدها مخرج الفلم. ربما يعرفون عدد ركعات الصلاة، وربما يقدمون البراهين أنهم سنة، وربما يموتون فوراً بأول رصاصة ولا يقدمون المشهد الدرامي بالحركات المؤثرة ، وربما وربما..

المهم في هذه القضية بالنسبة لنا ليس فيما إذا كان هؤلاء المجرمون قد قاموا بجريمة قتل وحشية أم جريمة تمثيل فلم لإنتاج فتنة لتدمير شعب كامل لحساب جهة أجنبية، وهو عمل أكثر وحشية في حقيقة نتائجه ويستحق عقوبة أشد وأقسى.  المهم بالنسبة لنا أن ندرك أن هناك من يبذل الجهد ويقوم بإنتاج الأفلام من أجل بث الفتنة الطائفية والعنف الطائفي بين مكونات الشعب العراقي! 

المهم فيها ايضاً، وقد يدهش البعض لذلك، أن ذلك يبرهن أن ما موجود بالفعل من مشاعر طائفية ليس قوياً كما يبدو لإثارة تلك الفتنة وأن هناك من يسعى إلى زيادتها بهذه الأفلام! هناك إذن من يقاوم الفتنة الطائفية، ربما دون أن نحس به، حتى في المناطق التي يجد فيها الإرهاب موطئ قدم وأن الطائفية لم تصل إلى ما يكفي من عقول الناس ليسيطر الطائفيون على المشهد العام، وأن مديري الإرهاب والفتنة يرون أن الرأي العام مازال بحاجة إلى المزيد من الإثارة، وأن هناك من يعمل بشكل علمي منظم على زيادة الإثارة الطائفية لدى الناس! 

وأخيراً، المهم ايضاً أن لا نعامل تلك الحقيقة بإهمال، وأن نتركها للنسيان يأكلها، مثلما تركنا حقائق ثمينة تنسى، بتواطؤ الإعلام العميل والصحفيين الذين لم يتحملوا مسؤوليتهم في حماية تلك الحقائق من النسيان، ولا أريد تكرار تلك الحقائق فقد مل قراءي من ذلك، وخاصة الحقائق التي تبرهن الرعاية الأمريكية للإرهاب. 

لو أن تلك الحقائق استطاعت الصمود والبقاء على قيد الحياة في أذهاننا، لما وجدت الفكرة المقيتة لإعادة القوات الأمريكية وإقامة قواعد للمخابرات المركزية الأمريكية في العراق، من يتجرأ على طرحها، بحجة "محاربة الإرهاب" الذي خلقته وتدعمه! 

إذن فهذا الفلم المزيف ، لو أحسنا الإفادة منه، فهو أهم بالنسبة لنا وأكثر دلالة من أية جريمة إرهاب حقيقة، فهو يكشف لنا الكثير عن ما يجري حولنا، ويصحح بعض تصورنا وتقديرنا. إنه يجب أن يجعلنا نتساءل أيضاً، إن شئنا أن نفتح عقولنا له، كم زيف آخر يمكن أن يكون قد مر علينا دون أن يتاح لنا أن نعرف حقيقته، وأن ننتبه لما سيأتي أيضاً، فهذا "الفلم" بالتأكيد ليس الأول، ولن يكون الأخير. فأعداء هذا الشعب والإنسانية، يعملون بجد!

(1) صائب خليل: إن كان هؤلاء يمثلون السنة، فإني أتبرأ من سنيتي

 http://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/564906813566392

(2) حملة تواقيع - السنة يطالبون الوقف السني إعلان تبرؤهم ممن يرتكب العنف الطائفي

 http://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/565754750148265

(3) فلم الفيديو مع المقالة على الفيسبوك: 

http://www.facebook.com/photo.php?v=10200178985069081

(4) الداخلية: الدولي مؤمَن وقتل السائقين حادثة قديمة

http://www.almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=16495

29 آب 2013

Opinions